القوى الاقتصادية وراء تغيرات الموازين التجارية «1من 2»

  • 4/8/2019
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

توصل بحث جديد صادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن معظم التغيرات في الموازين التجارية بين أي بلدين تنتج من العوامل الاقتصادية الكلية وليس من التعريفات الجمركية. أصبحت الموازين التجارية الثنائية (أي الفرق في قيمة الصادرات والواردات بين بلدين) موضع تركيز أخيرا. فبعض صناع السياسات متخوفون من أن تكون الموازين التجارية الكبيرة والمتنامية نتاجا لإجراءات غير متوازنة تؤدي إلى تشويه التجارة الدولية. ولكن هل يصح التركيز على الموازين التجارية الثنائية؟ الإجابة باختصار هي لا. إذ يشير البحث الذي أجريناه في الفصل الرابع من عدد إبريل 2019 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، إلى أن التغيرات الناتجة عن التعريفات الجمركية في الميزان التجاري بين بلدين عادة ما توازنها تغيرات في الموازين الثنائية مع شركاء آخرين نتيجة تحول مسار التجارة، فلا يكون لها تأثير يذكر أو تكون منعدمة التأثير في الميزان التجاري الكلي (حاصل جمع كل الموازين التجارية الثنائية). وبالتالي، فإن المحرك الحقيقي للتجارة هو العوامل الاقتصادية الكلية. فقد توصلنا إلى أن معظم التغيرات في الموازين التجارية الثنائية خلال العقدين الماضيين كانت نتيجة الأثر المجمع للعوامل الاقتصادية الكلية – التي تشمل سياسة المالية العامة، والدورات الائتمانية، وفي بعض الحالات سياسات سعر الصرف واتساع نطاق الدعم المقدم للقطاعات التجارية. وفي المقابل، كان أثر التغيرات في التعريفات الجمركية أقل من ذلك بكثير. غير أن ذلك لا يعني أن التعريفات الجمركية لا تؤثر سلبا في البلدان. ففي ظل الاقتصاد العالمي الذي يعتمد على سلاسل القيمة العالمية (حيث تشترك بلدان عديدة في عملية الإنتاج)، فإن الزيادات الحادة في التعريفات الجمركية يمكن أن تؤدي إلى تكاليف اقتصادية كبيرة وتداعيات متوالية ملحوظة في المدى الطويل، ما يؤدي إلى تردي أوضاع الاقتصاد العالمي. يهدف بحثنا – الذي يستند إلى دراسة شملت 34 قطاعا في 63 بلدا على مدار 20 عاما – إلى فهم وقياس الأسباب وراء تغيرات الموازين التجارية الثنائية، وذلك من خلال التمييز بين تأثير كل من العوامل الاقتصادية الكلية والتعريفات الجمركية والتنظيم الدولي لعمليات الإنتاج – الذي ينعكس جزئيا على التكوين القطاعي للإنتاج والطلب في البلدان (مثل الصناعة التحويلية أو الخدمات أو الزراعة). وقد توصلنا إلى أن تغيرات الموازين الثنائية على مدار العقدين الماضيين كانت إلى حد بعيد نتاجا لقوى الاقتصاد الكلي، التي تعرف بدورها في تحديد حجم الموازين التجارية الكلية. ومن هذه العوامل سياسة المالية العامة، والأوضاع الديمغرافية، وضعف الطلب المحلي، لكنها قد تتضمن أيضا سياسات سعر الصرف وسياسات العرض المحلية، مثل تقديم الدعم إلى الشركات المملوكة للدولة أو قطاعات التصدير. وفي المقابل، كانت التغيرات في التعريفات الجمركية الثنائية أقل تأثيرا، وهو ما يعكس تدني مستوياتها - بالفعل - في بلدان عديدة. وحقيقة أن التخفيضات التبادلية في التعريفات الجمركية كان لها تأثير موازن على الموازين التجارية الثنائية. وعلى الرغم من أن بحثنا يشير إلى أن التأثير المباشر للتعريفات الجمركية في تغير الموازين التجارية الثنائية كان محدودا نسبيا مقارنة بالعوامل الاقتصادية الكلية، لا يعني ذلك عدم أهمية تأثير التعريفات الجمركية. فالتغيرات الكبيرة والمستمرة في التعريفات الجمركية على المدى الأطول يمكنها التأثير في تشكيل التنظيم الدولي لعمليات الإنتاج في ظل قيام الشركات بتعديل هياكل الاستثمار والإنتاج المحلية والدولية، كأن تنظم أنفسها في سلاسل قيمة عالمية – عمليات مختلفة في أجزاء مختلفة من العالم تضيف كل منها قيمة إلى السلع والخدمات المنتجة... يتبع

مشاركة :