التكلفة المستترة للرعاية غير مدفوعة الأجر «2 من 2»

  • 4/3/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بعد إجراء مقابلات مع المديرين والعاملين وموظفي الموارد البشرية، توصلنا إلى أن حتى الشركات الصغيرة تتحمل تكلفة نتيجة معدل دوران الموظفين؛ بسبب عدم توفير خيارات الرعاية التي تمكن النساء من البقاء في سوق العمل، بعد أن يصبح لديهن أطفال. توصلنا إلى أنه في شركة زراعية متوسطة الحجم في تركيا يبلغ عدد موظفيها نحو 800 موظف، وتمثل النساء أكثر من 70 في المائة منهم، يتحمل صاحب العمل تكلفة كبيرة نتيجة معدل دوران الموظفين. ومعظم النساء العاملات في هذه الشركة عبارة عن عمالة موسمية ويتركزن في الوظائف اليدوية منخفضة المهارات. وتقدم الشركة للنساء مزايا رعاية الطفل حسب القانون، التي تتضمن إجازة رعاية طفل لأم مدتها 16 أسبوعا، مع إمكانية الحصول على إجازة دون أجر لمدة ستة أشهر أخرى. ويمكن للأمهات المرضعات التغيب لمدة ساعة ونصف الساعة يوميا لإرضاع الطفل لمدة عام واحد. ويحصل الآباء على إجازة رعاية طفل مدفوعة الأجر مدتها خمسة أيام. ولا تقدم الشركة أي خدمات أو دعما ماليا لرعاية الأطفال. وعادة ما يعتمد الموظفون في تركيا على أفراد الأسرة، بما في ذلك الأطفال الأكبر سنا في المنزل، لرعاية الصغار. وتوفر الدولة خدمات الرعاية والتعليم للأطفال في سن خمس سنوات أو أكبر. ولكن ساعات الدراسة في المدارس أقل عادة من عدد ساعات العمل، ما يتطلب من أفراد الأسرة المساعدة في توصيل الأطفال وتسلمهم. وإذا لم تتوافر آليات الدعم تلك، فإن النساء قد يتخلين عن وظائفهن لرعاية أطفالهن. وفي عام 2017، تجاوز معدل دوران النساء العاملات في الشركة 26 في المائة وتشير البيانات التي حصلنا عليها من إدارة الموارد البشرية ومقابلاتنا مع العمال والمديرين إلى أن 91 امرأة تستقيل كل عام لأسباب متعلقة بالرعاية. وتبلغ التكلفة المباشرة للتعيين والتدريب، إلى جانب خسائر الإنتاجية نظرا لأن العاملين يتعلمون المهارات المطلوبة تدريجيا، نحو مليون دولار سنويا، أي ما يمثل 14 في المائة من الإيرادات السنوية للشركة. ويبلغ متوسط التكلفة السنوية لرعاية الطفل الواحد الذي يراوح عمره بين ستة أشهر وثلاث سنوات 1100 دولار، ما يعني أن تكلفة رعاية الأطفال أقل من مجموع التكلفة التي تتحملها الشركات بسبب معدل دوران الموظفين وخسائر الإنتاجية. وفي مثال آخر، توصلنا إلى أن شركة منسوجات صغيرة تنفق 258 ألف دولار سنويا على رعاية أبناء العاملين، ولكنها توفر أكثر من 800 ألف دولار سنويا نتيجة تراجع معدل دوران الموظفات. يعمل البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير في عديد من البلدان التي لا توجد لديها في الوقت الحالي استثمارات عامة كافية في مجال توفير خدمات الرعاية. ويمكن للقطاع الخاص المساعدة في سد بعض هذه الفجوات، إما من خلال توفير خدمات الرعاية للموظفين وإما تقديم الدعم المالي لهم؛ لمساعدتهم على الحصول على هذه الخدمات. ومن شأن ذلك تكميل وتعزيز برامج القطاع العام الحالية. ويمكن أن يكون توفير خدمات رعاية الأطفال من خلال مزيج من الحلول بدءا من توفير خدمات الرعاية في مكان العمل حتى تقديم الدعم المالي. وتتحدد كيفية تقاسم هذه التكلفة بين القطاعين العام والخاص بشكل اختياري في كل بلد. ولكن ما دامت مسؤولية توفير احتياجات الرعاية تقع على عاتق الأسر، فإن التكلفة التي ستتحملها الشركات لن تكون ضئيلة، وينبغي أن يكون لها دور كبير في معالجة أوجه القصور في مجال الرعاية. وبوجه أعم، يبرز هذا البحث الجاري التأثير في الشركات والمجتمع والاقتصاد نتيجة نقص سياسات الرعاية وسياسات العمل الداعمة للأسرة. وعلى مستوى الشركات، من الواضح أن عديدا منها يحتاج إلى إرشادات بشأن كيفية قياس التكلفة الإجمالية الناتجة من عدم تلبية احتياجات الرعاية، وأفضل طريقة لتطبيق مزيد من السياسات التي تدعم التوازن بين الحياة العملية والحياة الشخصية، وقد وجد عديد من الشركات التي عملنا معها صعوبة في حساب تكلفة دوران العمالة أو منافع الاحتفاظ بالعاملين واستمرارهم في الخدمة لفترات طويلة، بل واجهت تحديات أكبر عندما طلب منها رصد مقاييس الإنتاجية الفردية والجماعية. وعلى مستوى المجتمع، ينبغي إجراء مزيد من البحوث التي تدرس التكاليف والمنافع الناتجة من زيادة فرص الحصول على خدمات الرعاية، وما سيترتب على ذلك من تحسن أداء أسواق العمل. وعلى المستوى الكلي، ينبغي قياس منافع الاستثمارات في مجال الرعاية على أساس ما ينشأ عنها من وظائف جديدة وحيز مالي. ويتعين تسليط الضوء على التكاليف والمنافع الاقتصادية الناتجة من توفير خدمات الرعاية حتى يتسنى لنا إحداث تغيير في الحوار الدائر بشأن الاستثمار في هذا المجال، وإعادة توزيع الأدوار والمسؤوليات بين السوق والدولة والأسر بهدف مساندة الوصول الشامل إلى رعاية تتسم بالجودة. وقد يكون من المهم أيضا التأكيد على التأثير الواقع على القطاع الخاص نتيجة عدم علاج أوجه القصور في مجال توفير خدمات الرعاية لضمان تصميم حلول أشمل تتضمن الضرائب والدعم المالي كأدوات مكملة لخدمات الرعاية التي يوفرها القطاع العام.

مشاركة :