أثار موضوع فائض بدل التعطل وتحويله ليتم صرفه على المتقاعدين اختياريًا خلال الأسابيع القليلة الماضية الكثير من اللغط، وفي نهاية اللغط حسم البرلمان بشقيه هذا اللغط وأنهى الأمر، واتخذ القرار. قال لي أحد الموظفين: «كيف يتم صرف مستحقاتنا وعرق جبيننا الذي تم أخذه من رواتبنا، على من لا حق لهم فيه»، ويواصل «رغمًا عنا تم استقطاع 1% من رواتبنا منذ عام 2007 حتى اليوم للتأمين ضد التعطل، وعندئذ قلنا لا بأس فهذا أمر ربما ينفع أولادنا ذات يوم، وعلى الرغم من أن ابنتي الآن لها سنة ونصف تبحث عن عمل بمعنى عاطلة عن العمل ولم تتسلم إلا شهرين فقط من هذه المبالغ التي من المفروض أن تدفع لها، بصورة تلقائية إلا أنها لم تتسلم إلا شهرين فقط، تصور هذه فلوسنا، أموالنا، من المفروض أنها استثمارنا لأولادنا، ولكن في النهاية يأخذون أموالنا التي تعبنا في جمعها إلى فئة من المفروض أن تصرف عليهم الدولة، لماذا فلوسنا؟». حقيقة، ليست لدي إجابة. لنبدأ من تصريح السيد رئيس ديوان الخدمة المدنية منذ أيام إذ قال في مجلس الشورى إنه تدخل حوالي 82 مليون دينار سنويًا إلى صندوق بدل التعطل. ولم أفهم معنى (تدخل) فهل يقصد أن هناك أموالاً لا تدخل وإنما تذهب في اتجاهات أخرى، لا نعلمها؟ ، ولكن بصورة عامة لنأخذ هذا المبلغ على اعتبار أنه المبلغ المفترض أنه كل المبلغ الذي يأتي من ريع 1% الذي يؤخذ من العاملين والموظفين وكل الفئات العاملة. ولنعيد بعض الحسابات، أقر البرلمان القانون عام 2007 وهذا يعني أننا نتحدث الآن عن 12 عامًا، بمعنى أنه خلال كل هذه السنوات فإنه دخل على الصندوق مبلغ وقدره حوالي 984 مليون دينار (يعني حوالي مليار دينار تقريبًا). تُرى أين ذهبت كل هذه المبالغ إن كان العاطلون عن العمل لا يتسلمون المبالغ التي من المفترض أن تصرف لهم؟ وهذا الكلام ليس مني أنا فقط بل سمعته من العديد من الآباء، وهو سؤال مشروع. أيها السادة، أولادنا لا يتسلمون بدل التعطل، ولا يتم توظيفهم، ولا يدعون إلى البرامج التدريبية، ترى أين تذهب كل هذه المبالغ؟ جانب آخر، ورد في العديد من المناقشات في البرلمان-نقصد المجلسين - أن فائض التعطل حوالي 600 مليون دينار، وحتى نكون موضوعيين أكثر فإننا ننقل هذا الكلام (وكان وزير المالية -السابق -الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة قد كشف في رده على سؤال برلماني، في مايو 2017. أنه «بناء على البيانات المالية غير المدققة، فإن المبلغ المتوافر في حساب التأمين ضد التعطل يبلغ 583 مليونًا و995 ألف دينار بحريني». ومن الملاحظ أن هذا التصريح كان في عام 2017. فكم بلغ المبلغ في عام 2019 ميلادية، فهناك فارق حوالي سنتين؟ ربما يكون المبلغ قد وصل إلى 764 مليون دينار، على اعتبار التصريحات السابقة الذكر. لماذا أصبح هناك فائض؟ أليس من المفروض أن تصرف كل هذه المبالغ على العاطلين عن العمل؟ لماذا هناك فائض؟ وما الجهة المسؤولة عن هذا الفائض؟ وأين يذهب هذا الفائض؟ ومن يمتلك حق التصرف في هذا الفائض وهي أموال مأخوذة من جيوب المواطنين بقدر 1% من رواتبهم الشهرية؟ ألم يفكر السادة النواب - ولو للحظات - في طرح مثل الأسئلة بدلاً من التبرير الذي أطلقوه عبر وسائل التواصل الاجتماعي (الفيديو) بعد إقرار قانون صرف هذه المبالغ على المتقاعدين اختياريا؟ أما بالنسبة إلى مشروع التقاعد الاختياري، وهذا عجب آخر، ومن الواضح أنه تخبط كبير من قبل الدولة، فكيف يتم الإقرار بخروج حوالي 8000 موظف حكومي من غير التفكير في إدارة هذا المشروع؟ هؤلاء الذين خرجوا للتقاعد سيأخذون تقاعدهم بطريقة أو بأخرى، وقد سمعنا أن بعضهم تسلم مكافآت جيدة حتى يتم إغراؤهم بالخروج، هذا حقهم ولا نريد أن نتحدث فيه، ولكن من أين تم توفير الميزانية لكل هؤلاء؟ ألم تفكر الجهة التنفيذية في تلك الميزانيات التي سوف تدفع للسادة المتقاعدين اختياريا؟ إن فكرت فإنه من المفترض أن يكون لديها ميزانية خاصة ومناسبة لهم، فلماذا إذن تؤخذ من صندوق بدل التعطل؟ وإن لم تفكر فهذه كارثة لأن هذا يبين لنا إننا لا نعرف كيف ندير أزمة اقتصادية تعاني منها البلاد. كيف نشجع 8000 موظف على الخروج من العمل من غير توفير كل المبالغ التي يستحقونها للخروج؟ ثم، ألم نفكر فيمن سوف يشغل وظائفهم؟ إن كان هناك توجه إلى توظيف بدلاء عنهم، فهذا يعني أن هناك راتبا وعبئا جديدا على الميزانية، بمعنى أن الدولة سوف تدفع للمتقاعد اختياريا مبلغا وقدره (..) شهريًا وفي نفس الوقت ستدفع للموظف الجديد الذي سيحل محل الموظف القديم راتبه أيضًا، ما يعنى أنها ستدفع راتبين لوظيفة واحدة، والسؤال: من أين سيتم توفير كل هذه الميزانيات؟ إلا إذا كانت الدولة في قرارة نفسها لا تريد توظيف العاطلين عن العمل في هذه الوظائف، وهذا هو الرأي الأرجح. إذن نحن في أزمة إدارة وتخطيط واضحة المعالم. لنعود إلى مبلغ بدل التعطل الذي يبلغ حوالي مليار دينار (984 مليون دينار)، ترى كم مصنعا أو كم شركة يمكن أن ننشئ بهذا المبلغ؟ وهذا مبلغ ليس بالقليل، يمكن أن نبني به مصنعا، أو عددا من المصانع الصغيرة، بحيث تضم العديد من الشباب العاطلين، أو شركة أو مجموعة من الشركات الصغيرة، يمكن أن يسهم فيها العديد من الشباب أو أي مشروع كبير يمكنه أن يستوعب، ولا نقول كل العاطلين بل ولو جزءا يسيرا منهم في المشروع الأول، وجزءا يسيرا آخر في المشروع الثاني، وهكذا ننشئ مجموعة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة حتى نستوعب كل هؤلاء العاطلين الذين لا نعرف نسبتهم الحقيقية. لماذا لا نفكر بإدارة هذه الأزمة بهذا الأسلوب؟ أم أنه أسلوب غير مجدٍ؟ في الحقيقة لا أعرف. حسنٌ، إن كانت الجهة الرسمية التنفيذية تجد أنه من الصعوبة توظيف العاطلين عن العمل، وأنها تريد أن ترمي الكرة على القطاع الخاص، فلماذا تترك في الوقت نفسه المجال للجامعات والمدارس أن تخرج الخريجين، أليس من الأولى أن نغلق الحنفية التي تخرج الخريجين الجدد؟ ترى أين سيذهب أولادنا الذين سيتخرجون هذا العام والعام القادم وبعد سنوات وسنوات، على الرغم من أن العديد من الخريجين الذين تخرجوا العام الماضي والذي قبله والذي قبل قبله لم يتوظفوا حتى الآن؟ هل لدى الدولة رؤية واضحة وخطة استراتيجية لهذا الموضوع؟ المعادلة تقول: يتخرج الطالب أو الطالبة من الجامعة أو حتى الثانوية، ومن الطبيعي أن هذا الشاب سوف يبحث عن العمل حتى يكوّن حياته، ولكنه يفاجأ أن كل الأبواب مغلقة في وجهه، فلا توجد شواغر في وزارات الدولة ولا حتى الهيئات أو المؤسسات التابعة للدولة، إلا لمن رحم ربي، وذلك من خلال شهادة، وهذه الشهادة ليست جامعية بل شهادة أخرى، وهي جملة تنص على التالي «أنا قادم من طرف فلان» فهذه تفتح كل الأبواب المغلقة، وبناء على هذا المبدأ فإن الجزء الأكبر من الشباب - من الجنسين - لا يجد عملاً، لذلك أمامه أحد طريقين، إما أن يجلس في البيت وينتظر أن تنزل عليه رحمة من الله، ولكن كلنا يعرف أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، أو أن يذهب إلى القطاع الخاص، ونحن نعرف أن هذا القطاع متخم بالكثير من الأعباء والضرائب، بالإضافة إلى أنه يفضل الأجنبي والوافد، لأن معظم تلك المؤسسات يمتلكها أو يديرها أجنبي. وقد نجد طريقا ثالثا وهو أن يقوم الشاب أو الشابة بالدخول الافتراضي في عالم ريادة الأعمال، أو ما يعرف اليوم بالعمل الحر، ولكن القيام بمشروع حر يحتاج -في ظل أوضاعنا الاقتصادية الراهنة- إلى مبالغ مالية ليست بالقليلة، فمن أين سوف يأتي بالمال؟ هل تستطيع الجهات التنفيذية أن تحل هذه المعادلة؟ هل يستطيع البرلمان -على الأقل - التفكير في هذه الأزمة وأن يفكر فيها بنوع من المنهجية والموضوعية بدلاً من التخبط والعشوائية؟ وإن كنا لا نؤمن بوجود عصا سحرية لحل الأزمات وتفتيت المشكلات، إلا أنني من الأشخاص الذين يؤمنون - دائمًا - بوجود الحلول لكل معضلة أو أزمة، وأنه لا توجد أزمة من غير حل، أو معضلة من غير طريق يمكن أن يمهد حتى تسير الركبان فيه بنوع من الراحة، وإن كنا لا نؤمن بالحلول الوردية أو الحلول الترقيعية البندولية، أو الحلول المؤقتة، وإنما نحن على يقين أن لكل أزمة نهاية سواء كانت برغبتنا أو من غير رغبتنا، لذلك فإنه من الأفضل أن تكون الحلول وفق منهجية نضعها نحن قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، لأنه في تلك اللحظة لا ينفع الندم. وفي بعض الأحيان قد لا تكون الحلول التي نضعها هي الحلول المثالية أو المتكاملة، وإنما في هذا الموضوع (البطالة تحديدًا) فإننا نؤمن أنه على الجهات التشريعية أن تفكر بصورة جادة وموضوعية، ومن خلال بعض الدراسات المسحية والميدانية في العديد من البدائل وتقديمها للجهات التنفيذية حتى يمكن تنفيذها بهدف الخروج من عنق الزجاجة، فأزمة البطالة تحتاج -كما نقول دائمًا - إلى تضافر كل الجهود سواء شئنا ذلك أم لم نشأ، لأننا في مركب واحد، فإن كنتُ لا أعاني أنا أو أحد من أقاربي من أزمة البطالة اليوم إلا أنه من المحتوم أنه سيأتي ذلك اليوم الذي سأواجه أنا أو من حولي هذه الأزمة، عندئذ لا أعرف ماذا أفعل. وختامًا نقول يجب أن نعيد للعاطلين أموالهم، وأن نخرج بأجيالنا القادمة من هذه الأزمة وأن نستثمر عقولهم، فهم المستقبل فلا تمسحوه. Zkhunji@hotmail.com
مشاركة :