«ما هي فضائيتك المفضلة»؟ لو طُرِح هذا السؤال في هذا العصر الزاخر بالقنوات الإعلامية على شريحة واسعة من المشاهدين، فسوف تتعدد الإجابات بتعدد المستويات الثقافية والأعمار والتوجهات والميول وكذلك الأهواء. ومن المفترض أن يهتم متابعو أحداث العالم بمشاهدة الفضائيات الإخبارية. لكن ما يستحق الملاحظة، هنا، هو الانتقائية المرتبطة بالميول والتوجهات. أي انتقاء (س) من الناس لفضائية ما يتفق توجهها الإعلامي مع ميوله ورغباته. وهي انتقائية تفرض على صاحبها وجبة إعلامية واحدة. تقودنا هذه المقدمة للحديث عن صاحب التفكير الرَّغبي. وهو «اعتقاد المرء بصحة أمر ما لمجرد رغبته في أن يكون ذلك صحيحا». وصاحب هذا التفكير أكثر انتقائية من غيره. فهو يختار القناة الإعلامية التي تمنحه السلوان، ويراها عنوانا للمصداقية. وبذلك يحرم نفسه من ميزة الاطلاع على الرأي والرأي الآخر، وكذلك الاطلاع على الخبر في صيغ أخرى مختلفة. طبعا لا يوجد في العالم منبر إعلامي محايد. الحياد مسألة نسبية. فهي جميعا خاضعة لتوجهات الجهة الممولة. لكن صاحب هذا التفكير لا تهمه تلك المعلومة، فهو لا ينشد الحقيقة بل راحة البال. لا يسأل صاحب التفكير الرَّغبي: «لماذا وكيف ومتى وأين»؟ فقد تكشف الأسئلة عن مستورٍ لا يريد أن يراه، أو عن حقيقة لا تتفق مع رغباته. يشبه صاحب هذا التفكير مشجع فريق كرة قدم، يسأله المراسل الرياضي عن توقعاته لنتيجة المباراة بين فريقه والفريق الخصم فيقول: «أرجو أن تكون النتيجة كذا وكذا». وهنالك فرق بين التوقع والرجاء. وإذا تجاوزنا أجواء الرياضة إلى أجواء أخرى فإن صاحب التفكير الرَّغبي لا يستطيع أن يشخّص الواقع تشخيصا صحيحا. لذلك لا يمكنه أن يتوقع نتائج ما يجري حوله. إنه شخص غارق في بحيرة الرغبات، وهنالك هوة واسعة بين طريقة تفكيره وحقيقة الأشياء، بين المؤمل والواقع. لا يميز صاحب هذا التفكير بين الرأي المذاع على شكل خبر والخبر المجرد. وقد يتشبث بأي خبر أو معلومة أو إشاعة أو كذبة مزخرفة تدعم رغباته، ويبني عليها استنتاجات سرعان ما تكشف مجريات الأحداث تهافتها. وهو دائما في حالة هرولة لا تتيح له فرصة التأمل والتحليل وقراءة ما يجري قراءة صحيحة. يقال: «يضحك كثيرا من يضحك أخيرا» لكن صاحب التفكير الرَّغبي غالبا ما يستبق النتائج فيطير فرحا ويكركر ضحكا لأي خبر يناسب رغباته، ثم يبني على ذلك الأساس الهش قلاعا من الأماني. غير أن النشوة لا تعمر طويلا. وفي هذا السياق يمكن اقتباس عبارة للكاتب الأيرلندي كليف لويس تقول: «إذا كنت تبحث عن الحقيقة، فقد تجد السلوى في النهاية. وإذا كنت تبحث عن السلوى فإنك لن تحصل عليها ولا على الحقيقة. ما سوف تحصل عليه هو تفكير رَغبي يعقبه شيء من الإحباط». الرغبة وحدها لا تحول الهزيمة إلى نصر. ولا الخريف إلى ربيع. وعلى ذكر الربيع. فعندما ابتدأ مسلسل ما سمي «الربيع العربي» لم يخطر على بال أصحاب التفكير الرَّغبي الحصاد الذي أعقب ذلك التململ أو الجَيَشان. لم يدركوا أن وراء كل لافتة ما وراءها. ولو قرأوا الكتاب من عنوانه، لاستطاعوا الربط بين النتائج وما تقوله الهتافات واللافتات المرفوعة. قلة من المثقفين رأوا الأمور بشكل أوضح، فكان موقفهم من الأحداث مختلفا. لذلك أمطرهم المندفعون بوابل من التّهم كالعادة. *متخصص في الإدارة المقارنة
مشاركة :