الروائيون لا يحبون الشعراء

  • 3/25/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الرواية في نظر كثير من النقاد العرب هي «ديوان الحياة المعاصرة»، ومن الممكن أن تحتوي على جانب من فنون الكتابة الأخرى، مثل الشعر والفن التشكيلي، وهذا يجعلنا نتساءل: لماذا لا يوجد منتج روائي أو رواية عن حياة أحد الشعراء العرب المحدثين أو القدامى من أصحاب التأثير في الذائقة الإبداعية العربية والعالمية، وما السبب وراء قلة مثل هذه الأعمال في المنجز الروائي العربي، خاصة في ظل وجود نوع روائي عربي وهو «الرواية التاريخية».يقول الروائي محمد جبريل: نحن إلى الآن في عصر وحدة الفنون وهو الأمر الذي لا يوجد عندنا، فالشاعر يهتم بالشاعر فقط، والروائي يهتم بالروائيين وهكذا، وهذا أمر غريب، المفترض أن الكاتب يهتم بكل الفنون، إنك في الأمسيات الشعرية تجد شعراء فقط هم الحضور، وفي الأمسيات القصصية والروائية يحضرها الروائيون فقط، لو كان الروائي مهتماً بالشعراء، فسوف يكتب عنهم، أنا مؤمن بوحدة الفنون، ومن المهم أن أطل على كل الفنون وأعبر عنها من منطلقي كأديب، «شيلي» عندما كتب عنه أحمد الصاوي محمد رواية، فذلك يرجع لأنه أديب مثقف مطّلع على الكتابة العالمية، فكتب رواية جميلة صدرت في سلسلة «اقرأ» في أربعينات القرن الماضي، وأنا شخصياً استمتعت بكتابه عن ذلك الشاعر العالمي، وكان دافعاً لي لكتابة رواية عن أهم الشعراء العرب وهو «أبو الطيب المتنبي».المسألة متعلقة بثقافة الروائي، كثير ممّن يكتبون الرواية الآن غير مطّلعين على حركة الشعر العربي والعالمي، لذلك تجد كثيرًا من الأعمال الروائية الجديدة تخلو من الروح ومن المخيلة، في روايتي «من أوراق المتنبي»، كتبت عن شخصية ذلك الشاعر الكبير خاصة في رحلته إلى مصر، قلت في نفسي: فلأجعله شاهد عيان على عصره، وكيف استطاع تصوير الحياة المصرية في عصر كافور «لأنني وجدت أن ذلك العصر لم يكن فيه مؤرخون» فأردت أن أؤرخ له من خلال المتنبي، وهو كشاعر كان يكتب بلغة مركبة، وقد قرأت ديوانه في البداية في مكتبة والدي بالإسكندرية وأعجبت بقصائده، حيث توجد فيها الحكمة بكثافة، والتي يرجع فيها إلى مقولات الفلاسفة، وقرأت عن صلته بكافور ومغادرته إلى مصر، وكتبت عن قصيدة «الملاريا» التي كتبها بعد إصابته بها في مصر وقد بدأت المسألة بكتابة قصة قصيرة، لكنها تحولت منها إلى رواية، ووجدت أن الرواية عالجت علاقة المثقف بالسلطة، المتنبي كمثقف وكافور الإخشيدي كسلطة، بعض النقاد رأى أنني أرمز إلى علاقة السلام بين مصر وإسرائيل وهي قراءة سياسية، أنا أعطيت الرواية البعد الإنساني، وفي الطبعة الثانية أضفت يوميات للمتنبي، لأؤكد علاقة المثقف بالسلطة، وهذا ما كنت أقصده عندما كتبت الرواية. يضيف جبريل: معظم ما يكتب الآن من روايات يعد محاكاة للنموذج الأوروبي، بعض الشباب مثلاً يرفض قراءة نجيب محفوظ، ولا بد أن يتجه الكتاب العرب إلى قراءة بيئاتهم والتعبير عنها، بدلاً من استقدام بيئات غربية في الكتابة العربية، ويطالب جبريل الروائيين العرب الجدد، بضرورة تعميق ثقافتهم ومعرفتهم بآبائهم المؤسسين من الروائيين والشعراء والمفكرين العرب، لأن حياة هؤلاء مادة خصبة للكتابة، والتي لو تمت فسوف تكون كتابة فارقة ومغايرة، لأننا تعلمنا من أساتذتنا أن التجديد لابد أن يقوم على بناء معرفي محكم متعدد الروافد، جميل جداً أن تكون هناك روايات عن المتصوفة والفلاسفة، لكن الأجمل أن تكون هناك روايات عن «آباء الخيال» وهم الشعراء. قمر على المستنقع يتفق مع هذه الرؤية الشاعر د. حسن طلب الذي يرى أن هناك حالة من الاستغراب تسيطر على ذهنية ومخيلة المبدعين العرب الجدد، فلا يوجد استلهام حقيقي للأحداث العربية ولا للشخصيات صاحبة التأثير الاجتماعي والثقافي والفكري في التاريخ العربي القديم والحديث.ويضيف: الأدب بشكل عام لا بد أن يتميز بالخصوصية والتعبير عن البيئة المحيطة بالأديب، فإذا كان الروائي أو الشاعر أو حتى الفنان التشكيلي، مستغرقاً في بيئته المحلية كان أكثر وصولاً للقارئ في كل مكان في العالم، ومن هنا جاء تميز «نجيب محفوظ» ولم يكن حصوله على جائزة نوبل للآداب عام 1988 من فراغ، بل لأنه عبّر عن بيئته المحلية، وكتب عن الحارة المصرية أكثر من 40 عملاً روائياً وقصصياً، أصبحت جميعها من التراث الإنساني، وكانت لهذه الأعمال أكبر الأثر في كثير من التجارب الروائية في العالم، وكان لصاحب «الحرافيش» مقولة شهيرة أثّرت فينا جميعاً وهي «إذا أردت أن تكون عالمياً فلا بد أولاً أن تكون محلياً».يضيف طلب قائلاً: إن أزمة كثير من الأدباء العرب خاصة من الأجيال الجديدة، أنهم يعيشون في أثواب ليست لهم، وحجتهم في ذلك ضرورة «القطيعة» مع التراث، وقد روج بعضهم منذ سنوات لمصطلح «موت الأب» وهو مصطلح خاطئ من وجهة نظري لعدة أسباب من أهمها: أن الإبداع الحقيقي لا بد له من جذور ثابتة، حتى تثمر شجرته، كذلك على المبدع الحقيقي أن يكون عارفًا بالتراث، حتى يكون بإمكانه التجديد في بنية نصه الإبداعي، وأذكر هنا بعض أعمال الروائي الراحل علاء الديب مثل «قمر على المستنقع» وغيرها التي توجد بها شخصيات شعراء، وإن كانت بشكل متخيل، وبهذه الروايات نماذج لبعض شعراء الحداثة، وعلى ما أعتقد أن مثل هذه الأعمال من الممكن أن نبني عليها، فحياة كثير من الشعراء تعتبر مادة خصبة للعمل الروائي. تقصير ترى الروائية والشاعرة د. عزة بدر، أن هناك تقصيراً حقيقياً من قبل الروائيين في كتابة روايات عن الشعراء، وتضيف: ربما تكون البداية من المسلسلات التي تتناول حياة الشعراء، كما حدث مع محمود درويش ونزار قباني، لكن الأمر يتطلب أن تكون حياة الشاعر فيها كثير من الدراما، كي تكتب عنها روايات، أيضاً هناك نوع من الحساسية تجاه استعراض حياة أحد الشعراء في عمل روائي، خاصة من بعض أبنائه بعد وفاته، كذلك الأمر يختلف من الناحية الفنية، فالرواية مزيج بين الخيال والواقع، كيف يتمكن الروائي من مزج الخيال مع واقع حياة الشاعر، والتصاعد الدرامي أمر صعب للغاية؟.وتضيف د. عزة: أرى أن أفضل ما يخلد الشاعر هو شعره ودواوينه، وكثير من الشعراء كتبوا أغنيات تحيا معنا كل يوم، لأنها تعبر عن قضاياهم وحياتهم التي عاشوها ورؤيتهم للمرأة والعاطفة والحب، منها أشعار أحمد شوقي وإبراهيم ناجي، فقصائدهم تركت في المتلقي مشاعر عميقة، ويفضل أن يكتب الشاعر نفسه، سيرته واعترافاته الروائية، فنزار قباني كتب سيرته «الشعر قنديل أخضر» وصلاح عبد الصبور كتب عن تجربته الشعرية في «حياتي في الشعر» وهناك عدد كبير من الشعراء سجلوا تجاربهم في شهادات مهمة، المفترض أن نشجع شعراءنا على أن يكتبوا سيرتهم الذاتية أو الروائية.تجارب قاسية يرى الناقد د. رمضان بسطاويسي، أن الكتابة عن الشعراء هي نوع من الرواية التاريخية والتي أصبح لها - الآن- حضور قوي في مجال الرواية العربية، ومن الممكن أن يوظف الروائيون العرب كثيراً من الشخصيات الأدبية البارزة ومنها الشعراء بالطبع من أصحاب التجارب الشعرية الرائدة المكتملة مثل بدر شاكر السياب أو صلاح عبد الصبور، أو صلاح جاهين أو فؤاد حداد أو محمود درويش، أو نازك الملائكة، وحتى جبران خليل جبران وأحمد شوقي، في أعمال روائية، لأن هؤلاء الشعراء مروا بمراحل مختلفة في الحياة وتجارب قاسية، ما بين الهبوط والصعود، ما بين المعاناة والألم، ما بين الإقامة والمنفى، ما بين الحرية والمعتقل، وما بين الصحة والمرض.ويضيف د. بسطاويسي: أعتقد أن مثل هذه الكتابة الروائية لا بد أن تعتمد على منهجية في الكتابة، يكون أحد أجنحتها «الوثائقية» والجناح الآخر هو الخيال والقراءة النفسية للشخصية، وبالتالي تحتاج مثل هذه الكتابة إلى روائي من نوعية خاصة، يمتلك أدوات فنية عالية، وموهبة متميزة حتى يخرج العمل معبراً- بشكل جيد- عن مثل هذه الشخصيات المؤثرة. القمة أحادية يرى الشاعر عبد العزيز موافي، أن غياب سير الشعراء عن الأعمال الروائية العربية وراءه أسباب، بعضها يرجع إلى تأخر دخول الرواية العالم العربي، وبعضها يرجع إلى المنافسة المفتعلة بين الرواية والشعر، وعن ذلك يقول: الرواية ابنة العصر البرجوازي، وهي نوع الأدب الأساسي في الآداب الغربية منذ القرن السادس عشر وعصور التنوير، لكن الرواية في العالم العربي حالها غير مستقر، وجاء دخولها إلى العالم العربي متأخراً مع رواية «زينب» في بدايات القرن العشرين، السبب الآخر أن هناك صراعاً خفياً بين الرواية والشعر، فالشعر كان سائداً لقرون طويلة في الذاكرة العربية، والروائيون ينظرون إلى الشعراء بغير حب، ولذلك لا يكتبون عنهم.ورغم أن الرواية متقدمة - الآن- في العالم العربي كمّاً وكيفاً، فإنها - رغم ذلك- لا تستطيع أن تحتل موقع الشعر، وهنا تحتدم المنافسة بين الجنسين، وهي منافسة مفتعلة من قبل البعض، عندما يكتب بعض الشعراء مسرحيات عند المتصوفة أو عن شعراء قدماء، فهذا فيه نوع من النرجسية، لأن الشاعر يشعر بأنه الأفضل عن غيره، ولذلك نجد أن عدد المسرحيات المكتوبة عن شعراء، قليلة للغاية.وهذه المسألة مختلفة في الغرب، الجو الأدبي مختلف، فكل أديب يكتب نوعاً أدبياً ما.أما عندنا فالقمة أحادية مدببة، يعلوها فرد واحد، سواء في الشعر أو الرواية، أو الغناء أو الموسيقى، ومن يعتلي القمة لا يريد لأحد أن يزاحمه، ما زلنا نعيش التراث الإقطاعي في تعاملاتنا الثقافية، كما أننا نقلد العالم الغربي من خلال قشرة هشة، دون أن ننظر إلى العلاقات الثقافية الناجحة بين أدباء الغرب، ما حدث عندنا هو تغيير كمي، في كل تقاليد الحياة، وليس تغييراً كيفياً. جذور الصورة الصراع الخفي بين الشاعر والروائي، أثّر بالسلب في كثير من الأعمال الإبداعية، ليس في الرواية فقط لكن في الشعر أيضاً، وإذا كان العصر الذي نعيش فيه هو عصر الصورة، فإننا لا بد أن نعود إلى من أسسوا لصناعة الصورة الأدبية في العالم وفي عالمنا العربي، فالشعراء هم أصحاب الخيال الواسع بلا حدود.

مشاركة :