إلى طريق الشمس سنمضي بعيداً عن مكاسب الفوز «الرخيص»

  • 3/7/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

كانت تضع زهرة برية على رأسها وترتدي فستانا أبيض وحول خصرها ربطت قطعة قماش نقش عليها رسمة لسلة من خيوط ملونة مبعثرة.. فيما كان هو يجلس على حافة المسرح يحتضن «الناي» ويجرب أن يعيد موسيقاه مرات عديدة لتحفظ هي الغناء استعدادا لمسابقة الفنون في ذلك المعهد. قالت له «لا تسألني إن كان هناك ثمة مايقال في مكان تبوح زواياه بشيئ أشبه بالسحاب الذي يهطل مطرا أبيض يفوح عبيرا كلما لامس تلك النوتات العريضة في دفتر أسود وضع على طاولة مسطحة خشبية منقوش عليها اشارات لتعلم الموسيقى، وأخرى كتب عليها مسرحية قصيرة، فيما بقيت الثالثة تضع نجوم الشعر بقلبها لتكبر طفلة صغيرة تحبو آتية من الأفق لتبتسم للعشق ثم تقبض على العصافير ثم ترميها في أحضان السماء.. طالع وخوقير يستعيدان ذاكرة الحب والخسارات في «كاليفورنيا»: قالت له ذلك.. وهي تقف على خشبة المسرح شامخة فيما كان يجرب هو أن يدخلها إلى بساتين عينيه كلما نظر إليها وغمرها بابتسامة دافئة.. فيعيش تلك المسرحية التجريبية.. هناك في معهد كاليفورينا للآداب والفنون.. طبعت ذلك المشهد بقلبي وكأني أجرب أن أنحت صورة للوحة أشبه بتلك اللوحة التي يوما ما كانت معلقة بداخلي، إطارها من ماء وألوانها من مطر.. هناك أضع أصبعين على عيني وأغمضهما لأحلم بأن حلما كبيرا سرق مني المكان ووضعني عند طريق الكبار لا لأكبر.! بل لأعود كما ولدتني أمي في ذلك الصباح.. هناك ألتقي بالروائي الدكتور عصام خوقير والشاعر الكاتب إبراهيم طالع. فالبوح حدث ولكنه خارج سطوة المكان، فالمكان كان جزءا من قلب الشمال هناك حيث يحلو الغناء والفرح والحزن أيضا. عبير: هذا المعهد مبهر.. تعجبني هذه القاعة الخشبية التي ملئت بزوايا الغرفة حول بيانو واحد يتوسط المكان.. إنه مكان تعلم حقا.. أحب تلك الأشياء التي تجعلني أستشعر وجودي.. نعم علينا أن نفتش عما يجعلنا أكثر إنسانية، أكثر وفاء من قبل.. علينا أن نجد تلك المساحة التي تصنع منا بشرا بقلوب مفتوحة لا تنغلق أبدا مهما كانت الصعوبات، وحدها الفنون السامية تجعلنا نقبض على منطقة السر التي تدفعنا إلى الجمال. وكم هو محظوظ من يجد ذلك السر. ** يقترب عصام من البيانو وينظر إليه بعمق ثم يعلق: كلا، لم أجد تلك المنطقة بعد ولازلت ابحث عن "السر" لكن المساحة التي تصنع منا بشرا بقلوب مفتوحة ابدا لا تغلق.. تلك المساحة صعب الحصول عليها. شخصيا ضد أن نغلق قلوبنا، لكن أحيانا يجب أن نغلقها لظروف معينة قد تفرض علينا. ما دام الهدف الوصول لقلوب مفتوحة فلابد أن تتمتع بالصفاء والنقاء وتكون بين قلوب أخرى مفتوحة. ليس هناك شيئاً يعوض «الحب» الذي يهبنا التحول والأحلام السؤال متى تتوفر الظروف التي تجعل القلوب دائما مفتوحة بصفاء.. القلوب بيد الله. ** يفتح إبراهيم ذراعيه للأفق ويتنفس بعمق كمن يجرب أن يدعو السماء لتسكن بصدره ويعلق: بكلّ تجرّد نعم أشعرُ أنني أعيشها كاملة.. فسرّ الحياة ماهيته غير معلومة، لأنّ كلمة (سرّ) هذه تحيل إلى القضايا الكبرى عن جوهر الحياة واللذة والوجود والعدم.. غيرَ أنني سأتجاوز هنا القضايا الكبرى إلى ممارسة الحياة كما هي بعيدا عن جوهرها الفلسفيّ المفقود.. إذْ يبقى لنا فيها سرّ أعظم يعرفه كل الناس ولا يفقهه معظمهم وهو (الحبّ) بمفهومه المطلق.. فلم أجدْ شيئا يمكن أن يعوضه.. فهو يمنح الحياة التي تعني أخيرا العدم، يمنحها أجمل الوجوه الممكنة المشرقة فيها.. ولك في أنواعه شاهد، فمن العشق البشريّ لدى العشاق، إلى الحبّ الاجتماعيّ المبني على افتراضك أو قطعك بأنّ الناس كلهم طيبون، والشرّ فيهم هو العارض ولا عبرة بمن عرض له الشّرّ، حتى الحبّ الصوفيّ بأنواعه ودرجاته الذي يعتبرُ في جوهره هربا من الحياة الفانية حتما إلى ملكوت يعتقدُ صاحبه بأنه لا يفنى.. ** ينظر إلي كمن ألتقط فكرة.. ثم يسترسل: وعن فكرة إغلاق القلب، فقد تقصدين منه: إغلاق الشعور أو المشاعر، إذْ إنّ القلب – كعضو – ليس سوى جزء من مركّب الجسم المعقّد. وعن إغلاق الشعور، لا أراها عمليّة إراديّة نتناولها أنّى شِيْنا، بل هو دفق لا شعوريّ تفرزه محفّزات الحياة ومكوّناتها. فلو غادرْتِ الحياةَ نحن لا نملك الوقت الذي نغلق فيه مشاعرنا نحو الآخر الاجتماعيّة إلى كهفٍ وأكلت مما تنبتُ الأرض بجانبه فلنْ يكونَ بإرادتكِ إغلاق قلبك (مشاعرك) !! عبير: هل تظن بأننا لا نملك حقا إغلاق مشاعرنا أو فتحها؟! أظن بأنه من الصعب أن نفتح قلوبنا لمن غادر بلا شرف.. قطعا نحن نعيش الصراع مع الآخر، مع الأشياء، ونحن نأمل أن نعيش ذلك الصراع بشرف.. دون أن نمس الثوابت بمعتقداتنا وما نؤمن به.. وأصعب أنواع الصراعات هو الصراع مع النفس.. حينما نغش ذواتنا ونحاول إقناعها بأننا "صح" ونحن نمارس أقذر الكذبات عليها. إبراهيم: بكيت حينما ضعفت ولم استطع أن أساعد نفسي حتى أعود أولا عليك تحرير وتعريف مصطلح (الشرف)، فالذين يقتلون الأبرياء في سبيل ذواتهم وأفكارهم وملكهم ومصالحهم يرون ذلكِ شرفا، والظالمُ عموما لا يقترف ظلمه وهو يؤمنُ أنه ظالم، بل أقنع نفسه بأنه يظلمُ الآخر من أجل شرفه. وعليه فمصطلح الشرف هنا غير محرّر تماما.. أما مفهوم الصراع فهو رديف مساو لمصطلح ( الحياة).. الحياة صراع في ذاتها لأنها تدلّ على نقيضها وهو الفناء والعدم، ولقدْ صارعتُ منذ الصرخة الأولى في وجه النور بعد ظلمة: لما تُؤْذِنُ الدّنيا به منْ صروفها يكون بكاء الطّفلِ ساعةَ يولَدُ وإلاّ فما يبكيهِ منها وإنّها لأَوسعُ مماّ كانَ فيهِ وأرغدُ !! كلُّ ما خضتُهُ مع ذاتيْ منْ صراعٍ كان بشرف على افتراض أنّ الشرف يعنيْ الإرادة والشعور بالكينونة.. وغشّ النّفسِ أمر مشروع لها، فهو نوع من الخَلْقِ الوهميّ، بحيثُ نستطيعُ إيجادَ المعدومِ بالأحلامِ المشروعة. كمْ هو جميلٌ أنْ نقنع مشاعرنا ذاتَ لذّةٍ بوقوف الزّمن وثباته عليها!! وكمْ هو ممتعٌ أن نغشّها ذاتَ لحظةٍ بأنّ الموتَ سينسانا وينسى من نحبّهم، حتّى نكادُ ذاتَ غيبوبة عقليّة أنْ نعيشَ الخلود بملذات الحياة وحبها!! هناك من يظلم الآخر وهو يظن بأنه بذلك يحمي «شرفه» إنّ الغشّ هنا – كما أراه – هو عمليّة خَلْقٍ وإبداع بديلٍ عن واقعٍ لا يقنعنا أو لا نريده، وليس بمعنى الكذب على الآخر أو على النّفس، هنا لنا أن نغشّ ذواتنا... عصام: أما أنا فأظن بأنني حاولت جاهدا ولا اجزم بأني نجحت في جميعها ولكن بفضل من الله نجحت في معظمها، وطالما الصراع كان يمس معتقدات دينيه كنت اكسب الصراع بفضل من الله بشرف. الكذب على النفس هو أسوأ ما يقوم به الإنسان ومن غير الصحيح فعل ذلك، الكذب على النفس معناه كذب على كل من حوله وهو هرب من واقع عاجلا أم أجلا سيجد نفسه فيه. عبير: ربما ذلك صحيح دكتور عصام ولكننا نعرف دروب الشمس جيدا ونفضل -أحيانا- أن نعيش في العتمة.. أفضل العتمة حينما يكون للنور وجها يكشف مقدار القبح الذي نعيشه.. أما طريق الشمس فدائما أمشي إليه ثم أعود أدراجي وأقول لنفسي ليس هذا.. عصام: لم أجد تلك المساحة المفتوحة التي تمنحني «السر» في الحياة طريق الشمس - ياعبير- هو السبيل للخروج من الظلمات إلى النور ويعني الطريق الواضح والذي لا خلاف فيه. العيش في العتمة عكس الفطرة ولا يفضل العيش فيها وقد تعني الضلال المبين. أي إنسان يتمتع بإنسانية لن يختار حياة العتمة على طريق النور. قال تعالى (بل الإنسان على نفسه بصيرة)، حياة الإنسان الصحيحة مرتبطة بالنور. إبراهيم: كثيرا ما يصرّ عالمنا الثالثُ وكثير من البشر على مقاومة الضّوء، لكنّ النورَ والظلمة دائما في صراع، وهما صورة أو أنموذج مبسّط للحياة، ولذا نخاتلُ الظلامَ بإضاءةِ أرواحنا: ( النّورُ في قلبي وبينَ جوانحيْ الخلود حلم لا يستطيع الإنسان الشفاء منه فعلامَ أخشى السّيرَ في الظّلْماء؟) والعتمةُ أحيانا جميلة عندما لا يحقّ لنفسٍ شفاّفةٍ رؤية واقعٍ ما، ولا أجدُ في كثيرٍ منْ حالاتيْ أجملَ ولا ألذّ من الظلام والوحدة، عندها أرى الكون والحياة والبشرَ بعينيْ وحديْ لا بواقعها.. وتلك عمليّةُ خلقٍ إبداعيّ وهميّ أخرى.. طريقُ الشّمسِ -يا سيدتي- يعني لي: الانعتاق منْ كلّ ما حاكهُ البشرُ بدوافعَ ذاتيّة لا تدركُ مفهوم الحياة الحقيقية.. يعني لي: أنْ أتنفّسَ كما أشاء، وأن أقولَ ما أراه، وأنْ أحبّ حباّ مطلقا بلا حسابات جدوى.. يعني لي: حبّ كلّ الناس وكلّ ما حولي.. يعني لي: أنْ أرى الجمالَ في وجه الإنسان والقرد والشجر والحجر.. يعني لي: الشعور بألاّ وصاية لأحد عليّ ولا فضل لي على أحد ولا فضل له عليّ سوى بالحبّ.. ما أصعب أن نغلق قلوبنا وألا نملك تلك الظروف التي تساعدنا ** نخرج إلى حديقة المعهد الخضراء الشاسعة.. نختار لنا مكانا مجاورا للظل.. عبير: لا أريد أن أتورط في مزيد من الأحلام.. فكلما غرقت في الحلم كلما زادت هشاشة قلبي ومضيت إلى طريق الشوق حافية القدمين ومددت يدي إلى المسافات وفي ذلك مزيد من الآلام والإخفاقات والخسارات. كلما زاد حجم الحلم كلما وجد من يكسره.. كم "حلم" تورطت به؟ وكم حلم عشته بشغف ثم اكتشفت بأنه أسوء الأحلام على الإطلاق؟ كثيرة هي تلك الأحلام.. وقد آن الوقت أن قول لقلبي ذلك يكفي. **عصام يضع أصبع الإبهام بين فكيه في تأمل ثم يقول: ولكن -ياعبير- كثيرة هي الأحلام فيها الخبيث التي لولا فضل الله وحمايته لكان تحققت الورطة وعدم الشفاء "و لكن الله سلم". وفيها الجميلة لا تريد الشفاء منها علّه يتحقق يوما، فهي بمثابة هدف. اكثرها سوء التي يجملها إبليس وأتباعه حمانا الله وإياكم منهم. إبراهيم: الخلودُ حلمٌ لا يستطيعُ الإنسانُ الشفاء منه، حتّى المؤمنون بشدّةٍ بحبّ الموتِ وتعويضِ الحياة بالجنّة هم في حقيقتهمْ أرادوا تعويضَ نقصِ الخلودِ بخلودٍ في الآخرة.. لا حصرَ لأحلامٍ تورّطْنا بها وعاقرناها ولمْ نشفَ منها.. والحلمُ المباشرُ في حياتنا الذي لا نتمنى الشفاء منه هو أنْ تصلَ الإنسانيّة إلى تطبيق جوهرها بألآّ حقّ لأحدٍ في القضاء على الآخر ليبقى هو وهو ليس بباق، وأنْ تنتهيَ فكرةُ الأفضليّة بينهم إلى جوهر التساوي.. وأنْ نقتنعَ بأنّ التّبَعيّة وفرضها عيبٌ خِلْقِيّ وخلُقِيّ ضدّ فطرة الحياة والحب.. حلم آخر: أنْ أعيشَ في زمني مع القومِ هنا قبل آلاف السنين وبعد ألف عام في آنٍ واحد لأرى حقيقة متوسّط الإنسانيّة.. ولكِ أنْ تخلقِيْ لي ما شيتِ منْ أحلام لا يمكنُ الشفاء منها. ** أعود برأسي إلى حافة الجدار الذي أستند عليه.. أنظر إلى الأفق وأهمس.. عبير: أسوء اللحظات هي تلك التي تصل فيها إلى شفافية تكره فيها نفسك.. وأقسى اللحظات هي تلك التي تصل فيها إلى ضعف تبكي فيها على نفسك عصام: لحظة كرهت فيها عصام... !!! كل إنسان عاش لحظات كره نفسه فيها وهي لحظات رهيبة لا احد يحب أن يتذكرها، اذكر هنا لحظة أيام كنت فيها طالب في البعثة السعودية في القاهرة وكنت بين يدي الله في صلاة المغرب، ونزغني الشيطان وحالها أنهيت صلاتي في نفس اللحظة وجددت وضوئي وعدت اطرق أبواب الرحمن استغفره واطلب رحمته. أما اللحظة التي بكيت فيها من اجل عصام: هي لحظة ضعف فيها عصام وانتصر فيها إبليس إبراهيم يعلق وهو يضحك: حاولتُ كثيرا كرهه فلمْ استطع.. كلما قرأتُ مقاييس المجتمعِ لإبراهيم ازددتُ له عشقا، حتّى لو كانتْ مقاييسهم غير موضوعية، غير أنها كلها حب.. فقطْ حاولتُ أخيرا كرهه لأنّهُ أجّلَ بعض إصدارات شعرية ونثرية وتكاسلَ عن إخراجها، غيرَ أنني عذرْتُهُ عندما ادركتُ ملاله منْ كلّ ما يقالُ ويكتبُ إلى حدّ يعتبرُ مّرَضِياًّ بالمعاييرِ الاجتماعية العادية.. وبكيتُ من أجلِ إبراهيم كثيرا وأهمّ بكاءاتي: موتُ أخ كانَ الأخ الوحيد (14 عاما) بعد أنْ تغنّى لي ببيت لشوقي: ريمٌ على القاع بين البانِ والعلمِ أحلّ سفكَ دميْ في الأشهرِ الحُرُمِ ثمّ لفظَ أنفاسه بينَ يديّ. وموتُ أمّ ماتتْ وهيَ تكسرُ قطعة من خبزةٍ كانتْ تعجبها وتضعُ كسرتها تحت الفراش في انتظارِ عودتي، وكتبتُ فيها نص (وافاطمهْ..).. ثمّ موت أبٍ كان يعملُ في الطين والحجر لإطعامنا، ويقترضُ لي أربعة قروشٍ كيْ أذهبَ بها إلى المدرسة في زمنٍ لمْ يكنْ هناك شيء اسمه (الفسحة المدرسية) لدى الآباء.. ولا تسأليْ أكثر عن البكاء.. ** أجرب أن أحفر بحذائي على الأرض في محاولة لرسم خط على التراب موازي لقدمي الأخرى في عبث.. أبدوا كمن يجرب أن يتجاهل كل ذلك الألم عبير: موجع حقا يا إبراهيم كل ما مررت به.. ** أرفع رأسي وأنظر إليه كمن يجرب أن يطوي الصفحة.. ولكن ماذا عن الحب..؟ تتحدث كثيرا عنه كمن عاش مع ذلك الشقي في وسط بيته.. هيا.. أخبرني يا "إبراهيم" هل لديك حب واحد لقلب واحد يتسع لامرأة واحدة أم أن القلب متسع لكل حب؟ إبراهيم: أصدقُكِ القول: لا. الذين يعتقدون هذا التّوحّد هم خاضعون لقوانين عرفيّة واجتماعيّة، أو يضحكون على النساء بشراء العواطفِ، ولملءِ عاطفة المرأة الجموح والأنانية.. منْ قالَ إنّ القلبَ لا يحبّ سوى قلبٍ واحد فتجربته الإنسانيّة محدودة.. الحبُّ عالمٌ لا حدود ولا جغرافيا ولا طبيعة تحكمه.. والذين يصرّون على التوحيدِ في الحب همْ في الواقع لا يعبّرون عن جوهر ما يشعرون به، بلْ يعبّرون عماّ يريده الطرف الآخر.. قلبي يتّسِعُ للحبِّ كلّه، ولا يمكنُ حصرُهُ على قلب واحد أو جسمٍ واحد من أجسام الحياة بشرا أو مادة أو معنى... والأصلُ في رأيي هو تعدّدُ الحبّ وتنوّعه... ** عصام يربد على كتف إبراهيم مازحا: انظريني - ياعبير - حتى اسأل قلبي، لدي قلب واحد وفي حياتي اكثر من امرأة. من يعرف عائلتي يعرف قصدي. حفظهم الله. عبير: ممتع أن يعيش المرء منا وهو يعيش الحب كما يجب، أن يتحرر من قيود قائمة التقييم لمفهوم الخطأ والصواب، أن يصغي إلى كل شيئ في الوجود ويتحرك نحوه، تجاه تلك الجاذبية الساحرة التي تحيل الروح إلى غيمة عشق كلما طارت إلى الأعلى أمطرت.. لا أعرف.. هل يكون ذلك انتصارا للحب؟ أم انتصارنا الحقيقي على الأنا الأعلى التي تتملكنا؟ لا أستطيع أن أفكك تلك الحالة بالضبط.. ولكن..!! إبراهيم: ولكن ماذا؟ عبير: متى يكون انتصارنا مؤلما لنا؟ عصام: مع كل انتصار لابد من وجود طرف خاسر. أكاد أقول أنها دائما اللحظات التي انتصرنا فيها وكانت مؤلمة للخصم. إبراهيم: عندما يكون على حساب الآخر.. يكون انتصارنا غبنا عندما يقتلني أحد أو نظام أو تنظيم أو يقتل طفلي وزوجتي والآخرين منْ أجلِ أنه يرى بهذا دخوله الجنّة خالدا فيها مع الحور العين فذلكِ هو الانتصار المؤلم بل الخارج عن فطرة البشر.. يكونُ انتصاري مؤلما متى ما كان خذلانا للآخر.. مفهوم الانتصار هو أن أحقّقَ شيئا لا على حساب الآخر، وأنْ أشعرَ أنني انتصرْتُ بحبّ الآخرين ورضاهمْ عني.. ** نبقى لدى البرهة تلك من النور.. والتي يختلط فيها رائحة العشب بالشمس نتوقف عن الكلام بعد أن يصلنا من المعهد رفيف ساحر من موسيقى الناي نغيب معها كما حدث ذات مساء حينما غاب جزءا من التوق في اقصى زاوية من شمال القلب.

مشاركة :