«الصندوق الأسود».. خزينة أسرار

  • 4/9/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بمجرد تحطم أو سقوط إحدى الطائرات في مختلف دول العالم، تتناقل الأنباء والأخبار حول جهود البحث عن الصندوق الأسود للطائرة لكشف سر سقوطها، فما هو الصندوق الأسود؟.. وكيف يُصنع؟.. وكيف يعمل؟ 300 معلومة الصندوق الأسود عبارة عن جهاز لتسجيل بيانات ومعلومات رحلة الطائرة، ويشبه القرص الصلب أو بطاقة الذاكرة، وتشمل البيانات التي يسجلها: مسار الرحلة، وارتفاع الطائرة وسرعتها، وموقع الطائرة، ودرجة الحرارة في المحرك والعادم، وحالة جسم الطائرة، والمحادثات داخل قمرة القيادة، وتوجيهات الطيار للركاب، وإشارات الراديو في الطائرة، ومحادثات طاقم الطائرة مع برج المراقبة، بالإضافة إلى عناصر وبيانات ومعلومات أخرى قد يصل عددها إلى 300 عنصر. ويسجل الصندوق الأسود بيانات رحلة الطائرة آخر 25 ساعة تشغيل للطائرة، ويسجل أصوات وأحاديث قمرة القيادة آخر 3 ساعات تشغيل للطائرة. صندوقان أسودان تشترط القوانين الدولية المعنية بحركة الطيران أن يكون الصندوق الأسود موجوداً في كل طائرة، وفي الحقيقة هو ليس صندوقاً واحداً، حيث يوجد في كل طائرة صندوقان يقعان في مؤخرة الطائرة. الصندوق الأول يختص بحفظ البيانات الرقمية والقيم الفيزيائية، مثل: الوقت، والسرعة، والاتجاه، والارتفاع، والموقع الجغرافي، وأداء المحرك، ومواضع مفاتيح الأنظمة المختلفة، وحالة الطيار الآلي، وحالة مزود الطاقة الآلي، ووضعية أسطح التحكم. أما الصندوق الثاني فيسجل الأصوات بأنواعها المختلفة من أحاديث وحوارات ونداءات استغاثة. 6000 متر.. مدى جهاز البث يوجد في كل صندوق من الصندوقين الأسودين في الطائرة «جهاز بث» يعمل عندما ينغمر في الماء، ويطلق إشارات فوق صوتية تساعد على تحديد مكان الصندوقين، وتبث هذه الإشارات على تردد 37.5 كيلوهرتز لمدة 30 يوماً من بدء تفعيله، وهي المدة التي تعمل فيها بطاريات الصندوقين قبل أن تتوقف عن العمل بفعل انقطاع الطاقة. ويبلغ مدى البث حوالى 6000 متر، ويمكن لأجهزة البحث المتطورة التقاط الإشارات الصوتية على مدى 3000 متر داخل الماء. سر تسميته بـ «الأسود» تعددت الآراء حول سبب تسمية الصندوق الأسود بهذا الاسم رغم أن لونه برتقالي أو أصفر، أحد الآراء يرجع السبب إلى ارتباطه بكوارث وحوادث تحطم وسقوط الطائرات، ورأي آخر يرجع السبب إلى عتمة لون مسجلات المعلومات الأولى، ولونها الأسود من الداخل منعاً للتسربات الضوئية من تدمير شريط التسجيل، مثلما الحال في غرف التصوير الفوتوغرافي. اللون.. برتقالي أو أصفر من أغرب الحقائق عن الصندوق الأسود أن لونه ليس أسوداً، وإنما برتقالي أو أصفر، وقد اُختير اللونان البرتقالي والأصفر للصندوق حتى يمكن تمييزه وتسهيل مهمة العثور عليه من بين حطام الطائرة المكون من آلاف القطع، فقد تسقط الطائرة في البحار أو الغابات، وفي هذه الأماكن قد لا يُلاحظ فيها الألوان الداكنة، ويكون من السهل فيها ملاحظة الألوان الفاتحة. اختبارات قاسية جداً يخضع الصندوق الأسود للعديد من الاختبارات القاسية للتأكد من درجة تحمله لجميع الظروف القاسية المتوقعة في حالات سقوط وتحطم الطائرات. وتتمثل إحدى الاختبارات الشديدة التي يخضع لها الصندوق الأسود في إطلاقه من مدفع صاروخي تجاه جدار لمحاكاة صدمات سقوط الطائرة وهي تحلق بسرعة تفوق 100 ميل/ الساعة. حرارة 1100 درجة مئوية يُصنع الصندوق الأسود من مواد شديدة التحمل لأقصى درجات الضرر والتدمير، مثل مادة «التيتانيوم» المحاطة بمادة عازلة تجعلها تتحمل صدمات تبلغ قوتها أضعاف قوة الجاذبية الأرضية، الأمر الذي يمكنه من البقاء في أعماق البحار لمدة 30 يوماً دون تلف البيانات التي يحويها. وقد صُمم الصندوق الأسود بآلية تجعله قادراً على مقاومة النيران حتى 1100 درجة مئوية لمدة ساعة، ويتحمل درجة حرارة قدرها 260 درجة مئوية لمدة 10 ساعات. كما يتحمل الضغط حتى 6000 متر تحت الماء، ولا يتأثر بملوحة مياه البحر التي تسبب التآكل للكثير من المعادن.ويُعد الصندوق الأسود صغير الحجم، حيث تصل أبعاده إلى 34 سم طولاً، و12 سم عرضاً. 70 عاماً على البداية يعود تاريخ اختراع الصندوق الأسود في الطائرات إلى فترة الخمسينيات من القرن العشرين، ويُنسب اختراعه إلى عالم الكيمياء والطيران الأسترالي، ديفيد وارن، الذي توفي والده في حادث تحطم طائرة في العام 1934، الأمر الذي شجعه على دراسة علوم الإلكترونيات في جامعة سيدني، وحصل على درجة الدكتوراة في الكيمياء ووقود الطائرات. وكانت البداية في العام 1953 عندما حاول خبراء وعلماء الطيران معرفة أسباب حوادث سقوط عدد من الطائرات التابعة لشركة «كوميت»، وهي الحوادث التي هددت مستقبل الطيران المدني. وفي عام 1954، اقترح ديفيد وارن صنع جهاز لتسجيل تفاصيل رحلات الطيران، وبعدها بأربعة أعوام وبالتحديد في العام 1958 اخترع نموذجاً لذلك الغرض أطلق عليه اسم «IRL» اختصاراً لعبارة «وحدة ذاكرة الرحلة»، ولكن سلطات الطيران الأسترالية رفضت هذا الجهاز، واعتبرته عديم الفائدة في مجال الطيران المدني، وأطلق عليه الطيارون اسم «الأخ الكبير» الذي يتجسس على أحاديثهم. بعدها حاول ديفيد وارن نقل ابتكاره إلى بريطانيا، وهناك وجد ترحيباً وحماساً لتطبيق وتنفيذ هذا الاختراع ، لا سيما بعدما بثت إذاعة BBC تقريراً حول فكرة الجهاز، الأمر الذي دفع بعض الشركات لتقديم عروض لتطويره وتصنيعه، وخلال هذه الفترة تم تطوير جهاز آخر في الولايات المتحدة الأميركية. وفي العام 1960، بدأت الإجراءات الأولى لجعل وضع الصندوق الأسود على متن الطائرات أمراً إلزامياً.

مشاركة :