عُرضت الميزانية العامة على مجلس النواب في وضع يبدو أنه صعب على المستوى الاقتصادي. في وقت تسعى الدولة إلى إيجاد فرص عمل. وحين تَنْشط وزارة العمل في تسجيل الباحثين عن عمل والمحاولة في إيجاد وسيلة لتوظيفهم مع عدم تجاوز أيديولوجية الحرية الاقتصادية وإعطاء صاحب العمل كامل الحرية في قرار التوظيف. فإن المعادلة الاجتماعية تبدو صعبة في هذه الحالة ووزارة العمل تجد نفسها بين مطرقة المجتمع وسندان الحرية الاقتصادية كأيديولوجية. الجانب الثاني من الوضع الاجتماعي ما يحدث في وزارة الصحة من شح في الأدوية وطول انتظار مواعيد العيادات المتخصصة ونقص بعض الأدوية وتحول فئة كبيرة من المجتمع إلى الطب الخاص توفيرا للوقت والجهد. أما الوجه الثالث فهو مستوى التعليم وعدم مواكبته لمتطلبات التنمية والحاجة الملحة إلى تلبية احتياجات سوق العمل، بالإضافة إلى الحاجة إلى تطوير وضع المعلم المادي والمعنوي، ورفع كفاءة التعليم العالي وزيادة إسهامه في البحث العلمي لرفد دوره في رفع مستوى التعليم الثانوي والمهني والفني. الوجه الرابع يتعلق بالإسكان وما أثير مؤخرا عن حجم البيوت وعدم ملاءمتها للعائلة البحرينية وارتفاع سعرها مقارنة بنوعيتها وجودتها. أما في الجانب التجاري فإن هناك مطالبات من غرفة التجارة بأخذ دور أكبر في اتخاذ القرار الاقتصادي وخاصة بعد أن أثرت الرسوم والضرائب على بعض صغار التجار كما يتضح من ندوات الغرفة الأسبوعية ومواقع التواصل الاجتماعي. وسط هذه الظروف صدرت الموازنة ووضعت أهدافا لتحقيقها شملت تنويع الاقتصاد وتحقيق النمو والازدهار لجميع أفراد المجتمع وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، ولا بد من تقييم الموازنة وفق هذه الأهداف. لا غبار على هذه الأهداف، لكن بالإطلاع على الميزانية يتبادر السؤال: ماذا تعالج هذه الميزانية من القضايا التي تؤرق المجتمع والدولة؟ وكيف ستتحقق هذه الأهداف من خلال الميزانية؟ وما الآلية التي تربط الميزانية بهذه الأهداف؟ الأهداف في حد ذاتها مترابطة ومتسقة مع بعضها، حيث إن التنويع الاقتصادي سوف يحقق ازدهارا ليس بالضرورة لجميع أفراد المجتمع، فهذا يتحقق من خلال العدالة في إعادة توزيع الدخل، ومتى ما تحققت إعادة التوزيع فإن الاستقرار الاقتصادي يتحقق. لكن أولا أنها لا تشمل الأهداف التي وردت في برنامج عمل الحكومة، ثانيا أن الأرقام التي وردت في الميزانية لا تعطي توضيحا حول كيف ستتحقق. فمثلا تنويع الاقتصاد يعتمد إلى حد كبير على سياسة تنموية تطرحها الدولة تبين فيها القطاعات التي سوف تستفيد من الميزانية من حيث الاستثمار أو التدريب. طرحت الدولة مبادرات تمثل خطة عمل الحكومة لتحقيق هذه الأهداف لُخصت في ثلاث مبادرات؛ وهي أولا: البنية التحتية، وتشمل مشاريع جرى الحديث عنها منذ مدة، وهي توسعة مصفاة النفط والخط السادس في شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) واستثمارات في البنى التحتية التي أسهمت فيها دول مجلس التعاون. كما شملت بعض التشريعات التي أقرت ومنها قانون الإفلاس. المبادرة الثانية هي تسهيل إجراءات الجهات الرسمية وخصخصة بعض الخدمات، أما المبادرة الثالثة فهي دعم سوق العمل وتعزيز دور مؤسسات القطاع الخاص، بما فيه تطوير سوق العمل لجعل المواطن البحريني الخيار الأول للتوظيف؟ لم تأت هذه المبادرات بجديد ولم تترجم برنامج عمل الحكومة. فمثلا شعار «البحريني الخيار المفضل» كان مرفوعا منذ عام 2004 إلى الآن وقد تخلت بعض الجهات المعنية عن البحرنة ولم يعد البحريني هو الخيار المفضل بالنسبة إليها بسبب فتح السوق على مصراعيه للأجانب. كما أن مشاريع البنى التحتية لم تتوقف منذ السبعينيات وهي في استمرار وقد حققنا مستوى لا بأس به في هذا المجال. وكذلك الحال بالنسبة إلى المبادرة الثالثة، تسهيل إجراءات الحكومة فإنها ليست مرتبطة بهذه الميزانية، فالعمل كان جاريا منذ زمن ولم تتوقف عجلة تحسين الإجراءات التدريجي على أمل أن تقلل هذه الإجراءات من النفقات الإدارية. وعموما فإن هذه المبادرات لا تمثل الثقل الأكبر في التأثير على تنويع الاقتصاد ولا على تحقيق الازدهار والاستقرار الاقتصادي، وهي إن كانت شروطا مهمة، فهي غير كافية لتحقيق الأهداف. الأهداف تتحقق من خلال التعليم والصحة والإسكان والضمان الاجتماعي ومبادرات مباشرة من الدولة في تنويع الاقتصاد وفي تحقيق النمو والازدهار لجميع فئات المجتمع وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. هذه قضايا مهمة لا بد أن يتحقق فيها التوازن. الميزانية تركز فقط على جانب التوازن المالي المحاسبي. ولم تول اهتماما مماثلا في التوازن الاقتصادي (تنويع الاقتصاد وعدالة المؤسسات الاقتصادية والقوانين الضريبية) والتوازن الاجتماعي الذي يعتمد على الصحة والتعليم وتوزيع الدخل وتحسين مستوى المعيشة فلا يبدو أن هذه الميزانية قدمت معالجات كافية. بالنسبة إلى التوازن الاجتماعي الذي يؤدي إلى مناخ الاستقرار ومنه إلى تحقيق الازدهار والرخاء الاقتصادي ويسهم في تخفيف العبء على الموازنة فإنه لم تتم معالجته في هذه الميزانية بما يؤثر في محدداته مثل البطالة والعدالة الاجتماعية. في هذه الميزانية هناك زيادة في الإنفاق على حماية المجتمع بنسبة 11% وهذا جانب إيجابي لكن الإنفاق على التعليم والصحة تراجع بنسب 17% و8% على التوالي بالرغم من احتياج هذين القطاعين إلى مزيد من الإنفاق لتحسين مستواهما. وأخيرا فإن هناك حاجة إلى وضع مؤشرات تربط برنامج عمل الحكومة بالموازنة وتجعل من الممكن متابعة الأداء في هذه الأهداف والمبادرات بانتظام لتقييم مدى تأثير خطة الدولة المالية على المؤثرات الاقتصادية والاجتماعية وربط ذلك ببرنامج عمل الحكومة، لم نر ذلك في مشروع الميزانية. وفي نهاية المطاف فإنه ليس من الحكمة معالجة العجز المالي بالتأثير السلبي على التوازن الاجتماعي والاقتصادي فتضيع بعض مكاسبنا المالية. mkuwaiti@batelco.como.bh
مشاركة :