لي رجاء من قرَّائي، وأنا أبدأ في كتابة هذا المقال.. إذا كان ما أقوله خاطئا، فصححوا لي من فضلكم: إن أي انتخابات تعقد بين فترة وأخرى في أي بلد من البلدان ليس الغرض منها هو الحفاظ على وجود الأحزاب الموجودة بالفعل على رأس السلطة؛ فمن الوارد أن تفقد هذه الأحزاب موقعها، وتتقلّد أحزاب المعارضة مقاليد السلطة بدلا منها، أليس كذلك؟ حسب معلوماتي، إن الانتخابات هي تصويت على تجديد الثقة في السلطة الحالية. ونحن بدورنا، بوصفنا مواطني دولة تركيا، توجهنا إلى صناديق الاقتراع الأحد الماضي، واستخدمنا أصواتنا، انطلاقا من إيماننا بهذه الحقيقة. كانت انتخابات محلية. اخترنا مرشح الحزب الذي نريده أن يتولى رئاسة البلدية في المدينة التي نقيم فيها. كنا نعلم أن أصواتنا لن تغيِّر إدارة البلاد بكاملها. كان تحرّكنا بدافع أن يتولى المرشح صاحب الرصيد الأوفر من عدد المرشحين رئاسة البلديات في محافظات تركيا المختلفة. أرجو منكم الآن أن تفكروا في إجابة لهذا السؤال: إذا كنتُ محقّا في ما ذكرت حتى الآن، فهل يمكنكم أن تشرحوا ما الداعي من وراء المناقشات الدائرة اليوم حول نتائج الانتخابات؟ ألم تكن الديمقراطية هي النظام الذي كفل للمواطن التركي الحق في التصويت، واختيار المرشح الذي يراه لائقا، وصولا إلى إعلان النتائج على الشكل الذي رأيناه اليوم؟ أم أنه تم تعليق العمل بهذا النظام دون أن ندري؟ من الوارد أن تقع أخطاء في أي انتخابات، خاصة إن كان عدد الناخبين يتعدى 50 مليون مواطن. ولأجل هذا أتاح القانون فرصة لتقديم طعون على نتائج الانتخابات؛ ليتم وفقا لذلك فحص الأصوات مرة أخرى، واتخاذ القرار بهذا الشأن؛ فإذا ثبت وقوع تجاوزات، حينها يمكن تصحيح الخطأ، ويتم إعلان القرار النهائي على الشعب، خلال الفترة المنصوص عليها وفق القانون. وإذا فاز مرشحو المعارضة في الانتخابات، فإن القانون يلزم السلطة الحاكمة بالتنازل عن كافة السلطات للحزب المنتصر، بل وتقديم التهنئة للفائز بوصفه الرئيس الجديد للبلدية. وعلى أي حال، فلا تزال هناك خمس سنوات قادمة قبل إجراء الانتخابات المحلية القادمة، يمكن للطرف الخاسر خلالها أن يراجع فيها نفسه، ويعالج الأخطاء التي وقع فيها في هذه الانتخابات حتى لا يقع فيها مرة أخرى. سأحاول تقديم إجابة عن السؤال السابق “أين مكمن الخطأ (في فقدان حزب العدالة والتنمية المدن الكبرى)؟” على النحو التالي: تشير الأرقام إلى أن حزب العدالة والتنمية فاز في هذه الانتخابات. حصل الحزب على المركز الأول في بعض المدن والمحافظات التي خسر فيها حزب الشعب الجمهوري. وإذا تم إجراء الانتخابات العامة، فإن الجبهة الحاكمة (حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية) سوف تنال الثقة من الشعب عبر صناديق الاقتراع. حسنا، ماذا الآن بعد أن خسر حزب العدالة والتنمية مقعد رئاسة البلدية في العديد من المحافظات والمدن في الانتخابات التي فاز بها من الناحية العددية؟ الإجابة واضحة: بسبب التحالفات. ويمكننا أن ندرك هذه الحقيقة بوضوح إذا ألقينا نظرة فاحصة على نتائج الانتخابات في أنقرة وإسطنبول: لو كان كل حزب قد خاض الانتخابات بمفرده ومع مرشحيه فقط، لتمكّن مرشحو حزب العدالة والتنمية من الفوز في المحافظات والمدن التي خسروا فيها الآن. خدم التحالف، الذي بدأ قبل الانتخابات العامة، حزب العدالة والتنمية بشكل عام. وأقصد هنا بقولي بشكل عام أن حزب الحركة القومية كان المستفيد الأول من هذا التحالف في الانتخابات العامة. وعلى الرغم من أن تكوين التحالفات أمر مخالف للقانون، إلا أن “تحالف الشعب”، الذي أعيد تكوينه بتوجيه من حزب الحركة القومية، قاد الطرف الآخر لتشكيل تحالف. كانت هذه هي الخطوة التي غيَّرت التوازنات بدرجة ستفتح الطريق أمام تغيير الإدارة في أنقرة وإسطنبول، بعد أن احتفظ حزب العدالة والتنمية بهما لسنوات طويلة. ومثلما كان حزب الحركة القومية المستفيد الأكبر من تحالف الشعب، كان حزب الشعب الجمهوري هو الطرف المستفيد من تحالف المعارضة. ومن ناحية أخرى، أدَّى الخطاب الدعائي لحزب العدالة والتنمية، الذي استهدف حزب الشعوب الديمقراطي في المقام الأول، إلى انتقال أصوات هذا الحزب إلى مرشحي حزب الشعب الجمهوري في المدن الكبرى، على الرغم من الموقف الثابت للحزب في هذا الشأن. دفع حزب العدالة والتنمية بيديه الناخبين المؤيدين لحزب الشعوب الديمقراطي إلى التصويت لصالح مرشحي حزب الشعب الجمهوري، الذين ما كانوا ليصوتوا له في الأحوال العادية. والواقع أنه إذا تأكدت النتائج كما أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات، فستكون السلطة الحاكمة هي التي تسببت في فقدان أكبر خمس مدن في تركيا بسياستها السيئة. ألا توافقونني الرأي في هذا الطرح؟ لو لم يخض حزب العدالة والتنمية هذه الانتخابات إلى جانب حزب الحركة القومية لكان بن علي يلدريم الآن في منصب رئيس البلدية في إسطنبول، ومحمد أوز هاسكي في أنقرة، بل وربما كانا قد بدآ بالفعل في أداء مهام منصبيهما. وفي رأيي الشخصي، فإن أي خطوة أخرى يمكن أن يخطوها حزب العدالة والتنمية، أو أي خطاب قد يُدلي به، أو أي شعور سيتظاهر به، دون أن يضع هذه الحقيقة أمام ناظريه، سيكون خاطئا لا محالة. ولهذا السبب لن تكون هناك فرصة لديه للعودة إلى السلطة مرة أخرى. وسأكتفي الآن بالقول “إن التحالفات يمكن أن تجعل وضع حزب العدالة والتنمية أكثر صعوبة في الانتخابات العامة المقبلة”؛ لذلك يتعيّن على المسؤولين في هذا الحزب أن يفكروا مليّا في وضع الحزب في المرحلة الراهنة.
مشاركة :