إن حزمة القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس السيسي ساقتني للتفكير مليًا في سؤال هل آن أوان جني الثمار .... هل هذه هي البشائر لما قاله الرئيس في أحد خطاباته وتتذكرونه جيدًا «بكرة تشوفوا مصر».بعد العديد من المحاولات لقراءة هذه الشخصية المتفردة وجدت أنه من الصعب إيجاد انحياز فكري أو سياسي أو أيديولوجي لديه لأي من الرؤساء الذين حكموا مصر فالمقارنة ليست بالأمر اليسير فضلًا عن إختلاف التحديات والتهديدات بل والبيئة داخليًا وخارجيًا.ولكن الأمر المتفق عليه أن المصريين لم يجنوا ثمار إصلاح أي ممن حكموا مصر في فترة حكمهم، فإذا ما حاولت مقارنة الرئيس السادات بالرئيس عبد الناصر، ستجد الرئيس السادات قد أخذ بلاده لمنعطف مختلف عن الذي أخذها عبد الناصر إليه، ولا يقلل ذلك من شأن كلاهما فالبيئة المحيطة والتحديات صنعت فارقًا كبيرًا، الرئيس عبد الناصر شخصية وطنية لا يشك في وطنيته قدر أنملة، تميز بعشقه لتراب مصر ولا أبالغ إذا قلت إن نظرته للوطن تخطت حدود مصر لوطن عربي أكبر بالمفهوم القومي، فكان يسعي دائمًا لتحقيق حلمه بأن تكون الدول العربية بلدا واحدا. ولكن مشكلة عبد الناصر كانت دائمًا وأبدًا القياس علي النفس والسعي لمثالية اقتصادية يحكمها الفكر الاشتراكي الذي أثبت فشله في كافة الدول التي طبق فيها، ولكن أحبه المصريين لأنهم استشعروا انحيازه للبسطاء، ويكفي الرئيس عبد الناصر أنه خلص مصر من الإنجليز ولو لم يفعل غير ذلك لوقف التاريخ أمامه طويلًا.أما السادات فقد كانت قضيته الأرض في المقام الأول ومن ثم فقد خاض معاركه بعقلية السياسي شجاعة العسكري، تلك الشفرة أو المعادلة الصعبة التي عمل بها السادات ودفع حياته ثمنًا لها.سبق السادات عصره، بمراحل وأدرك أن العالم، وليس مصر فقط، فى لحظة استثنائية ومتغيرات كبيرة فنظر إلى القوى العالمية ونظر إلى شعبه فهناك أرض محتلة واقتصاد فقير وبنية اجتماعية متهالكة ومواطنون يصرون على النصر. وانتظر السادات كثيرًا قبل قرار خوض الحرب أمام عدو يتفوق فى كل شىء، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية على كل الأصعدة، وفى الوقت ذاته يعانى الاقتصاد إلى أقصى حد ممكن، كما أن آثار هزيمة عام 1967 لم تزل بعد.تحمل السادات سخرية المواطنين على عدم الاستعداد للحرب، بل وضحك معهم علي نكاتهم؛ وتمكن بخطة محكمة وشاملة للخداع الاستراتيجى من هزيمة إسرائيل فى حرب أكتوبر ١٩٧٣ بعد ثلاث سنوات فقط من بداية حكمه، ومشكلة السادات كانت المهادنة مع الإخوان ولكن احبه المصريين لأنه ظل بطل الحرب والسلام وهو الذي أسس لمصر الحديثة.وعقب انتصار حرب أكتوبر المجيدة مباشرة اتجه السادات لإعادة الحياة السياسية ولكن الإصلاح السياسى لم يكن ليتم دون الإصلاحات الاقتصادية، فالدولة المصرية تواجه تحديا كبيرا، والجهل والفقر أمر كفيل بأن يقضى على حضارات كاملة، لذا اتخذ السادات خطوة نحو الإصلاح الإقتصادي ولكن كانت الكارثة التي جلبها اليسار بوقوفهم أمام مشروع الإصلاح الاقتصادى، وهو ما أجبر الرئيس الراحل أنور السادات على التراجع عن الإصلاح الاقتصادي، وهو ما دفعت مصر ثمنه غاليا منذ عام 1977 وحتى الآن..!!أما الرئيس مبارك فقد تبني سياسة وسطية بين سابقيه وكان له ما له وعليه ما عليه ولكن كانت التحديات أكبر من قدرته علي قيادة سفينة الوطن دون الموائمات مع الإخوان وتمكينهم من بعض أوجه الحياة الاقتصادية والسياسية وهو ما دفعت مصر ثمنه لاحقًا بوصول جماعة من الخوارج لسدة الحكم.وفي حديثي عن الرئيس السيسى لا أجد أبلغ من وصف رقية السادات الابنة الكبرى للرئيس الراحل أنور السادات؛ الذي وصفته أنه قد جاء ليكمل مسيرة الرئيس السادات نحو الإصلاحات الاقتصادية ولكن وصفت مهمة الرئيس السيسى بـ الشاقة والخطيرة، وأخطر من التي خاضها السادات، السيسي تصدى لمخطط هدفه ضياع الأرض وخاض حرب الإصلاح الإقتصادي بالتزامن مع أصعب ما يمكن وهو بناء الإنسان المصرى وإعادة بناء الشخصية المصرية، وتفرد الرئيس السيسي الحقيقي هو تصالحه مع الأخريين وإجلاله لدور كل وطني فتجده تارة يكرم محمد نجيب الذي بخسه التاريخ حقه وتجده تارة يعيد مجد العلاقات المصرية التي ذبلت بمرور الزمن. والسياق الأبرز الذي سيدونه التاريخ عنه هو العمران والبناء فقد عمل على استئصال الأورام السرطانية لمشاكلنا الاقتصادية، وأعاد لمصر مكانتها الإقليمية والدولية فقد استطاع أن يغير الدفة لصالح مصر اقتصاديًا وسياسيًا ليجعلها لاعب رئيسي في صناعة القرار الدولي، ولا أبالغ إذا قلت أن الرئيس السيسي استطاع في سنوات أن يبني ما عجزت مصر عن بنائه في عقود، نجح السيسي في خوض حرب أشرس من حرب عدو معلوم، حرب الإصلاح الاقتصادي لبناء دولة كادت أن تضمحل وتشيخ بين الأوطان، لم يلجأ السيسي للمسكنات بل أستئصل الورم السرطاني الذي كاد ينهش جسد الوطن، خاطر بشعبيته لينصفه التاريخ، واجه الرئيس عبدالفتاح السيسى الأوجاع الإقتصادية والإختلالات التي كادت أن تضيع مصر بمشرط جراح ولم يتراجع، ببساطة لأنه أحب مصر أكثر من حكمها، وأكاد أن أجزم أن السيسي لو لم يفعل غير ذلك فهذا يكفيه في ظل حرب شعواء عليه من الداخل والخارج.ولكن يبقى السؤال هل تستكمل المسيرة..؟ هل هناك مجال للتراجع بعد بدء جني الثمار؟في اعتقادي أن استمرار الرئيس السيسي أمر حتمي يمس الأمن القومي المصري برمته، فالمتربصون كثر والمضللون أكثر ومصر لن تعود للوراء، ولن تتوقف مسيرة الإصلاح بعد أن بدأ جني الثمار والكلمة للمصريين... حفظ الله مصر.
مشاركة :