تحليل: مصير الأموال الليبية المجمّدة في القارة العجوزة

  • 4/7/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في ليبيا يحتدم القتال على طرابلس العاصمة، وفي الخارج يشتد التنافس على أموالها المجمدة في الغرب بمبالغ خيالية. جهات ليبية تحذر من ذلك، لكن علاقة الليبيين بمالهم ينطق عليها المثل القائل بأن "العين بصيرة واليد قصيرة". لا يبدو من قبيل الصدفة أن يعبر "مجلس النواب الليبي" المقرّب من رجل ليبيا القوي، خليفة حفتر، في بيان له أوائل الشهر الجاري أبريل/ نيسان 2019 عن قلقه الشديد على مصير الأموال الليبية الضخمة المجمدة في أوروبا والولايات المتحدة منذ مقتل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي في خريف 2011. وتذهب التقديرات أن قيمة الأموال الليبية في الخارج تزيد على 200 مليار دولار على شكل أصول وأسهم وودائع وحسابات بنكية في دول أبرزها إيطاليا وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا والنمسا. ويبدو أن التطورات العسكرية الدراماتيكية، التي تنذر بقرب سيطرة "قوات الجيش الوطني" بقيادة حفتر على العاصمة طرابلس التي تتخذها حكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج مقراً لها، أثارت شهية أكثر من دولة لإثارة موضوع هذه الأموال بهدف ضمان بقائها حيث هي. ويشير إلى ذلك أكثر من مصدر إضافة إلى بيان المجلس الذي حذر من محاولات القيام بلعبة مزدوجة أبطالها دول أوروبية وأطراف ليبية مقربة منها. ومن المعروف أن حكومة الوفاق الوطني في طرابلس بقيادة فائز السراج هي أقرب الأطراف إلى هذه الدول. وتتمثل هذه اللعبة حسب البيان في سعي هذه الدول إلى رفع الحظر عن الأموال المجمدة بقرار من مجلس الأمن الدولي، وسعي حكومات لم يذكرها بالاسم في نفس الوقت إلى الحجز على هذه الأموال بشكل يخالف القوانين والأعراف الدولية والكلام لبيان المجلس. دمار الحرب لم يطل البنية التحتية وحسب، بل أيضاً محطات منشآت الذهب الأسود مصدر عيش الليبيين حصة الأسد لأوروبا عندما يتعلق الأمر بالأموال الليبية المجمدة في الخارج بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، فإن القضية تعني استثمارات في شركات وبنوك أوروبية كبيرة بالإضافة إلى ودائع وأسهم وسندات تشمل مئات البنوك والشركات الأقل أهمية. كما يتعلق الأمر بشكل رئيسي بأموال "صندوق الاستثمارات الليبي" الذي تأسس عام 2006 لإدارة واستثمار فوائض العوائد النفطية الليبية. وقد استثمر هذا الصندوق في عهد القذافي أكثر من 70 مليار دولار غالبيتها في شركات وبنوك إيطالية وبريطانية وبلجيكية وألمانية. ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر "فيات لصناعة السيارات" و"ايني للطاقة" و"باير الألمانية للكيماويات" و"بنك يونيكريدت الإيطالي" و"البنك الملكي الاسكتلندي" و"بنك يوروكلير" البلجيكي و"دويتشه بنك" الألماني. ويوجد في البنوك البلجيكية لوحدها 18 مليار دولار منها. في هذا السياق تقدر الأموال العائدة للقذافي وعائلته والمقربين منه بنحو 70 مليار دولار أخرى في الخارج. أما احتياطات البنك المركزي الليبي فتقدر بنحو 40 مليار دولار قسم كبير منها في الخارج. من هم المستفيدون؟ تم تجميد الأموال الليبية في الخارج بقرار أممي بسبب الفوضى التي تلت مقتل العقيد القذافي وغياب حكومة وحدة وطنية تحظى بدعم المجتمع الدولي. واليوم وبعد نحو 8 سنوات على انهيار النظام الليبي السابق تخضع المناطق الليبية لعدة قوى وجهات أبرزها حكومة الوفاق الوطني في طرابلس الغرب برئاسة فايز السراج وحكومة شرق ليبيا التي يدعمها خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا، أي قوات "الجيش الوطني الليبي". ومع زحف هذه القوات للسيطرة على طرابلس العاصمة تصبح فرصة تشكيل حكومة تسيطر على معظم مساحة ليبيا وثرواتها النفطية الأمر الأقرب إلى الواقع. ومع وجود احتمال قوي بحصول هذه الحكومة على دعم دولي إضافي إلى جانب الدعم الحالي من فرنسا وروسيا ومصر والإمارات ودول أخرى، فإن فرصتها في الحصول على الأصول المجمدة وتسييل جزء منها بهدف إعادة بناء ليبيا التي دمرتهاالحرب تصبح الأقوى. وهذا ما يثير قلق الدول والشركات والبنوك التي تتمتع بهذه الأصول وعوائدها منذ سنوات وفي مقدمتها إيطاليا التي تعاني أكثر من غيرها من تبعات الأزمة المالية، أو بريطانيا التي تعاني حالياً فوضى البريكست. وعلى ضوء ذلك يمكن تفسير محاولات وقف تجميد الأرصدة من جهة ومحاولات الحجز على بعضها من جهة أخرى في سياق خوف دول معنية على مصالحها. يضاف إلى ذلك خوفها من تعثر البنوك والشركات الكبيرة التي تعتمد على الاستثمارات الليبية بسبب ثقل هذه البنوك والشركات في الناتج القومي أو في سوق العمل. إبراهيم محمد: مستقبل الأموال الليبية المجمدة كماضي سابقاتها الأثيوبية والإيرانية والتونسية وغيرها الأموال المجمدة لن تعود يستمر تجميد الأصول الليبية في الخارج في وقت يحتاج فيه الليبيون إلى هذه الأموال أكثر من أي وقت مضى. ويعاني من ذلك الجميع حتى حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، فقد عجزت هذه الحكومة أكثر من مرة خلال السنوات القليلة الماضية عن دفع رواتب الموظفين في الدوائر الحكومية الليبية وتوفير خدماتها. ولم تفلح محاولاتها الإفراج عن الأموال الضرورية اللازمة لذلك دائماً رغم أن المبالغ التي كانت تطلب الإفراج عنها بقيت في كل مرة أقل من 50 مليون دولار. كما أن البلديات الليبية تعاني الأمرين من نقص المال لإصلاح البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية التي دمرتها الحرب. ومع اشتداد المعارك على العاصمة طرابلس وتوقع المزيد منها في مصراتة والزنتان ومناطق ليبية أخرى يبدو الإفراج عن أموال ليبيا أو قسم منها بعيد المنال. ومن المرجح أن الوضع سيبقى كذلك حتى في حال اتجهت الأمور نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية لأسباب كثيرة من أبرزها أن قسماً كبيراً من هذه الأموال يخضع للسرية المصرفية أو موجود تحت أسماء وهمية في جنات ضريبية منتشرة حول العالم. وهناك قسم آخر تم وضعه بأسماء أشخاص اختفوا أو قتلوا في الحرب. كما أن المصير المعلق لمليارات الدولارات التي نقلها حكام سابقون لإيران وأثيوبيا والفلبين وتونس ومصر ودول أفريقية كثيرة  إلى الغرب يدل على صعوبة، لابل على استحالة رفع الحظر عن هذه الأموال واستعادتها. إبراهيم محمد

مشاركة :