العمل الإسلامي الجماعي ما له وما عليه| ثانياً: ما عليه

  • 1/12/2018
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

في الجزء الأول من هذا المقال تحدثت عن أهم ما يميز العمل الجماعي المنظم، وآثرت أن أجعل حديثي عن العيوب في مقال مستقل، ولكني أرجو من القارئ الكريم أن يعود إلى مقالي السابق عن المميزات، حتى تكتمل الصورة في ذهنه ولا تكون مجتزأة ناقصة. وهنا نشرع -بعون الله- في الحديث عن العيوب الكامنة في هذا العمل الجماعي المنظم. أولاً: ثقله وقيده على النفس التي تريد الحرية والانطلاق فأول ما يعيب العمل الجماعي المنظم أنه قيود تثقل على النفس البشرية، وخصوصاً أن في النفس ميلاً طبيعياً إلى الحرية والانطلاق، وكم تكره النفس التسلط عليها من غيرها، وهذا هو من أهم ما يبعد الراغبين في العمل الإسلامي عن التقيد بجماعة أو تنظيم. ثانياً: المبالغة في التنظيم والتخطيط فلا يكون أكبر الهمّ داخل الجماعة إلا همّ التنظيم والتخطيط ووضع البرامج، ثم لا يكون العمل في تحويل هذا التخطيط إلى واقع على قدره، ولا على قدر نصفه، ولا على أقل من ذلك! وهنا يخرج الأمر عن كون الغاية هي العمل والنتاج والتخطيط والتنظيم وسيلة له، إلى ما يشبه أن يتحول التخطيط والتنظيم هو الغاية والهدف. وفي ذلك المعنى، يعيب الأستاذ محمد أحمد الراشد -عملاق الفقه الدعوي والحركي- على الاتجاه الإسلامي -عموماً- إيغاله في النقيضين، إما عدم التنظيم والتخطيط مطلقاً، وهذا هو حال التيار الإسلامي الذي رفض العمل الجماعي، وارتضى أن يبقى تياراً غير منظم؛ ليتخبط هنا وهناك، وإما المبالغة في التنظيم والتخطيط إلى الحد الذي يجعله الغاية والهدف. ثالثاً: الولاء للتنظيم إلى الحد الذي ربما يزيد عن الولاء للدين وهذا يحدث أكثر ما يحدث في الشباب الذي يتلمسون طريقهم في بداياتهم داخل الجماعة، فينبهرون بها وبتنظيمها وقياداتها، فيكون الارتباط والولاء، على حين أن ارتباطهم بمعاني الدعوة الإسلامية العامة، ومبادئ الالتزام الأساسية لا يكون على نفس القدر، ولذلك فقد لاحظت أن هناك ما يشبه الظاهرة في أن الذي يترك الجماعة والتنظيم من الشباب يترك تبعاً الالتزام والتدين. رابعاً: ضعف الذاتية في مقابل تغول الجماعية حيث إنه في العمل الجماعي المنظم يكون دورك بقدر ما تحدده لك الجماعة، وفي المكان الذي تحدده لك، وبذلك نجد تسرب اللاذاتية في نفوس العاملين، فكل منهم ينتظر الدور الذي يحدد له، ولا يبادر في الغالب إلى شيء، بل إن بعض العاملين في هذا الإطار المنظم يرفض أي دور دعوي، وإن كان في متناوله العارض إذا لم يطلب منه، ولم يحدد له سلفاً من التنظيم. خامساً: فتنة القيادة وحظ النفوس فيها برغم كل ما نتحدث به من أن المسؤولية تكليف لا تشريف، ومن أن المرء عليه أن يفر من الإمارة فراره من الأسد، إلا أن المسؤولية والقيادة والإمارة تبقى رغبات نفسية طبيعية، فلا يسعد الفرد مثلما يسعد في اختياره لتولي القيادة! هذا الاختيار الذي يحمل في طياته الشهادة بالأفضلية والأهلية، وتفوقه على الآخرين، وعلى الجانب الآخر نتخيل حال النفس حين يختار غيرها. لكن الأمر يتطور في كثير من الأحيان إلى التحاسد، بل التحاقد بين المتنافسين على هذه المراكز القيادية، وقد ذكرت قبل ذلك أن هذا هو أخطر ما يهدد الحركة الإسلامية على الإطلاق! بل إننا نجد في ظلال هذه النقطة ظاهرة في منتهى العجب، وهي الحسد من القادة لكل نابه ونابغ من الأتباع، ففي نبوغه الظاهر ونباهته اليقظة خطر على مكاناتهم التي يرثونها بسير الأتباع خلفهم دون نظر ولا تفكير! سادساً: اختلال مفهوم السمع والطاعة، والضيق بالرأي الآخر فبرغم المناداة الكثيرة بأن الطاعة في التنظيم ليست عمياء، وإنما هي مبصرة واعية، فإنه يظل الراسخ في أذهان الكثيرين من الأتباع والقادة على حد سواء، أنه كلما كنت مطيعاً بغير نقاش، ولا مراجعة فأنت الأكثر إخلاصاً، أما إن كان لك رأي تكافح في إيصاله، ولا ترتضي التبعية البلهاء فقد أوتيت الجدل والمراء، وإخلاصك يحتاج إلى نظر، وكلمة (المريد في يد شيخه، كالميت في يد مغسله) ما زالت تسيطر على كثير من العقول. سابعاً: في أي إشكال مع القيادة، تصبح القيادة هي الخصم والحكم اللجان التحقيقية والقضائية غير موجودة في الجماعات بشكل كبير، وبالتالي فأنت كفرد من التنظيم حين تختلف مع قيادتك إلى الحد الذي يتطلب حكماً بينكما، فأنت مضطر إلى أن تجلس مع القيادة كخصم وحكم في نفس الوقت، ولا سبيل إلى غير ذلك، وقد حاولت الجماعات تلافي ذلك، وعينت لجاناً قضائية، ولكن هذا يبقى على مستوى القيادة العليا في بعض الجماعات، والقواعد بعيدة عن ذلك، ثم إن الأمر يعود بعد حكم هذه اللجان إلى مجالس الشورى العامة؛ لتقرر بناءً على توصياتها، فكأنها لجان استشارية ليست حاكمة ولا قاطعة. ثامناً: الثقة المطلقة مفسدة مطلقة! من أهم أركان البيعة التي حددها الإمام البنا رحمه الله: "الثقة"، والذي هو: (ركن حق أريد به باطل)، فهذا الركن كان سبباً في أوقات كثيرة في تحركات فردية من القيادة، وقرارات لم تخضع للشورى والمناقشة، وذلك على كافة الصعد، متكئين في ذلك على ثقة القواعد فيهم، والقواعد أيضاً لا تتحرك بالمناقشة والمحاسبة؛ لأن ذلك في رأيهم يخالف ركن الثقة. تاسعاً: ثقافة الشورى غير المتمكنة ولا المنضبطة فبالرغم من أن الشورى أصل من الأصول العظمى في العمل الإسلامي المنظم، فإنها ما زالت ثقافة غير متمكنة في الممارسات، والفردية وتسلطها هي المسيطرة على كثير من القرارات. وآليات الشورى ما زال يشوبها الكثير من العوار، فنرى أنه يستشار في بعض المسائل من هم ليسوا أهل الحل والعقد فيها، وذلك لا لشيء إلا لأنهم قد بلغوا مبلغاً تنظيمياً يجعل استشارتهم في كل أمر من المعلوم في التنظيم بالضرورة، في حين أن غيرهم من أهل المسألة وأربابها لا يؤبه لهم؛ لأنهم لا يزالون في مستويات تنظيمية أقل. عاشراً: أبدية القيادة وضعف تداولها إلى الحد الذي يشبه تلاشيه وبالرغم من أن الشكوى من القيادات الحاكمة في بلادنا العربية والإسلامية، والتي لا يبعدها عن كراسيها إلا الموت أو الانقلاب أو الخلع، إلا أن الواقع الإسلامي الحركي في بعض الجماعات لا يبعد كثيراً عن هذا النمط، فالقيادات تبقى على كراسيها أبد الدهر. وهذا يُحدث مشكلتين عظيمتين هما: الفساد الإداري الذي هو قرين بالمكوث في السلطة والقيادة إلى أزمان بعيدة، وهذا شيء أصبح معلوماً على أنه ظاهرة عامة في كل الإدارات والمسؤوليات. والمشكلة الثانية هي تغير حال القيادة بعد زمان بعيد في مكانتها إذا آل الأمر إلى غيرها. فمن مكثها الكبير في أماكنها يصبح الأمر وكأنه حكر عليها، ويصعب على النفس ساعتها أن تسلم بالعودة إلى صفوف التابعين بعدما تشبعت بحلاوة القيادة والإمارة أزمنة مديدة. والناظر إلى واقع كثير من الحركات والتنظيمات يرى أن أكثر الانشقاقات تكون في المراكز القيادية العليا، ولا تكون إلا بعد ترك هذه المواقع وتولي الغير لها. والحاسم في المسألة أن يعرض الأمر على الشورى والاختيار، كل حين، فإن أتت الشورى بالقيادة ذاتها فلا بأس، وإن هي غيّرت وجددت فلا بأس. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :