ترامب يؤكد على منطق «ما أُخِذَ بالقوة لا يُسْتَرَدُّ إلا بالقوة»

  • 4/9/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الحربان، العالمية الأولى والثانية تمثلان منعطفاً تاريخياً نوعياً في مسار الدول التي تشكل مجمل الخارطة السياسية والسيادية للدول. بعد الحرب الأولى تشكلت منظمة عصبة الأمم لترسيخ السلام العالمي وحل القضايا بين الدول بالطرق السلمية، وبمعنى من المعاني «إنهاء نهج الغزوات والحروب والاستيلاء على أرض الغير بالقوة، والذي كان سائداً منذ أن تشكل الجمع البشري إلى هيكل طبقي، وكان ذلك بداية التاريخ البشري، بداية الصراع والحروب والغزوات دون وجود معايير أخلاقية ولا إنسانية»، وكان هذا هو الشرع السائد، وبمعنى آخر أخذ خطوة إلى الإمام على المسار الحضاري وإنهاء ما كان شرعاً ينافي شرع الأخلاق، ولكن البشرية لم تكن بعد مهيأة لهذه النقلة النوعية، ففشلت منظمة عصبة الامم، وانفجرت قنبلة الحرب العالمية الثانية. مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، شكل المنتصرون، على النازية الألمانية والفاشية الإيطالية والعسكرتارية اليابانية، منظمة الامم المتحدة، وقد تضمنت هذه المنظمة مجلساً أعلى مكون من الدول الكبرى الخمس، وهي المنتصرة في الحرب، لأن تفجر الحروب له علاقة مباشرة بالأقوياء (الدول الكبري)، والأقوياء هم الذين يشكلون طبيعة الشرع، وإذا تم التفاهم بين الكبار ينصاع الصغار. الأساس بين المنظمتين مشترك، وهو حفظ السلم والامن بين دول العالم ونبذ الحروب، ولكن يبدو أن المنظمة التي خرجت من رحم الحرب العالمية الثانية آيلة إلى الأفول، وأنه لا سبيل إلى تفادي قراءة الفاتحة عليها إلاّ إذا احترمت الدول العظمى ميثاق الامم المتحدة والتزمت بالقانون الدولي، ومحت من قائمة شرعها «نهج ما فوق القانون». إن شعوباً ودولاً، ليست بالقليلة، تعاني من هذا الشرع غير الشرعي حسب المواثيق الدولية والقانون الدولي، ناهيك عن شرع الأخلاق. ومنطقتنا العربية تعاني بشكل منهجي متواصل من هذا الشرع، والصراع العربي (الفلسطيني) - الإسرائيلي هو من أكثر الأمثلة وضوحاً لهذا النهج الذي يشرعن ما هو غير شرعي، عندما تتعامل أمريكا، وهي الدولة الأعظم بين الدول العظمى، مع هذا الصراع على قاعدة أن «إسرائيل فوق القانون». منذ تأسيس هذه الدولة بشرع الامم المتحدة، وهي في صراع غير متكافئ (ميزان القوة في صالحها) مع الجانب العربي، الذي يطالب بعقلانية بعضاً !!! من حقوقه المسلوبه، لأنه على شبه يقين أن استرداد الحق بكامله أمر غير منظور في الأفق الدولي السائد. إسرائيل تشن الحروب وتتوسع وتقتطع من الأراضي العربية ما تجيز لها قوتها العسكرية ونفوذها في أمريكا. طبعاً ما كان بمقدور اسرائيل أن تقدم على هذا النهج التوسعي في الأراضي العربية لو لا الدعم غير المحدود من قبل امريكا وتذبذب الدور الاوروبي، وعلى رأسها العجز العربي. عندما يختل ميزان القوة بين طرفين، فقل على الطرف الضعيف السلام، حتى في ظل مواثيق وقوانين دولية وقعت عليها جميع الدول المنضوية تحت سقف منظمة الامم المتحدة، المواثيق والقوانين الدولية تحرم شن الحروب والاستيلاء على ارض الغير بالقوة، ولكن الخلل في ميزان القوة بين الدول يخل بتلك المواثيق والقوانين، مع وجود دول عظمى لها طموحات لإدارة شؤون العالم، أو السيطرة على العالم، مثلما كان الأمر مع كورش الفارسي والاسكندر المقدوني وقيصر الرومي، فلابد، وحال الماضي الهمجي مازال يحوم في أجواء الكون، من وضع القوة الذاتية الرادعة في المرتبة الأعلى من الأولويات، إذاً فمن المستحيل، في ظل هكذا ظروف، أن تكون للأمم المتحدة ومواثيقها وقوانينها الفاعلية المرجوة لضمان أمن و سيادة الدول الضعيفة التي تتعرض للعدوان. فالخلل في ميزان القوة بين الدول، مع عجز الامم المتحدة، ينتج عنهما منطق «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة». فالقوة، إذاً، مازالت حتى اليوم هي سيدة العلاقات الدولية، و ليس المواثيق والقوانين والاتفاقيات الدولية. «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة»، كلمات قالها الرئيس المصري جمال عبدالناصر بعد الهزيمة-النكبة عام 1967، وكان صادقاً في قوله هذا، لأن السنوات اللاحقة على العدوان الاسرائيلي أثبتت صحة هذا القول، قالها رداً على القرار الأممي رقم 242 بعد توقف القوات الاسرائيلية عن الاستمرار في التوغل في الأراضي العربية، والاكتفاء بما وضعت تحت سيطرتها من أراضي لثلاث دول عربية، إضافة إلى استكمال السيطرة التامة على كل جغرافية فلسطين. وبهذا الاحتلال الجديد تكون القرارات الأممية 181 (1947) و194 (1949) بعد نكبة اغتصاب الأرض الفلسطينية في حكم المنتهية صلاحيتها، رغم الكر والفر الإعلامي بين الجانب العربي والجانب الاسرائيلي ومن ورائه الحامي body guard الأمريكي. الواقع على الإرض، والدعم بقوة متوجة بالسلاح النووي تفوق قوة الخصم، وبدعم مفرط لا يبالي بالقانون الدولي من قبل القوة العظمى، مع واقع عربي متلاطم وجبهة فلسطينية متشرذمة، يصبح الواقع على الأرض سيد الموقف. منذ القرار الأممي بإنشاء دولة اسرائيل ودولة فلسطينية مجاورة، مع الرفض العربي لذلك القرار، تشكل خطان بيانيان متناقضان في الاتجاه، الخط البياني الاسرائيلي مقابل الخط البياني العربي. ولكل خط مساره النوعي مع الزمن، ومع المسار الزمني يصعد او يهبط الخط البياني، الخط البياني الذي يرسم حالة كل طرف، العربي والاسرائيلي. إن الخط البياني الاسرائيلي في صعود مطرد، بينما الخط البياني العربي - الفلسطيني في هبوط مطرد. السبب هو «خلل في ميزان القوة». فهكذا فإن إسرائيل، بعد أن اطمأنت إلى الحماية الامريكية المطلقة، أخذ يسيل لعابها للمزيد من الأراضي العربية وهي تتلمظ طعم الأراضي التي نهبتها وتلك التي تسيطر عليها، النهب الأول (1948) تشرعن بقرار من الامم المتحدة، أما النهب الثاني (1967) فقد أدرج تحت بند «أراضي محتلة» قابلة للتفاوض بين السارق والمسروق، وعُرْفُ التفاوض يقتضي تقديم تنازلات من الطرفين حتى يغلق ملف القضية، ولكن في ظل أجواء الخلل في ميزان القوة، يكون التنازل من الجهة الأضعف فقط. سيناء خير مثال على التفاوض حول بند «أراضي محتلة»، حيث أن مصر استردت الأرض وإسرائيل حافظت على سيادة على الارض محرجة للجانب المصري، ولكن لم يكن من خيار أفضل من هكذا حل في غياب «وجود قوة رادعة». فأفضل ما تبقى للجانب العربي - الفلسطيني من الجانب الاسرائيلي هو نموذج «اتفاقية كامب ديفيد» وما تمخض عنها من استرجاع لأرض دون سيادة، أو، في حالة رفض هذه المعادلة، هو شرعنة الاحتلال بدعم من قوة عظمى لا تبالي لا للمواثيق الدولية ولا لقوانينها. ليس من المستبعد أن الساحة العربية تنتظرها حروب مفروضة عليها بغية استكمال المشروع الصهيوني على الجغرافيا العربية. إسرائيل مركز القوة في المنطقة، تحوم حولها دولاً عربية لا حول لها ولا قوة، دول عربية أخرى، تتلمظ الآمال تحت سقف الشعارات. إنها حالة كارثية، ولا يفل فولاذها إلا الفولاذ. ولكن اليوم، مع الأسف والألم، فإن الفولاذ العربي - الفلسطيني مازال في خبر كان.  ومنطق «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة» لا يعني بالمطلق استخدام القوة لاسترجاع ما أُخِذَ بالقوة، بل المعنى الواقعي، غير المغامر، هو أن امتلاك القوة يساهم في ردع العدو، وتكون بيد صاحب القوة ورقة قوية، إذا اقتضت الضرورة الدخول لى مفاوضات. وهذا الجانب من تفسير هذا المنطق في حاجة إلى مقال مكمل لهذا المقال.

مشاركة :