جاسيندا أردين مثال مضيء لثقافة وسياسات التسامح وقبول الآخر

  • 3/25/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

من قلب المحنة الأليمة وأحزان الإنسانية جراء الهجوم الإرهابي الغادر على المصلين في مسجدين بنيوزيلندا في مجزرة تجسد ثقافة الكراهية، تخرج أيقونة جديدة للقيم الإنسانية، وتتحول رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أردين إلى مثال مضيء لثقافة وسياسات التسامح والتعدد والتنوع وقبول الآخر.وتتجه قلوب وعقول وانظار البشر في كل مكان لهذه السياسية الشابة التي تبشر بانتصار الحكمة والأمل بقدر ما تؤكد مآلات الهزيمة والخسران لأصوات الكراهية ورفض الآخر وأن الدماء التي سالت للأبرياء لن تكون الا لعنة على الإرهابيين وأصحاب إيديولوجيات الشر مهما تعددت صورهم وألوانهم.وحسب تقارير إخبارية، فان الآلاف يوقعون الآن على عرائض تطالب بمنح جائزة نوبل للسلام لرئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا ارديرن تقديرا لثقافة السلام التي عبرت عنها بجلاء في طريقة تعاملها مع تداعيات الهجوم الإرهابي الدموي الغادر الذي استهدف مسجدين في بلادها.ورأى كثير من المعلقين والكتاب وأصحاب الرؤى والاهتمامات الثقافية في الصحف ووسائل الاعلام ان نيوزيلندا بقيادة جاسيندا ارديرن قدمت للعالم نموذجا فريدا في ثقافة التسامح وقبول الآخر وكأن محنة هذا الحادث الإرهابي الدموي الغادر الذي استهدف المصلين الآمنين في هذا البلد الصغير الواقع في أقصى مشرق الأرض "لم تخل من منحة" رغم كل ما سببته المحنة من آلام.وتقع نيوزيلندا التي يبلغ عدد سكانها نحو خمسة ملايين نسمة جنوب غرب المحيط الهاديء وتتكون من جزيرتين كبيرتين شمالية وجنوبية فضلا عن مجموعة كبيرة من الجزر الصغيرة وغالبية سكانها الحاليين من أصل أوروبي وتحظى بمركز متقدم في التصنيفات الدولية والمؤشرات الأساسية للتعليم والزراعة والاقتصاد ككل وجودة الحياة وهي عضو في رابطة الكومنولث وتابعة للتاج البريطاني.وفي طرح بجريدة الشرق الأوسط التي تصدر بالعربية من لندن، قال الكاتب اللبناني سمير عطاالله: "منذ اللحظة الأولى لمجزرة المسجدين ظهرت في نيوزيلندا بطلة في حجم المأساة" لافتا الى ان جاسيندا ارديرن "عرفت في وقت واحد كيف تتعامل مع السفاح ومع ضحاياه". وفي سياق التحرك السريع والفاعل لحكومة جاسيندا ارديرن فور وقوع هذا الهجوم الإرهابي، صدر قرار "بحظر البنادق الهجومية والأسلحة النارية نصف الآلية" فيما كانت هذه السياسية الشابة والتي تتبنى مواقف وتوجهات إنسانية في مختلف القضايا بما فيها التغير المناخي قد أعلنت امام أعضاء البرلمان انها لن "تنطق ابدا اسم مرتكب مجزرة كرايست تشيرش لأن هذا الإرهابي كان يسعى للحصول على أشياء كثيرة من بينها الشهرة".وفي الجلسة البرلمانية الطارئة بالعاصمة ويلينجتون والتي بدأتها بتحية "السلام عليكم" باللغة العربية، طلبت جاسيندا ارديرن من أعضاء البرلمان في نيوزيلندا ان يذكروا أسماء الأشخاص الذين قتلوا وليس اسم الارهابي المجرم الذي قتلهم".ورئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا ارديرن ولدت في السادس والعشرين من يوليو عام 1980 وفيما لم تبلغ بعد سن الـ 40 عاما فهي" تحمل الرقم 40 بين من تولوا هذا المنصب في بلادها" وعندما شغلت منصبها في الأول من أغسطس عام 2017 كانت أصغر رئيسة وزراء في العالم.ووصف الكاتب سمير عطاالله هذا الإرهابي المجرم "بالوحش الرقمي المخطط لأوسع عرض ممكن" لكن السيدة جاسيندا ارديرن "منعت نشر صورته في أي مكان او نشر كلامه ومنعت عنه أي صحيفة أو تلفزيون او أي وسيلة تمتعه بأصداء مافعل".ومع أنها في الواقع لم تبلغ بعد سن ال40 عاما فقد قال عطاالله:"أرادت سيدة الأربعين عاما وأصغر حاكمة في البلاد ان تقول للعالم اجمع وخصوصا للعالم الإسلامي ان السفاح ليس نيوزيلندا، وان نيوزيلندا هي تلك التي رفعت الآذان في انحاء الدولة في مرور أسبوع على المجزرة، والتي تلت القرآن في البرلمان، والحاكمة التي لبست ثوب الحداد ولم تخلعه بعد".وهكذا كما يقول سمير عطاالله "فكما أن في هذا العالم سفاحين وقتلة والغائبين هناك أيضا بشر من فئة الانسان"لافتا لمغزى أن تصدر صحيفة في نيوزيلندا في ذكرى مرور أسبوع على المجزرة وعلى صفحتها الأولى كلمة واحدة بالعربية:"سلام" فيما تابع هذا الكاتب الكبير:"بعيدة على حافة الأرض، كانت نيوزيلندا مسرحا لأمثولتين: الهمجية التي يمثلها همجيو الأرض والإنسانية التي جسدتها ارديرن".وعلى أرض مصر شارك جنود من نيوزيلندا ضمن قوات الحلفاء في معارك العلمين ابان الحرب العالمية الثانية فيما تحظر قوانينها الحالية وجود أي أسلحة نووية في أراضيها او مياهها الإقليمية وتشارك بنشاط في بعثات ومهام حفظ السلام حول العالم.ويتميز المشهد الطبيعي لنيوزيلندا وتضاريسها بتنوع ثري أتاح لها ان تكون ضمن المواقع المفضلة لتصوير أفلام ومسلسلات تلفزيونية شهيرة عالميا مثل "سيد الخواتم" و"الساموراي الأخير" فيما تتبنى سياسات منفتحة نسبيا للهجرة وتعد الإنجليزية لغتها الرسمية مع لغة السكان الأصليين "الماوري" والتي تحظى بتشجيع جاسيندا ارديرن.وجاسيندا ارديرن التي تحظى الآن باهتمام عالمي كبير واعجاب بحنكتها وحكمتها لمعت في سماء السياسة ببلادها مبكرا فقد فازت في الانتخابات ودخلت البرلمان كنائب منذ عام 2008 وانتخبت في العام ذاته "رئيسة للاتحاد الدولي للشباب الاشتراكي".ودرست جاسيندا ارديرن السياسة والعلاقات العامة في "جامعة وايكاتو" التي تخرجت فيها عام 2001 وانخرطت ككادر حزبي نشط في حزب العمال حتى امسى هذا الحزب في ظل قيادتها يحظى بشعبية كبيرة بين الناخبين ومواطني نيوزيلندا ككل وكانت قد شاركت في دورة العام الماضي للجمعية العامة للأمم المتحدة ومعها طفلتها الرضيعة.وإذ تقول الكاتبة والأديبة المصرية سكينة فؤاد في سياق استقراء مجزرة المسجدين بنيوزيلندا في سياقات المشهد العالمي الراهن:"اما مواجهة كونية يتكاتف فيها ويحشد قواه المجتمع الإنساني بأكمله او طوفان حقد وعداوة وكراهية ودماء يجتاح الإنسانية وتدميرها"كانت جاسيندا ارديرن قد وصفت الهجوم الإرهابي بأنه "واحد من أحلك أيام نيوزيلندا".ومدينة كرايست تشيرش التي شهدت مجزرة المسجدين يقترب عدد سكانها من النصف مليون نسمة وتعد ثالث اكبر المدن في نيوزيلندا بعد اوكلاند وويلنجتون وتتميز بالهدوء والجمال الخلاب وتنتشر فيها الحدائق والمساحات الخضراء وتوصف "ببوابة القارة القطبية الجنوبية" فيما لم تشهد من قبل أي اعمال عنف او إرهاب.وشهدت مدينة كرايست تشيرش في الأيام الأخيرة مسيرات تندد بالإرهاب وسط تأكيدات على الاصطفاف والتضامن الوطني ورفض أي نعرات عنصرية تقسم المجتمع فيما اتفق كثير من المعلقين على أهمية رسالة ومغزى حضور جاسيندا ارديرن في طليعة جموع شعب نيوزيلندا من كل الأديان والأعراق في سياق صلاة الجمعة الماضية وبما يشكل "مشهدا خالدا في ثقافة التسامح وخطاب التنوع الإنساني وقبول الأخر".ووجه الكاتب الصحفي الكبير في جريدة الأهرام صلاح منتصر التحية للسيدة جاسيندا اردرن معتبرا انها "نموذج للحاكم المسؤول الذي يواجه الأحداث الكبرى في بلده بحزم ويحرص على وحدة مواطنيه واحترام عقيدة المجني عليهم وإعلان الوقوف معهم بلا تردد ضد قوى الشر". وعلى إيقاعات وتداعيات مجزرة المسجدين في نيوزيلندا كانت تقارير إخبارية قد أفادت ان الشرطة البريطانية أطلقت حملة للابلاغ عن أي ممارسات واعتداءات بدنية او لفظية تدخل في سياقات الكراهية والتحريض ضد المسلمين في بريطانيا والتي تصاعدت في الآونة الأخيرة.واستنكر "مرصد الاسلاموفوبيا" التابع لدار الإفتاء المصرية قيام عناصر يمينية متطرفة في الدنمارك بحرق نسخ من المصحف الشريف أثناء قيام مسلمين بأداء صلاة الجمعة قبالة مقر البرلمان للتعبير عن غضبهم وحزنهم بعد مجزرة المسجدين في نيوزيلندا. وقد يعيد ذلك للأذهان الكتاب الذي صدر بعنوان:"مسلمو أوروبا الغاضبون: انتفاضة الجيل الثاني" للكاتب والباحث الأمريكي روبرت ليكن وهو بمثابة نداء تحذير من خطورة إقصاء المسلمين في أوروبا والغرب عموما لافتا للحاجة لهؤلاء المسلمين في مواجهة تنظيمات إرهابية دموية كتنظيم داعش الذي تشير تقارير الى انه قد يعمد لشن هجمات إرهابية في أوروبا بعد دحره في سوريا وانحساره على وجه العموم في المشرق العربي.ولاريب ان الثقافة المضادة للإرهاب بكل صوره وألوانه تكتسب قوة دفع كبيرة بفضل شخصيات اوروبية كجاسيندا ارديرن والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل ولعله ليس وحده الكاتب اللبناني الكبير سمير عطاالله من تذكر المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي دعا الإرهابي القاتل في نيوزيلندا لقتلها فيما يقول عطا الله:"انها الحاكمة التي فتحت أبواب المانيا امام مليون نازح سوري".والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي ولدت عام 1954 تحدثت غير مرة عن حالة القلق الراهنة على مستوى العالم واهمية البحث عن الاستقرار ولعل جاسيندا ارديرن تنتهج نهج هذه السيدة الألمانية العظيمة التي نهضت بجهود كبيرة في اصلاح نظام الرعاية الصحية وتطوير مصادر الطاقة فيما تعد من اهم الأصوات الأوروبية المدافعة عن حق الانسان في الحياة كما تجلى في موقفها المضييء حيال ماعرف بأزمة اللاجئين في المانيا واوروبا على وجه العموم.وفي سياق تناوله لأوجه التشابه بين رئيسة حكومة نيوزيلندا "التي قادت شعبها الى الإسراع في محو اللطخة التي لحقت بالبلاد" ومستشارة المانيا الحكيمة انجيلا ميركل يقول سمير عطا الله:"حاكمة دولة صغيرة على حافة الأرض وزعيمة المانيا الموحدة القادمة من عزلة المانيا الشرقية قدمتا لعالمنا المفكك درسا في الشجاعة الأخلاقية". وبدورها الانساني وحكمتها في مواجهة ازمة اللاجئين ببلادها باتت انجيلا ميركل التي يحلو للبعض تسميتها "بماما ميركل" حاضرة في كتب تتدفق في الثقافة الغربية حول سبل التعامل مع ازمة اللاجئين في اوروبا مثل كتاب:" الأوديسة الجديدة: قصة ازمة اللاجئين في اوروبا" لباتريك كينجسلي فيما لن يكون من الغريب ان تصدر كتب قريبا عن جاسيندا ارديرن كنموذج ملهم للساسة الغربيين الذين يخدمون قضايا السلام العالمي والتعايش السلمي في مجتمعاتهم.وبالفعل تحظى رئيسة وزراء نيوزيلندا وزعيمة "حزب العمال" جاسيندا ارديرن بتقدير وإعجاب الكثير من المثقفين سواء في الغرب او في العالم العربي وهم من توقفوا من قبل بالاكبار والتقدير لمواقف انجيلا ميركل "كصوت نبيل لثقافة الحكمة في زمن الأزمة التي تلف العالم".وإذا كانت جاسيندا ارديرن التي تولت رئاسة الحكومة في نيوزيلندا في شهر أغسطس عام 2017 تلقت تهديدات إرهابية عبر "منصات للتواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية" فان انجيلا ميركل قد تعرضت لانتقادات ضارية وهجوم حاد وتحديات انتخابية من جانب اليمين المتطرف في المانيا والذي يتبنى ضمن توجهاته المتطرفة عداء للمهاجرين والاسلام ويدعو "لاعادة المهاجرين من حيث جاؤوا".وطريف التعبير الذي استخدمته الكاتبة والمؤلفة الأمريكية ايمي دافيدسون سوركين في طرح بمجلة "نيويوركر" عندما وصفت انجيلا ميركل بأنها "اقوى امرأة في عالم الرجال المزعزع" ولعل رئيسة حكومة نيوزيلندا جاسيندا أردين لا تفتقر بدورها للقوة والحزم في زمن غربي يشهد مدًا ظاهرا لليمين الشعبوي المتطرف.جاسيندا ارديرن:"بحكمتك وثقافتك بلدك البعيد القاصي أصبح وهج نور ونافذة أمل ومحبة في قلب العالم ورسالتك ستبقى حاضرة أبدا في الضمير الإنساني ومددًا لكل من يسعى لعالم أفضل وارض بريئة من الإرهاب والتطرف والتعصب"..جاسيندا ارديرن:"شكرا لصاحبة الملامح الطيبة الكريمة والقلب العظيم والرؤية الثاقبة والعقل العامر بثقافة التسامح والتنوع وقبول الآخر.. شكرا لسيدة تجمع ما بين شجن البنفسج وأحلام النرجس وأناقة الياسمين ومن ألق عينيها يولد ربيع لا يموت" !.

مشاركة :