الركض فراراً من الموت !

  • 3/29/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كانت فاجعة وفاة والد الصحفية الرياضية كاتي أرنولد بمثابة صافرة انطلاق لماراثون البحث عن الذات من خلال الرياضة، ويبدو أن الأسى هو طريق صحوة ثانية لأجسادنا. فعندما تم تشخيص والد كاتي بمرض السرطان، لجأت إلى الركض، ليس من أجل لياقتها البدنية وإنما من أجل الخروج من المنزل والهروب من الخوف، حسبما تروي في كتابها الجديد «الركض من المنزل». وقد ركضت «لتشعر مرة أخرى بأنها إنسانة طبيعية، وأنها لا تزال على قيد الحياة بصورة ما!». وتروي المؤلفة أنها كانت في الثانية من عمرها عندما انفصل والداها، وتزوجت والدتها من رجل آخر، وانتقلت هي وشقيقتها للعيش معها في ولاية نيوجيرسي. واضطرتا إلى السفر ذهاباً وإياباً من أجل زيارة والدهما في ولاية فيرجينيا. وبعد الجامعة حصلت على وظيفة صحفية رياضية في «مجلة أوتسايدر»، وتزوجت وأنجبت طفلتين. بعد ميلاد طفلتها الثانية، تُوفي والدها بسبب مرض السرطان، وغرقت كاتي في اكتئاب عميق، فكان الركض لمسافات طويلة هو السبيل إلى التعافي، لذا، فهو كتاب ملهم لكل من يشعر بالأسى أو الاكتئاب. في كل خطوة، كانت كاتي تجد حلاً لمشكلاتها. وفي هذا الكتاب المحرك للمشاعر والمشجع على النهوض، تبدو الطاقة المهدئة في النشاط الجسدي خارج المنزل لازمة في كل الفصول. وبعد رحيل والدها في عام 2010، أصبحت المؤلفة مهووسة بالخوف من الموت، الذي حوّل كل ألم أو وخزة إلى مرض عضال. الخروج من الرعب ومن أجل الشفاء من قلقها وهوسها، استشارت كاتي، التي تبلغ الآن من العمر 47 عاماً، جميع المعالجين النفسيين ومزوّدي الطب البديل وخبراء التأمل في مدينة «سانتا في»، حيث تعيش. لكن في نهاية المطاف، كانت شريكتها في تسلق المرتفعات أسبوعياً الكاتبة «ناتالي جولدبيرج»، هي من أرشدها إلى طريقة للخروج من رعبها. وتشير في كتابها عن رحلاتهما المنتظمة لتسلق المرتفعات: «كنا نمزح ونقول إن تسلقنا سينقذ العالم»، مضيفة: «لكنني عرفت أنه ينقذني من نفسي، ومن مخاوفي الهاجسية وعللي الوهمية». وأصبحت كاتي هاوية لرياضة الركض في سنّ السابعة بـ«المصادفة». فقد كانت في زيارة إلى والدها بولاية فيرجينيا، عندما اقترح عليها وعلى شقيقتها الكبرى المشاركة في سباق جري محلي بطول 10 كيلومترات. وتقول: «لقد كانت المسافة كبيرة جداً لدرجة أنها لم تعن لي شيئاً، فلم أكن قد خضت سباقاً من قبل، ولا حتى ميلاً واحداً، ناهيك عن ستة أميال في اتجاه واحد». ووافقت الشقيقتان على المشاركة بينما وثّق والدهما، الذي كان مصوراً في مجلة «ناشيونال جيوغرافيك»، الحدث. لكنه بطريقة ما، فوّت نهاية السباق الذي فازت فيه، وهو ما اضطرهما إلى إعادة تمثيله، لكن بدلاً من زهوة الانتصار، سقطتا من الألم. وقال والدهما: «يبدو أنكما تتألمان». وترك هذا المشهد في نفس كاتي أثراً استمرّ طويلاً حتى بعد وفاة والدها، حيث تساءلت: «ألم يكن يلحظ فعلاً أننا نعاني من الألم!». وتشكل العلاقة المعقدة بين كاتي ووالدها جوهر هذه القصة التي تتناولها في مذكراتها: «الركض من المنزل». وتذكر المؤلفة أنها عندما كانت طفلة سقطت من دون قصد على «كمان» والدها، فوقع وتهشم، وهو جعلها تشعر بالخجل لفترة طويلة من حياتها، قائلة: «لقد كسرت آلته الموسيقية التي يحبها بقدر حبه لنا وربما أكثر في بعض الأحيان». وبعض من أكثر أجزاء الكتاب المثيرة للمشاعر تكشف كيف أن أفكارنا التي نقنع بها أنفسنا تشكل وجداننا وعلاقاتنا مع الآخرين وهوياتنا. فعندما انهار زواج والديها، تخيلت كاتي أنها بصورة ما «مسؤولة» عن ذلك، وأنها هي من يتعين عليه إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح. وعندما اكتشفت بكاء والدتها وانهيارها بعد الطلاق، نذرت المؤلفة ألا تفعل أي شيء من شأنه أن يجعلها تبكي مرة أخرى. وعلى مدار سنوات ظلت تعتقد أن ألم والدها من جراء الطلاق كان بسببها. لكن عندما اكتشفت لاحقاً تفاصيل جديدة تغلبت من خلالها على اعتقادها القديم، فوجئت وأدركت أن «القصة التي ننسجها ونبني عليها طفولتنا، ربما تكون محض خيال لا أساس له، أو ربما أن نقيضه هو الصحيح». الركض والنجاح الرياضي ولم يمض وقت طويل بعد وفاة والدها حتى سجلت كاتي في سباق المسافات الطويلة «ماراثون 31 ميلاً»، وسرعان ما شاركت في سباقات الـ50 والـ100 ميل. وتكتب بصدق وشجاعة عن الضغوط، التي سببها الركض في بعض الأحيان على زواجها. وتبدو كذلك صادقة في تصوير المفاوضات الهادئة، التي جرت من أجل الحفاظ على هذا الزواج، بينما سعى كل طرف إلى موازنة الاهتمام بنفسه والتدريب مع العمل اللازم من أجل الحفاظ على العلاقات واستمرار الأسرة بنجاح. وعلى الرغم من أنها كانت تشعر في بعض الأحيان بوخز الضمير بسبب ترك ابنتيها من أجل ممارسة الرياضة، إلا أنها تشير أيضاً إلى أن الركض كان يساعدها على أن تكون أكثر حضوراً عندما تكون بصحبة طفلتيها. وتُشكّل تقارير كاتي عن السباقات والتدريبات الرياضية وطموحاتها الجديدة لتحقيق نجاح رياضي بعد فوزها بأول سباق المسافات الطويلة، خطاً أساسياً في كتابها، بيد أنها تناولت رياضة «الركض» بأسلوب يعكس جوهرها الحقيقي. وتقول: «إن الركض لمسافات طويلة يرتكز في الحقيقة على إبطاء السرعة، لكنه في الوقت ذاته يربط الإنسان بأعماقه كما يربطه العالم المحيط به». الرياضة وتعزيز الثقة وبالطبع تجعل ممارسة رياضة الركض بانتظام الناس أكثر سعادة وثقة بأنفسهم، مثلما تؤكد الدراسات العلمية، كما أنها تؤدي إلى شعور الإنسان بالرضى والارتياح، وتؤثر بصورة إيجابية على الصحة العقلية، ورشاقة الجسم. وبصفة عامة، التغييرات التي تحدث في الجهاز المناعي بعد ممارسة التمارين الرياضية الشاقة والمكثفة تحمي الجسم من التعرض للأمراض. ولا تتوقف أهمية الركض على جهاز المناعة فقط، فهي أيضاً تعمل على الحد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، والسرطان، والسكري. وفي الحقيقة، يتجاوز الكتاب فكرة أنه عن رياضة الركض والسباقات الطويلة إلى كونه عن الحياة، فالركض هو طريقة للنهوض من الكبوة واستعادة الاستقرار النفسي بعد الصدمات، فهذه الرياضة ربما منحت كتاب المؤلفة طاقته وموضوعه، لكن تأملاتها الواضحة والشجاعة حول الموت والشك والخوف والأسى يمنح الكتاب قلباً نابضاً. كتاب للجميع لا شك أن جهود ونشاط الصحفية، التي تحولت إلى رياضية ليست مجرد تسلية، وإنما هي طريقتها الخاصة للنهوض بعد خسارة والدها. والقصة، التي تحكيها في كتابها ستجد أصداء داخل أي شخص يحب الركض، أو أي شخص فقد أحد والديه، أو أي شخص يكافح من أجل تحقيق سلام مع من يحبهم ويحبونه.. وبعبارة أخرى.. هذا الكتاب للجميع. المؤلفة في سطور: - كاتبة، ومديرة تحرير سابقة، في مجلة «أوتسايدر» الرياضية، حيث عملت فيها لمدة 12 عاماً. ورُشحت لجائزة مجلة «ناشيونال» لخدمة الصحافة. - لديها مقالات منشورة في نيويورك تايمز و«منز جورنال» و«رانرز وورلد» وغيرها. - بطلة سباق «ليدفيل» 100 ميل للسيدات في عام 2018. - فازت أيضاً بسباق «جيمز ماونتينز» بطول 50 ميلاً العام الماضي.

مشاركة :