في مسافة زمنية قصيرة، قطعت الأديبة عبير درويش شوطا إبداعيا ثريا بالأعمال القصصية والروائية، وحازت أعمالها تقديرا مصريا وعربيا، فوصلت روايتها (حلم قصير) إلى القائمة الطويلة لجائزة بن راشد للإبداع، وفازت من قبل بجائزة إحسان عبدالقدوس عن قصتها (فوق البنفسجي)، وشاركت في ملتقى السرد بالمغرب بدورته الخامسة عشرة، وتلقى مجموعتها القصصية "طبق الدهشة"، الصادرة أخيرا، حفاوة نقدية واسعة. "الجريدة" التقت عبير درويش، وكان هذا الحوار: * ماذا عن مجموعتك الأحدث (طبق الدهشة)؟ وهل بالفعل تتضمن قصصا متباينة في تواريخ كتابتها؟ - نعم، فهي كتبت على مدار خمس سنوات، وتعد في ترتيب الكتابة مجموعتي الثانية، لكنها صدرت أخيرا، لتأخر طباعتها، نتيجة ظروف خارجة عن إرادتي، حيث ضاعت النسخة الأصلية في سلسلة حروف بهيئة قصور الثقافة، لكن قمت بتجميعها مرة أخرى، وأنقذني في ذلك القصص المنشورة في الصحف التي احتفظت بأرشفتها، لذا تجد تواريخ القصص متباعدة. * مجموعتك "زهرة اللانتانا" كانت بداية دخولك عالم الأدب، ماذا عنها؟ وما زهرة اللانتانا؟ وألا يُعد العنوان غريبا على القارئ؟ - البداية تأخرت كثيرا، استكملت تعليمي متأخرا، وفور تخرجي زاولت الصحافة المحلية، ثم اتجهت للكتابة. أما عن مسمى مجموعتي الأولى بزهرة نادرة - وبالمناسبة هي لا تتناسب وأجواء المنطقة، وهنا يكمن غرابة المسمى، وكذا موضوع القصة- فهي عن زهرة ذات حجم كبير، وساق طويلة، يستخدمها البعض كسياج للمنازل المتجاورة والحدائق، ويصدف أن يفتتن برسم لوحاتها فنان بارع، وتتسبب هي في ذياع صيته وثراءه، والإسقاط بالقصة على نفس الصفات التي يشترك فيها الرسام مع الزهرة! محطات * نود التعرف على بعض المحطات الرئيسة في مسيرتك؟ - أنا من الجيل الذي شاهد بأم عينه الخنوع، إثر النكسة وهو برعم، والانسحاق جراء الانفتاح. أتيت من بيئة عادية، يمكن أن تطلق عليها "البيئة المنسحقة"، قرأت أول ما قرأت في مكتبة المدرسة بنظام الاستعارة المكتبية، ثم تطور الأمر لاجتزاء مصروفي وشراء مجلة العربي، بعد ميكي جيب وبطوط، وكل هذا الجمال الباذخ الذي تركناه خلفنا، ثم قراءة المترجمات والمعربات التقليدية-الثمينة- فترة الثمانينيات وما تلاها. وجدير بالذكر، أن مكتبة الأسرة كان لها فضل كبير على جيلي وجيل غيري من الكُتاب. * ماذا عن مجموعتيك "تعاريج" و"حدود الكادر"؟ وهل تختلف النظرة إليهما الآن؟ - مجموعتاي "تعاريج" و"حدود الكادر" نالتا إعجابا واسعا، ورؤيتي لهما تختلف طبعا الآن بالنظر إلى مجموعتي "طبق الدهشة" الصادرة أخيرا، فلم أحتفِ بها، لأن ترتيبها كتابيا، كما ذكرت، هو الثاني، ولأنني أمتلك قدرا من "الاعتداد" بالذات. أجد المقارنة ليست في مصلحتها نهائيا، لكن عنادي بعد تجميع أغلبها وفوزها بالمركز الثاني بأخبار الأدب وتراجعهم وتعديل النتيجة لإغفالهم بأن القصة لا تندرج تحت بند السن المفتوح جعلني أرسل قصصا منها لمسابقات كبرى في القصة، ففازت قصة "أوشا" بالمركز الأول بنادي القصة، كما فازت قصة فوق البنفسجي بالمركز الأول بجائزة إحسان عبدالقدوس. القصة والرواية * ما رأيك في فن القصة القصيرة ومستقبلها، وخاصة في ظل ما يروج حتى الآن لعصر الرواية؟ - أعتقد أننا تداولنا تلك القضية من أبعاد كثيرة، وأظن أنها الآن تزاحم الرواية بثقة في كبريات المسابقات؛ محليا وعالميا. وباعتقادي، الموضوع يحتاج إلى إعادة صياغة لمفاهيم كثير من النقاد، فهم من يضعون التصنيف ويمنحون نظرة التدني لفن القصة، ويصبغون الترفع على فن الرواية، ومن بعض الكُتاب أنفسهم لنظرائهم الكُتاب. * ماذا عن عالمك الروائي؟ - اقتحمت عالم الرواية بالفعل، وأزعم بأن اقتحامي يملؤني بعض الثقة - قليل لا يضر- لأن روايتي الأولى كانت ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ راشد بن حمد الشرقي لعام 2019، سوف تطبع وتترجم عن وزارة الثقافة الإمارات– الفجيرة، قريبا، وأعمل الآن على الرواية الثانية. أنا بطيئة بالنظر إلى كثيرات، وعلى غير المتوقع من أن ألهث لتعويض ما فات، لكنني أرغب في التميز، وليس الكثرة. المشهد الروائي * كيف ترين المشهد الأدبي المصري والعربي الراهن؟ - صاخب كحياتنا، عالم الرواية صاخب لدرجة كبيرة، الرواية المصرية والعربية باستمرار في غربلة المشهد الثقافي، هناك أعمال روائية متميزة تصدر كل يوم دون أن يذكر كاتبها أو يتولى أحد النقاد إزاحة الغبار عنها. هناك قوالب جاهزة لأسماء بعينها، دون ذكر أسماء، كي لا أتهم بالصدامية. هناك كتابة هشة، وأقلام نخرة، وهناك أقلام ذهبية وكتابة براقة صلبة، لا معايير تحكم المشهد سوى العبثية، شأنه شأن الحياة، لكن أزمة الرواية المصرية بالذات، أجد أن الناشر ساهم فيها، فحين يرفض الناشر المجموعة القصصية وديوان الشعر، ويصر على الرواية، فذلك تسليع للموهبة وخصخصة للإبداع، حين نجد أن الأمر الشائع في الرواية "الذائعة الصيت" لا يخرج عن ثالوث (الدين- الجنس- السياسة)، وحين نجد صرعات للرواية إبان كل فترة، تاريخي، سياسي وثورة، صوفي، خيال علمي! ملتقى الشارقة * ماذا عن مشاركتك بشهادة سردية في ملتقى الشارقة للسرد بالدورة الخامسة عشرة بالمغرب؟ - مشاركتي في ملتقى الشارقة للسرد العربي بالمغرب أفادتني إنسانياً وإبداعياً. الأمر لم يقتصر على إدلائي بشهادتي السردية فقط، لكن موضوع الملتقى يختص في دورته الفائتة بالرواية الجديدة وتحولاتها، وجمالياتها، وكان الحضور نخبة من أكبر المبدعين والنقاد والأكاديميين بالوطن العربي، والمستشرقين أيضا، مناقشات ودراسات جادة وحيوية، وعلى أعلى مستوى، شاركت بمداخلتي "الشهادة" السردية، واستفدت من المشاركين الكبار ومن المواضيع المطروحة على طاولات المناقشة، وشرفت بصحبة كوكبة عربية مختارة بعناية فائقة، وتنظيم على أعلى مستوى، وكفاءة لا نظير لها. * هل لك طقوس خاصة بالكتابة؟ - لا تتعدى أداء مهامي كأم وربة منزل، ثم إشباع حواسي بالراحة والتوحد مع حاسوبي ومراجعي. * ما أحدث مشروعاتك الأدبية؟ - مشروعي القادم لم يكتمل بعد، يمكن أن تقول بأريحية في طور التشكيل، وهي سيرة غيرية لكاتب موهوب جدا، إضافة إلى بعض البحوث المهمة التي أجريتها أخيرا في فن القصة والرواية. *** كادر ***** كوتات - مشاركتي في ملتقى الشارقة للسرد العربي بالمغرب أفادتني إنسانياً وإبداعياً مشوار وجوائز بدأ مشوار عبير درويش الأدبي منذ عام 2014، بإصدار المجموعة الأولى (زهرة اللانتانا)، وصولا إلى أربع مجموعات قصية ورواية حلم قصير، وأخرى قيد الكتابة. وأعمال عبير مرشحة على الدوام للمنافسة على عدد من الجوائز العربية، لما تتميز به من أسلوب رشيق بالكتابة، فضلا عن تميزها اللافت في أفكار قصصها. وفازت درويش بعدد من الجوائز في مشوارها الأدبي، منها المركز الثاني في عام 2015 بمسابقة مركز عماد قطري للإبداع والتنمية الثقافي، والمركز الثاني عام 2016 في مسابقة نادي القصة، والمركز الأول في العام ذاته على مستوى الوطن العربي بمسابقة صلاح هلال، وفي عام 2017 فازت بالمركز الأول في مسابقة نادي القصة المصري حصلت على منحة وزارة الثقافة للتفرغ، كما أنها عضو اتحاد كتاب منذ 2015.
مشاركة :