مر نحو عام منذ أن فقد وليام بلامر وظيفته كرئيس لقسم العلاقات الحكومية العامة والأمريكية في شركة هواوي. على أنه من المستحيل بالنسبة له ألا يشعر بالألم وهو يرى كيف جرجرت شركة الاتصالات الصينية، إلى مستنقع من الارتياب بسبب اتهامات بأنها شركة تشكل خطرا أمنيا، وتسرق الأسرار التجارية. على وجه الخصوص، كان بلامر يشعر بالألم بسبب طريقة تعامل شركة هواوي مع الأزمة. في وقت سابق من هذا الأسبوع، رد رين زهينجفي، مؤسس الشركة، على الادعاءات في اثنتين من المقابلات التلفزيونية. لقد صرح لهيئة الإذاعة البريطانية بأن الغرب لن يكون قادرا على "سحق" شركة هواوي، مضيفا: "إن انطفأت الأضواء في الغرب، سيبقى الشرق مضاء، فالغرب لا يمثل كل العالم". بالنسبة لرين، وهو شخص انعزالي ومهندس سابق في الجيش الصيني، ولا يعطي مقابلات إلا في مناسبات نادرة للغاية، كانت التعليقات العامة التي أدلى بها هي الخطوة الأخيرة في هجوم شركة هواوي المضاد، على الهجوم الذي يهدد بتدمير أعمالها التجارية العالمية. جاءت تلك المقابلة قبيل انعقاد المؤتمر العالمي للهواتف المحمولة، أكبر معرض تجاري سنوي في قطاع الاتصالات، حيث تفوقت الشركة الصينية على الشركات المنافسة طوال سنوات، من خلال عروض هائلة لبراعتها التكنولوجية وجيوش من موظفي التسويق. مع ذلك، بالنسبة إلى بلامر، وغيره من الأفراد غير الصينيين الذين قدموا النصح والمشورة لشركة هواوي، حول استراتيجية العلاقات العامة المتبعة لديها، فإن لهجة رين الحازمة هي الرسالة الخاطئة التي تأتي في الوقت غير المناسب. قال بلامر: "قبل خمس سنوات كان من الممكن أن يكون ذلك هو الوقت المناسب لفعل ذلك. لست متأكدا إن كان من الجيد أن يتخذ موقفا صداميا الآن". من المتوقع أن يصادق الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على أمر تنفيذي يقضي بحظر شركات الطيران الأمريكية من شراء معدات شركة هواوي، قبيل عقد المؤتمر العالمي للهواتف المحمولة، على الرغم من أن هذه الخطوة من شأنها تغيير القليل من الناحية العملية: الضغط الذي تمارسه الحكومة الأمريكية على شركات الطيران في عدم الشراء من شركة هواوي، والتحركات الرامية إلى عرقلة الاستثمارات من قبل المجموعة الصينية في شركات أمريكية، يعني أن المسعى الذي بدأ منذ 18 عاما والرامي إلى اقتحام سوق أمريكا، لم يراوح مكانه إلى حد كبير. على أن واشنطن تمارس الضغط أيضا على الحلفاء لإخراج شركة هواوي من أسواقها لأسباب أمنية، وتلاحق الشركة من خلال اتهامات جنائية من شأنها أن تزج في السجن مينج وانتشو، كبيرة الإداريين الماليين وابنة رين. هي الآن رهن الإقامة الجبرية في المنزل في كندا، بعد أن قدمت السلطات الأمريكية طلبا بتسليمها، بسبب ادعاءات تفيد بأن الشركة انتهكت العقوبات المفروضة على إيران. تنفي الشركة والسيدة مينج تلك التهم. قال تنفيذي كبير في إحدى شركات الضغط التي كانت تعمل لصالح شركة هواوي حتى العام الماضي: "الزئير المتواصل الذي كانوا يسيرون فيه خلال العام الماضي يجعل من المستحيل على أي شخص، يعمل في مجال العلاقات الحكومية، إنجاز أي عمل هادف. الأمور تزداد سوءا بسبب شركة هواوي نفسها– وأفضل ما يمكن فعله هو إدارة الأزمة، على أنه لم يكن هنالك قط أي نهج استراتيجي متناسق لإدارة صورتهم في الأذهان". لم يكن السبب هو عدم كفاية المشورة المقدمة، وفقا لعدة خبراء في مجال العلاقات العامة ممن عملوا مع الشركة. منذ التسعينيات، استعانت شركة هواوي ببعض أبرز المستشارين الغربيين: شركة آي بي إم للمساعدة على تحديث الإدارة، وباين كابيتال كشريك من أجل عمليات الاستحواذ الأمريكية، ومجموعة كوهين الاستشارية التي تم تأسيسها من قبل وزير الدفاع وليم كوهين، للمساعدة على التعامل مع المخاوف الأمنية التي تواجهها الحكومة الأمريكية. كما وظفت أيضا مجموعة واسعة من شركات العلاقات العامة العالمية بدءا من أوجيلفي إلى إيدلمان إلى بي سي دبليو. في اللحظات الحاسمة، لم تكن الشركة تستمع إلى المشورة المقدمة من تلك الجهات، بل وحتى إنها استبقت المستشارين الذين كانت قد تعاقدت معهم، وفقا لتنفيذيين سابقين ومستشارين خارجيين. قال بلامر: "دائما ما كان هنالك افتقار أساسي إلى الثقة بالجهات غير الصينية. أنت تقدم التوجيه، وبشكل منتظم يتم تخمين خطواتك واستباقها". قال اثنان من المستشارين الخارجيين من الذين عملوا لدى شركة هواوي في الولايات المتحدة، وأحد المسؤولين في الحكومة الأمريكية، إن الخطوة التي اتخذتها إدارة الشركة الصينية، التي تمثلت في تأسيس جماعة ضغط في الولايات المتحدة في عام 2009 دون استشارة الخبراء لديها في الميدان، قد أحدثت أضرارا هائلة. الشركة التي كانت تتنافس من أجل الحصول على عقود لتحديث شبكة الهواتف المحمولة التابعة لشركة الاتصالات الأمريكية "سبرينت"، عرضت تقديم منتجاتها من خلال طرف ثالث مستقل، من شأنه أن يتحقق من برمجياتها ومعداتها بحثا عن أي ثغرات أمنية والحصول على برنامج المصدر في شركة هواوي، المكون الأساسي في برمجياتها، في محاولة لتوفير مزيد من الشفافية. في الوقت نفسه، كانت مجموعة كوهين تجري مناقشات مع مدير الاستخبارات الوطنية، لاستخدام مثل تلك الآليات في عمليات التسليم الموثوقة لمعدات شركة هواوي، من شأنها أن تساعد على تهدئة المخاوف الأمنية الأمريكية. عندما أعلنت شركة هواوي عن هيكلها بدلا من ذلك – فإن شركة تدعى أميريلينك، التي ستكون تحت قيادة وليم أوينز، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية سابقا– انهارت تلك الصفقة المحتملة، بسبب مخاوف تفيد بأن الكيان الجديد لم يكن مستقلا بما فيه الكفاية. قال شخص مطلع على المحادثات التي أجرتها مجموعة كوهين: "كانت هنالك فرصة سانحة لبناء الثقة، لكن عندما اتخذت شركة هواوي تلك الخطوة المفاجئة، نظر إليها على أنها قد قررت اللجوء إلى التزويق الخارجي بدلا من ذلك، وبذلك أضاعوا كل تلك الثقة". مثل هذه الأمور ليست استثنائية. في كتاب نشر في أيلول (سبتمبر) الماضي، وصف بلامر كيف يجري بانتظام استبعاد كبار الموظفين المحليين في الأسواق الأجنبية عن اتخاذ القرارات الرئيسة. في الوقت نفسه، كان التنفيذيون الصينيون باستمرار يستبقون أفكار الإدارة العليا في الأسواق المحلية خوفا من رين، ما عمل على حقن الارتباك في تعامل الشركة مع العلاقات العامة والضغط في الخارج. كتب بلامر أيضا أنه تم تجاهل تحذيره المتعلق بكيفية التعامل مع الادعاءات التي تفيد بأن الشركة والسيدة مينج، انتهكا العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. وكتب قائلا: "لم أتلق أي استجابة أو رد فعل إزاء المخاوف التي أعربت عنها، وتم إخراجي من الناحية العملية من مجموعة القرار"، مضيفا أنه "تناول مواضيع كانت محظورة". الانقسام العميق بين الموظفين الصينيين والموظفين الأجانب، والمؤكد من خلال العاملين في خمسة بلدان، لم يكن من قبيل المصادفة. في اجتماعات داخلية، يقدم رين النصح والمشورة للموظفين بأن يمثلوا الشركة بطرق مختلفة في الصين وفي الخارج. قال مؤسس الشركة للتنفيذيين في عام 2014، وفقا لما يقوله بلامر والتنفيذيين السابقين والحاليين في شركة هواوي: "جوهر العلاقات العامة هو الحقيقة، ولذلك يجب علينا نقل الحقيقة في جميع الأوقات. اعملوا على تحديد هوية شركة هواوي بالشكل الصحيح و(من نحن)". في الصين، قولوا إن شركة هواوي تدعم بقوة الحزب الشيوعي في الصين. خارج الصين، أريد منكم التأكيد على أن شركة هواوي دائما ما تتبع الاتجاهات الدولية الرئيسة. قالت شركة هواوي إنه ليس لديها علم بأن رين قد قال ذلك. خلال المواجهة التجارية الحالية بين الولايات المتحدة والصين، لم يكن هناك سبيل أمام هذه الهوة بين الأعمال الداخلية للشركة، ما أتاح لتلك الصورة التي تحاول تقديمها في الغرب أن تتوسع. قال مسؤول محلي في شركة هواوي في بلد أوروبي إن قوة الصين المتزايدة ونمو الشركات الصينية، تسبب في توليد الغطرسة وأحيانا السلوك العدواني بين الصينيين، بمن فيهم موظفو شركة هواوي. قالت شركة هواوي إن أسلوبها الذي كان يتسم بعدم البروز في الماضي أعطى مصداقية للتصور بأنها شركة تميل إلى التكتم. قال متحدث باسم الشركة: "سنستمر في أن ندع الحقائق تتحدث عن نفسها، لكننا نسعى لتقديم تفسير أفضل لما نعمله من أجل تحسين التواصل بين الناس وتحسين التكنولوجيا". في اجتماع عقد مع صحافيين ألمان، شرح إيريك تشو، أحد كبار التنفيذيين الدوريين في شركة هواوي، الموضوع كما يلي: "يطلب قسم العلاقات العامة في شركتنا من التنفيذيين التحدث عما نحن عليه فعلا وما نقدم عليه من أعمال. لذلك نحن هنا الآن، على الرغم من أننا لسنا متأكدين ما إذا كان هذا الأسلوب سيكون في الواقع ناجحا أم لا". من وجهة نظر بلامر، ربما يكون قد فات الأوان الآن لأن تتمكن شركة هواوي من إنقاذ الموقف. من باب تقديم اقتراحات للتنفيذيين في شركة هواوي: "أبرموا صفقة، ربما شراء مصنع للوسائد في ديترويت، ومن ثم اذهبوا إلى لجنة الاستثمارات الأجنبية ووقعوا على اتفاق للأمن الوطني، من شأنه أنه يسمح للحكومة الأمريكية بالحصول على رؤية قوية داخل الشركة، واسمحوا لهم بتسمية أعضاء مشاركين في مجلس إدارة مستقل في الولايات المتحدة وهلم جرا" حسب قول بلامر. وقال: "إذا استطعتم إزالة الحذاء الأمريكي الضاغط على رقبة شركة هواوي، فإن جميع هذه الأسواق الأخرى ستكون على ما يرام. لا أعلم ما إذا كان هذا الأمر حتى ممكنا الآن" على حد ما ختم به بلامر.
مشاركة :