صندوق الذكريات.. خزينة أسرار البنات

  • 4/5/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أصبحت حياتنا اليوم محاطة بأرقام سرية بداية من الهاتف النقال والبريد الإلكتروني إلى الخزنة وحتى الأبواب، التي لا تفتح إلا بأرقام سرية، لكن برغم تلك السرية ما زال البعض يحتفظ بـ «صندوق القديم» يسترجع من خلاله ذكريات الزمن الجميل.. ليستشعر أن بين الذكريات والأسرار والمقتنيات، نقاط التقاء تمثل شيئاً جميلاً في مرحلة من مراحل أعمارنا، ليبقى ذلك الصندوق المخبأ في أحد الأركان يضم الكثير من الأوراق والورود المجففة في زمن الذاكرة التكنولوجية.. لكن لم يُعد له مكان في حياتنا اليومية، فالرسائل التقليدية والصور المطبوعة، والوردة المنسية بين صفحات كتاب، والمناديل المعطرة والمطرزة بأول الحروف من أسماء الأحبة.. كل هذه التفاصيل الصغيرة توارت، وتوارى معها الصندوق. «ضغطة زر» وعن ذكرياتها الجميلة تقول منى الهرمودي: أصبح الأحبة حاضرين برغم غيابهم، فيمكن أن نستدعيهم عبر الصور القديمة التي ننسخها مئات المرات ونحفظها في «الفلاش ميموري»، إلى الأحبة الذين فرقت بيننا وبينهم ظروف الحياة، فبفضل وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد الفراق موجعاً فمن خلال «ضغطة زر» نتابع أخبارهم وأخبار من تفصلنا بيننا وبينهم قارات، حيث أصبح التواصل من خلال التقنية، يقتل لهفة الرؤية وشوق اللقاء، لكن يظل هذا الصندوق برسائله منذ أيام المرحلة الدراسية والجامعية، لحظات لا تمحى من الذاكرة، وستظل محفورة في أذهاننا برغم هذا التطور. جيل السبعينيات صندوق أماني الحوسني يضم مجموعة رسائل ذابلة بحروف على ورق مُسطر مكتوبة بحبر باهت، وزجاجة عطر قديم فرّت منها الرائحة، وألبوم صور بالأبيض والأسود، بالإضافة إلى قصاصات وبطاقات بريدية، وعبوة شكولاته صغيرة، تقول عنها: الكثير من جيل السبعينيات والثمانينيات يحتفظ بهذه المقتنيات للذكرى، يقتنص من خلالها لحظة من الزمن الحاضر للعودة إلى الزمن الجميل، لذا كان في حياة معظم الناس قديماً لابد من وجود صندوق ذكريات، أو ما يسمى صندوق الأسرار الصغيرة والجميلة، حيث كانت الأسرار والمشاعر تُخبّأ في صناديق متعددة الأحجام والأشكال، فصناديق الذكريات عند سكان الجزيرة العربية والخليج تختلف كانت سحارة و «مندوسا»ً في بلاد الخليج، بينما في بلاد الشام صناديق من خشب الجوز والصدف، وبينهم من كانت علب الشكولاته الحديدية جميلة الشكل صندوقاً لذكرياته وأسراره. ذكرى جميلة الستينية شيخة المزروعي لم تفرط في الذكريات، فمازالت مقتنياتها القديمة في صندوق الخشب بكل مما يحتويه، حيث يأخذها الحنين بين الحين والآخر إلى العودة لمحتويات الصندوق والحديث مع أبنائها لتسرد لهم القصص والمواقف، التي ترتبط بكل قطعة في الصندوق، لتعلو الضحكات تارة عند رؤية قصاصات، أو تلمع الدموع تارة أخرى حين تسترجع بذكرياتها موقف وردة ذابلة، لها ذكرى جميلة في حياتها أيام المرحلة الدراسية، ليتواصل الحديث عن تفاصيل تلك الأيام وسط أجواء تتميز بالدفء الأسري، وكأنها الجلسة درساً عملياً في الحياة، خلاصة التجربة من الأجداد إلى الأحفاد، ليتعلم الصغار حكمة الزمن، وما كان فيه من لحظات تركت بصمتها، لذا من المهم أن يتعلموا منها في مسيرتهم. ويحتوى صندوق ذكريات عبير عبد الوهاب على مجموعة من رسائل زوجها أيام الخطوبة وعطر ونظارة اشترتها من سوق شعبي إلى جانب مجموعة من عبوات صغيرة من العطر، تعتبرها أهم الأشياء في حياتها، حيث تجد سعادة كبيرة حين تعود إليها، فكأنها تستعيد تلك اللحظات، وتسافر على بساط الريح إلى هذا الزمن. «الصندوق موجود»، هكذا قالت مجموعة من الفتيات فكل واحدة منهن لديها قطعة صغيرة في حقيبتها، أو ميدالية مفاتيحها أو سلسال تعلقه في رقبتها عبارة عن «فلاش ميموري»، فهن لم يفرطن في الصندوق حتى ولو كنَّ قد فرطن في شكله القديم، حيث قالت ريم سلطان إن أسرار البنات في هذا «الفلاش» الصغير، الذي سيرثه أبناؤهن كما قالت صديقتها وهي تضحك. وقالت حسناء محمد إن الزمن قد تغير فلا يمكن الآن شراء صندوق خشب والاحتفاظ بداخله ببعض المقتنيات كما كانت تفعل الوالدة، فحتى المقتنيات نفسها تغيرت والأسرار من صور سيلفي وملفات قابلة للمسح وإعادة البرمجة فأصبح أمر الصندوق مجرد قطعة ديكور جميلة تزين الأركان. حنين إلى الماضي ترى سارة الهاشمي الاختصاصية النفسية أن العودة إلى الذكريات مهما طال الزمن سلوك طبيعي، حيث يتعلق الأشخاص بمقتنياتهم القديمة بأنواعها كلها، ويحاولون الاستفادة منها، وهذا لا ينبع من سمة البخل، بل لشعورهم أنها تشكل جانباً مهماً من حياتهم، خاصة إذا كانت هذه الأشياء أو الهدايا ترتبط بمناسبات خاصة، فهي تأخذهم إلى الماضي بأفراحه وأحزانه، مشيرة إلى أن فقدان هذه الأشياء يؤدي إلى الاستياء، من فقدان الارتباط بالماضي وقصصه ومناسباته، وبرغم تعدد أسباب الاحتفاظ بتلك الأشياء، فالأهم أنها من دواعي الرغبة في استدعاء الأحداث، والتفاؤل من خلال بعض الأشياء التي تدخل السرور إلى نفوسنا، حسب المرحلة العمرية ومستوى الوعي والثقافة وطبيعة التركيبة النفسية·

مشاركة :