تحـديــات الأمـــن الـمـائـــي فــــي دول مـجلـس الـتـعـاون الخـلـيـجي بـيـن الـسـيـاسة والإدارة والاقـتصاد (1)

  • 3/28/2019
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

في مطلع شهر فبراير2003م نشرت بمجلة الاقتصادي الخليجي بحثا بعنوان (تحديات الأمن المائي في أقطار مجلس التعاون الخليجي مطلع القرن الحادي والعشرين) أشرت فيه إلى أن دول المجلس تعاني من اختلال واضح ومتصاعد في العلاقة بين الكميات المتاحة من المياه العذبة (العرض) وإجمالي استخداماتها في القطاعات المختلفة (الطلب)، وأن نوعية المياه آخذه في التردي نتيجة الاستخدام الجائر لمصادر المياه المتاحة، وأن تحلية مياه البحر التي تعد المصدر الرئيسي لمياه الشرب مكلفة، وتقنيات التحلية لاتزال متخلفة مقارنة بتسارع التطور العلمي والتقني في شتى المجالات، كما أن دول المجلس تعاني من تخلف واضح في إدارة وتخطيط استثمار الموارد المائية المتاحة، وأن العوامل السياسية والاقتصادية والأمنية فضلا عن البيئية، تتداخل في تشكيل التحدي المائي الذي يواجه دول المجلس، ولا سيما مع تصاعد وتيرة التسويق السياسي لمشاريع المياه التركية والإيرانية وغيرها، وبروز مفاهيم مغرضة على ساحة الإعلام الاقتصادي كمقايضة النفط مقابل المياه، وأنهيت بحثي بحزمة من التوصيات منها ضرورة العمل على صيانة الموارد المائية المتاحة وحمايتها من التبديد والتلوث وسن التشريعات اللازمة لذلك، وضرورة التخطيط الإلزامي للحد من هدر المياه العذبة وترشيد استخدامها وصياغة خطة لمواجهة الظروف الطارئة على مستوى كل دولة إلى جانب استراتيجية للأمن المائي الخليجي المشترك تحدد أساليب تنمية الموارد المائية المتاحة، وسبل الحفاظ عليها وبما يتلاءم مع الأهداف التنموية المنشودة من جانب، والتنسيق مع الدول العربية الأخرى لوضع استراتيجية عربية للأمن المائي باعتبار أن موضوع المياه قضية أمن قومي من جانب آخر. واليوم نجد أنفسنا في المربع ذاته الذي كنا ندعو إلى تجاوزه في عام 2003م، وسبقنا آخرين أيضا في الدعوة المبكرة إلى معالجة مشكلاته، ويتضح ذلك بجلاء فيما شهدته المؤتمرات والندوات التي عقدت خلال شهر مارس 2019م وما قبله، لمناقشة قضايا المياه والتي كان أكبرها مؤتمر الخليج الثالث عشر للمياه الذي استضافه معهد الكويت للأبحاث العلمية في المدة (12 -14) مارس /2019م تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء الكويتي سمو الشيخ جابر المبارك الصباح، وبتنظيم من جمعية علوم وتقنية المياه الخليجية، بالتعاون مع المعهد والأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبدعم من الصندوق العربي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، والبنك الإسلامي للتنمية، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وعدد من منظمات الأمم المتحدة الإقليمية مثل مكتب اليونسكو بالقاهرة، والاسكوا، ومنظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة الصحة العالمية، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وعدد من المنظمات والجمعيات العالمية والعربية مثل المركز الدولي للزراعة الملحية، والاتحاد العالمي للتحلية، وجمعية التحلية الأوروبية، وجمعية مرافق المياه العربية، وجامعة الخليج العربي. وكان تحت شعار «المياه في دول مجلس التعاون.. التحديات والحلول المبتكرة». وتحدث في المؤتمر (20) باحثا رئيسيا، وضمت قائمة المشاركين في المؤتمر نخبة مميزة من الخبراء الإقليميين والعالميين في مجال المياه، بالإضافة إلى ممثلي المنظمات العالمية والإقليمية الداعمة للمؤتمر. هذا الزخم الكبير الذي حظي به المؤتمر يدلل على خطورة وأهمية موضوعه، حيث دارت رحى مناقشاتها ومقترحاتها حول التحدي ذاته الذي حذرنا منه قبل ستة عشر عاما وإن تم التناول والتحليل من زوايا ومرئيات متعددة، تؤكد تواصل وتنامي إشكالاته، الأمر الذي ينذر بخطر داهم، لا ندري بأي وقت يندلع، وعندها لات مندم. كما عقد في إمارة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمر «مشاريع تحلية المياه» يومي (10-11) مارس 2019م الذي هدف إلى تعزيز المناقشات والحوارات المعمقة بين أقطاب صناعة تحلية المياه والمسؤولين عن إدارة المياه والباحثين المهتمين بالموضوع لوضع تصورات واقعية للاستثمارات ومعدلات الإنتاج والاستهلاك في قطاع المياه في دولة الإمارات خصوصا ودول مجلس التعاون الخليجي عموما. كما سبق أن عقد المؤتمر الدولي الثامن للموارد المائية والبيئة الجافة في رحاب جامعة الملك سعود بالرياض، والذي نظمته الجامعة بالاشتراك مع معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء وذلك للمدة (22-24) يناير2019م حيث ناقش نحو (105) ورقات بحثية مع مشاركة لـ(34) دولة في المؤتمر. ولتوضيح واقع حال الأمن المائي لدول مجلس التعاون الخليجي أشير إلى تصريح للدكتور وليد زباري أستاذ الموارد المائية في جامعة الخليج العربي إلى صحيفة الأيام بتاريخ 8 /يوليو/ 2018م، أشار فيه إلى أن المخزون الاستراتيجي للمياه بمملكة البحرين يصل إلى ثلاثة أيام ونصف فقط، وهي ظاهرة جد خطرة، على الرغم من أن المملكة من الدول الخليجية التي حققت نتائج جيدة في توفير خدمات الإمداد بالمياه، حيث وفرت منها نسبة (100%) وخدمات الصرف الصحي (92%)، وهو جهد يستحق الثناء في ظل معدلات السكان والتحضر السريعة، وأن القطاع البلدي يهيمن على استخدامات المياه الحالية، كما أن توسيع القطاعين الصناعي والزراعي يتطلبان المزيد من المياه أي أن تنميتهما المستقبلية مرهونة بالقدرة على توفير احتياجاتهما من المياه. وإدراكا من حكومتنا لأهمية مواجهة التحديات المائية بزخم أكبر، فقد أطلقت مساعيها لإصدار الاستراتيجية الوطنية للمياه وخطتها التنفيذية 2030م، وقد تعاقد مجلس الموارد المائية البحريني مع جامعة الخليج العربي لإعدادها بالتعاون مع وزارة شؤون الكهرباء والماء ووزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني، بحيث تكون الاستراتيجية شاملة لجميع قطاعات المياه في مملكة البحرين من مصادر واستخدامات، ومنسجمة مع استراتيجية المياه الخليجية الموحدة 2035م، التي اعتمدها قادة دول المجلس كاستراتيجية استرشادية للاستراتيجيات الوطنية في قمة دول المجلس التي عقدت في المنامة ديسمبر 2016م. ولأهمية هذه المؤتمرات وما تمخضت عنه من توصيات تعزز الأمن المائي الخليجي، سنتعرض لها بالتحليل في المقال القادم إن شاء الله.

مشاركة :