إذا كانت السعودية تسيطر على 10 في المئة من إنتاج النفط العالمي، فإن ذلك الأمر يضعها على قدم المساواة مع منافستيها الرئيسيتين: الولايات المتحدة وروسيا، لاسيما أن شركتها النفطية «ارامكو» تحمل لقب أكبر مصدر للنفط في العالم، بمبيعات قيمتها 356 مليار دولار عن العام الماضي. وإذا كان تحرك المملكة للتخلي عن الدولار رداً على ما يعرف بمشروع قانون «نوبك»، الذي تم استحضاره في عهد الرئيس الأميركي ترامب سيلقى تجاوباً جيداً من جانب منتجين كبار للنفط من خارج «أوبك» مثل روسيا، ومن مستهلكي الخام الكبيرين الصين والاتحاد الأوروبي، فإن ذلك يأتي تماشياً مع رغبات تلك الأطراف، داعياً إلى تحركات لتنويع التجارة العالمية بعيداً عن الدولار لتقليص النفوذ الأميركي على الاقتصاد العالمي... إليكم المزيد من التفاصيل في تحقيق «الجريدة» التالي حول تلك القضية: قال أستاذ التمويل في الجامعة العربية المفتوحة د. عواد النصافي، إن "إصدار مثل هذا التشريع من الممكن أن يزيد إنتاج، النفط ويضغط على الأسعار، ورغم أنه يحقق رغبة المستهلكين والرئيس الأميركي، فإنه سيؤثر سلبا على منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، ويحدث هزة في الأسواق المالية، خصوصا أن القطاع المالي في الولايات المتحدة يعتمد بدرجة عالية على قروض القطاع النفطي". وأضاف "سنرى تحركا من القطاع النفطي الأميركي والأسواق المالية في نيويورك ضد مشروع هذا القانون في الأيام المقبلة، لأنه رغم أهمية محاربة الاحتكار لمصلحة المستهلك الأميركي فإنه سيشكل تهديدا كبيرا على صناعة النفط والغاز الأميركية". ليست المحاولة الأولى وأشار إلى أن هذه المحاولة من قبل الكونغرس الأميركي ليست الأولى لإصدار مثل هذا القانون، ففي عهد الرئيس الأميركي الاسبق جورج بوش الابن، وعهد الرئيس السابق اوباما هدد البيت الابيض باستخدام "الفيتو" ضد مثل هذا القانون. وحول الخيارات المطروحة لـ"أوبك" والسعودية قال النصافي "اعتقد انها لن تخرج عن المناورة السياسية، واستخدام "لوبي" ضغط من الداخل الأميركي، اما التهديد بالتحول إلى عملة أخرى في عمليات بيع النفط فهو هدف صعب المنال وليس ذا قيمة اقتصادية، لأن اقتصادات وعملات هذه الدول مرتبطة بشكل مباشر بالدولار"، معربا عن اعتقاده انها ورقة ضغط تستخدم في مواجهة القانون. النمو الاقتصادي وأوضح أن الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل كبير على النفط، وأعتقد أن أسعار النفط الحالية بين 60-70 دولارا للبرميل مرضية للمنتجين والمستهلكين، وتساعد على النمو الاقتصادي، خصوصا في الولايات المتحدة، وفي حال انخفاض الأسعار نتيجة لإصدار القانون سيؤثر على النمو الاقتصادي على المدى البعيد، خصوصا في الولايات المتحدة في القطاعات النفطية والمالية؛ كما سيؤثر انخفاض أسعار النفط على النمو الاقتصادي في الدول المصدرة، ويدخلها في انكماش سينعكس على العالم. فكرة قديمة من ناحيته، قال الباحث في شؤون الطاقة د. مشعل السمحان، إن "تلك الأفكار المتعلقة بمشروع قانون ما يعرف بـ"نوبك" تواردت منذ زمن ولكن تم رفضها من أغلبية الرؤساء الأميركيين السابقين، ولكن في عهد الرئيس ترامب توقع أي شيء، ومن الممكن ان يتم تمرير ذلك القانون"، مدللا على ذلك بإصراره على بناء سور المكسيك. وأضاف السمحان أن "العهد الحالي في الولايات المتحدة الأميركية من الممكن أن يتمنطق فيه كل شيء، ويصبح على أرض الواقع"، مشيرا إلى عدم قدرة تنفيذ فكرة بيع النفط بغير عملة الدولار بمفردها، و"لابد أن تجد حلفاء يدعمون تلك الفكرة حتى تكون مؤثرة بشكل قوي، ويكون الضغط والرد قويا على مشروع قانون نوبك". استثمارات ضخمة وأوضح أن من الصعوبة إيجاد حلفاء في هذا الإطار، نظرا لارتباط الكثير من الدول باستثمارات ضخمة في أميركية من الصعب التفريط فيها بسهولة. معقد جداً بدوره، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة الدكتور فخري الفقي، إن "هذا الموضوع معقد جداً وقضية متشعبة، لكون سعر برميل النفط مقوما بالدولار؛ واذا كان تقويم الدفع سيتم بعملات احتياطية فلابد ألا يضر بالدولار، لأنه في هذه الحالة يتدخل صندوق النقد الدولي لأن تلك الخطوة تؤثر على حقوق السقف الخاص بالنقد الدولي". وأضاف الفقي انه في حال تم اتخاذ خطوة بيع النفط بعملة أخرى، فإن ذلك من شأنه أن تتخذ أميركا، التي تهيمن على القرار الاقتصادي العالمي، خطوات مثل وضع تشريعات من شأنها الحفاظ على قيمة صرف عملتها الدولار. قوة احتكارية وأشار إلى أن "أوبك" لم تعد محتكرة للنفط بالدرجة التي كانت عليها قبل 25 عاما، لأنها تنتج فقط 33 مليون برميل يوميا من الإنتاج العالمي، منوها الى أن الطلب العالمي على النفط يبلغ نحو 101 مليون برميل يوميا، لذا فإن "أوبك" لم تعد تمثل قوة احتكارية. وتابع الفقي قائلا إن "الولايات المتحدة الأميركية ستصبح خلال الفترة المقبلة من اكبر منتجي النفط في العالم، وستعلن الاكتفاء الذاتي لما تمتلكه من احتياطيات ضخمة من الخام، وبالتالي ستكون لها قدرة على مجابهة أوبك". قانون الاحتكار من جهته، قال الخبير والاستشاري النفطي د. عبدالسميع بهبهاني، إن "قانون الاحتكار أعد فعليا في سنة 2000 بقانون يمنع إنشاء تكتلات لإنتاج وبيع السلع التجارية، بغرض التحكم في أسعارها، بما فيها انتاج النفط ومشتقاته". وأضاف أن القانون أقره مجلس الشيوخ والكونغرس الأميركي في 2007، كما طور مشروع القانون ليشمل تكتلات إنتاج وتصدير النفط بما يسمى "نوبك"! والجديد في تشريع 2007 انه يشمل الحكومات المنتجة والمصدرة للنفط، وعلى رأسها تكتل دول المصدرة للنفط منظمة "أوبك"، وهذا يعني أن للقضاء الأميركي الحق في تجاوز الحصانة السيادية لهذه الدول، ولعل هذا القانون أقرب من قبل مجلس الشيوخ والكونغرس. وأضاف بهبهاني "رفض المشروع بفيتو الرئاسة الأميركية من المنظور السياسي، حيث ان الرئاسات السابقة لترامب منذ 2007 لم تكن في وضع سياسي مهيأ للتصادم مع حلفاء الولايات المتحدة، كما رفض من معهد البترول الأميركي، وغرفة التجارة لاعتبارات اقتصادية، منها انه يسبب فلتان الإنتاج الذي يؤدي إلى انهيار الأسعار التي بها انهيار الاستثمار في الاستكشاف وصناعة النفط، كما وصفه المعهد والغرفة في تقريريهما". تفكك «أوبك» وتساءل عما تغير في عهد الرئيس الحالي ليصرح باستعداده لتأييد المشروع إذا أعاد مجلس الشيوخ والكونغرس طرحه. وقال "في اعتقادي أن الظروف لم تتغير كثيرا بل زادت تعقيدا، فالرئيس الأميركي ترامب أرادها إعلامية سياسية واقتصادية كان قد وعد بها الشعب الأميركي أيام الانتخابات"، منوها الى انه من المؤكد أن يتم رفضه من قبل المنتديات الاقتصادية الأميركية لأسباب أهمها ان المتضرر الاكبر سيكون الشركات الأميركية، لسبب مهم ان القانون سيسبب تفكك "اوبك"، وهذا يعني فلتان الإنتاج، ومن ثم انهيار الاسعار". ولفت إلى أن ذلك من شأنه العمل على اختفاء الشركات الاستكشافية الأميركية المتوسطة وبقاء شركات الإنتاج العملاقة؛ وهذا يعني احتكارا من نوع آخر! فعادة الشركات العملاقة تعوض فارق الهامش الربحي لرخص البرميل الخام ببرميل المشتقات ومنها وقود السيارات، لتعود الأسعار مرتفعة على المستهلك. وأشار إلى انه سيكون هناك ردات فعل كثيرة من الممكن استعمالها من الدول المنتجة للنفط، التي ستضر الاقتصاد الأميركي بالدرجة الاولى، مما سيسعد كثيرا اقتصادات الدول الناشئة، وعلى رأسها الصين. وقال من الناحية الفنية لتحويل السعودية تعاملاتها النفطية إلى دولار أميركي فهو من الممكن وفي رأي انها ليست صعبة، لأن 40 في المئة من تعاملات السعودية التجارية، والتي منها النفط، أصلا ليست بالدولار الأميركي، كل ما في الأمر انها تزيد نسبة تعاملاتها من 40 في المئة إلى 70 في المئة، باعتبار استثماراتها وصناديقها السيادية العملاقة في الولايات المتحدة. ولفت إلى أن الإقدام على هذه النقلة يسبب حرجا معنويا للولايات المتحدة، حيث ان تحالفات دول آسيا وروسيا عندما غيرت تعاملها بالدولار أدى ذلك إلى فقدان ما يقدر بـ400 مليار دولار من السوق التجاري السنوي. وأوضح بهبهاني ان "نوبك" مشروع يحمل مخاطر عالية، ويطبق في الولايات المتحدة، وهناك تجاوزات محلية عليه، ولا يبت فيها القضاء، لعدم وجود دعاوى على التكتلات التجارية المختلفة. زلزال في الاقتصاد وأضاف أن "الجديد في هذا القانون ان للقضاء الأميركي حق تجاوز الحصانة السيادية للدول، ويستطيع أن يحجر على اموالها إلى حين انتهاء الدعوى ان رفعت، وهذا لا شك يهدد حكومات الدول من الاستثمار في الولايات المتحدة، وقد يؤدي إلى سحب الاستثمارات، خصوصا السندات والسيولة من الخزينة الأميركية، هذا من المحتمل ان يؤدي إلى زلزلة الاقتصاد الأميركي الذي تزلزل من افلاس بنك من بنوكه "ليمن براذرز"، فضلا عن ان هناك دولا في "اوبك" يسعدها كثيرا تغيير عملة بيع وشراء النفط الخام من الدولار الأميركي إلى عملة أخرى في إيران وفنزويلا.
مشاركة :