جميعنا نُدرِك مسؤولية الحكومة تجاه تجاوز العجز المالي في ميزانية الدولة للعام الحالي 2019 والتي تتجاوز 700 مليون دينار، كما ندرك أيضاً محاولات البرامج والمبادرات الحكومية والقوانين الجديدة التي تستهدف تحصيل المبالغ المالية من المواطنين والمقيمين من أجل رفد الميزانية من خلال فرض الرسوم والضرائب وزيادة الرسوم المفروضة على بعض الخدمات والأنشطة التجارية والعقارية والاستثمارية. وبالرغم من تحفظنا على الكثير من هذه البرامج والمبادرات والقوانين، فإنّ الحال ما كان يجب أن يصل الى تعريض المجتمع في أمنه وسلامته، والمساس بفرص العمل المتدنية التي يمارسها الكثير من العاطلين من الفتيان والشباب من اهل البحرين، كالمهن المتواضعة -التي ليست بحاجة الى كفاءة علمية- كالنجارة والصباغة وتصليح الأدوات الكهربائية والأدوات الصحية، والأعمال الخدماتية كأعمال السوق التجاري من غسل السيارات وتحميل البضائع وتوصيل الطلبات، وكذلك العمل على سيارات التاكسي والنقل الجماعي والسواقة بشكلٍ عام.... وغيرها من الاعمال. نقول إنه ما كان يجب ان يصل الحال الى تعريض هذه الفئة من العاملين من اهل البحرين لمنافسة غير متكافئة مع بعض الأفراد من (العمالة الأجنبية) تحت حماية نظام (التصريح المرن) الذي أطلقته الحكومة في شهر يوليو من عام 2017 ويستهدف المشروع تصحيح الأوضاع القانونية للعمالة الاجنبية غير النظامية، والتي قُدرت أعدادها بأكثر من اربعين ألف (40.000) عامل اجنبي عام 2017 تتجول في البلاد من دون رقيبٍ او حسيب، وتُعرف وزارة العمل نظام (التصريح المرن) كالتالي: «التصريح المرن عبارة عن تصريح رسمي يسمح للأجنبي بالعمل والإقامة في مملكة البحرين بدون صاحب عمل (كفيل) لمدة سنتين قابلة للتجديد، حيث يمكنه العمل في أية وظيفة غير تخصصية مع اي عدد من أصحاب الاعمال، بدوام كامل او جزئي. كما لا يمكن لحامل التصريح ان يقوم بتوظيف الغير او الاشتغال في الوظائف المحظورة». إذن، نظام (التصريح المرن) بشيء من التفسير هو: حصول العامل الأجنبي غير النظامي على تصريح عمل (يتم تجديده كل ستة اشهر) لمدة سنتين مع إقامة متجددة وتأشيرة عمل متعددة السفرات، مع تحمّل العامل للرسوم وتذكرة العودة، بحيث يتمكن العامل من مزاولة جميع الأعمال غير التخصصية في البلاد بناء على (توافق تعاقدي) مع اي شخص لأداء خدمة معينة. ويحظر عليه مزاولة بعض الاعمال كان قد تطرق اليها سعادة وزير العمل أمام المجلس النيابي في جلسته المنعقدة في الثاني من ابريل الجاري 2019. وبغضّ النظر عن المسوغات التي أوردتها وزارة العمل لتمرير هذا المشروع، او النظام، او المبادرة... من توفير الغطاء القانوني لبعض العمالة الاجنبية، وتوفير الأيدي العاملة لقطاعات العمل، ورفد السوق بالعمالة الرخيصة غير المكلفة لأصحاب الأعمال.. وغيرها من المسوغات، فإنها تذهب أدراج الرياح اذا ما قارنّاها بالسلبيات التالية: 1- المنافسة غير المتكافئة مع اصحاب العمل من المواطنين العاطلين من أهل البحرين.. ذلك انّ العامل الاجنبي في العادة يرضى بالقليل من الأجر بسبب ظروف معيشته البسيطة ومسؤولياته المالية المتدنية، خلاف المواطن البحريني، المُثقل بالمسؤوليات والالتزامات. 2- اأرى انه من الخطأ والتقصير ان يتم التفريط او تجاهل الجانب الأمني والمجتمعي للبحرين وأهلها جراء تطبيق هذا النظام، في سبيل جني القليل من الأموال. وذلك من خلال ترك الآلاف من العمالة الأجنبية (تسرح وتمرح) في الديرة من دون حسيب او رقيب او دخلٍ ثابت أو عنوانٍ معلوم. ما قد يضطر البعض منهم (تحت وطأة الفقر والعوز) الى ان يسلك سبلاً غير أخلاقية لتأمين معيشته، او قد يمارس الجريمة والخيانة والاعتداءات والسرقة. 3- عدم وجود سند دستوري أو قانوني يسند هذه المبادرة. ولهذا، نحن نأمل من المسؤولين في الدولة أن يُعيدوا النظر في هذا النظام، وأن تكون للمواطن البحريني الأولوية والفرصة الواسعة للعمل في شتى الأعمال، التخصصية وغير التخصصية، وأن تتمسك الدولة بثوابتها الإسلامية والأخلاقية والمهنية، وان تحافظ البحرين على جودتها، وعلى نظافتها وطهارتها مهما عصفت بها رياح التقلبات المالية أو السياسية. وانه بالإمكان الاستعاضة برفد المالية عوضاً عن هذا النظام (المُشرعِن للمخالفات)، بالتقدم بمشروعات استثمارية عملاقة وبرامج استثمارية منوعة، في تشييد المصانع، والمنتجعات، والمشافي الصحية، والجزر الاصطناعية.. ما يوفر فرص العمل للمواطنين، واستقطاب الاستثمارات، والرفد المالي الحقيقي للميزانية وتجاوز التحديات.
مشاركة :