ضربت الحكومة مجددا عرض الحائط استغاثات التونسيين، الذين أرهقتهم الإصلاحات الاقتصادية القاسية، بإقرار زيادات جديدة في أسعار النقل الخاص راضخة لضغوط شديدة قادتها النقابات بعد رفع أسعار الوقود للمرة الخامسة في غضون عام واحد. تونس – اختارت الحكومة التونسية أسهل الحلول للإفلات من ضغوط النقابات بسبب الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود بحشر المواطنين في كماشة قطاع النقل الخاص. وتم أمس إلغاء التحركات الاحتجاجية لأصحاب سيارات الأجرة والنقل الجماعي وحافلات النقل بين المدن والحافلات السياحية والنقل الريفي، والتي كانت من المفترض أن تستمر حتى الخميس المقبل، بعد الاتفاق مع السلطات على زيادة أسعار النقل بنحو 8 بالمئة وستدخل حيز التنفيذ مطلع 2020. وأعلنت وزارة النقل والاتحاد التونسي للتجارة والصناعة (منظمة الأعراف) في بيان مشترك أنه “تم التوصل إلى حل المشكلة بعد جلسة تفاوضية جمعت وزير النقل هشام بن أحمد ورئيس الاتحاد سمير ماجول ورئيس الجامعة الوطنية للنقل معز السلامي”. وأكد بن أحمد في تصريحات صحافية أنه تم كذلك خلال الجلسة، التي تواصلت إلى وقت متأخر مساء الأحد، الاتفاق على البعض من مطالب القطاع من بينها التأمين وتجديد أسطول السيارات والتقاعد. واعتبر محللون ما حصل خطوة نحو المجهول، ستؤدي حتما إلى تعميق أزمات المواطنين الاقتصادية ومضاعفة التحديات التي تواجه الدولة في معالجة اختلال التوازنات المالية. ومن المرجح أن تمتد آثار هذا القرار “المجحف” لكافة القطاعات دون استثناء وخاصة تلك المتعلقة بالتجارة والزراعة والصناعة، والتي ستنعكس بدورها بشكل سلبي على الأسر ضعيفة الدخل. 8 بالمئة نسبة الزيادة المقررة في أسعار النقل الخاص بأنواعه وستدخل حيز التنفيذ مطلع 2020 وتعتبر هذه الزيادة الثانية منذ أن بدأت الحكومة بقيادة يوسف الشاهد في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي قاس بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي في صيف 2016. وكانت الحكومة قد اتفقت مع الجامعة العامة للنقل قبل عام على زيادة أسعار النقل الخاص بنحو 13 بالمئة، ما تسبب في إرباك كبير لدى شريحة واسعة من المواطنين. وهددت جامعة النقل المنضوية تحت راية منظمة الأعراف الأسبوع الماضي بإحداث شلل في كامل ولايات البلاد وإغلاق الطرق الرئيسية بعد أن أبدت رفضها القاطع للزيادات “الاعتباطية التي أقرتها الحكومة بصفة مفاجئة وغير مدروسة”. وقالت في بيان حينها إن الخطوة ستؤدي “إلى المزيد من الاختلال في التوازنات المالية لمؤسسات ومهن النقل بمختلف فروعه وستدفع بأصحاب سيارات النقل العام غير المنتظم إلى الإفلاس”. وتفجر جدل واسع بين التونسيين وصل ذروته في الشبكات الإجتماعية حول الزيادات المتتالية في الأسعار، وأجمعوا على أن هذه الخطوة ستجعلهم في أوضاع صعبة للغاية ستزيد من إضعاف قدرتهم الشرائية. ويتوقع اقتصاديون زيادات في أسعار سلع استهلاكية أساسية وخدمات أخرى لتشمل على الأرجح قطاع النقل العام، رغم تمسك وزارة النقل ونفي الشاهد مرارا بأن الحكومة لن تقدم على هذه الخطوة حاليا. واستفاق التونسيون نهاية الشهر الماضي على زيادة أسعار الوقود هي الأولى من نوعها هذا العام، ما خلف صدمة لديهم وخاصة الطبقتين الفقيرة ومحدودة الدخل، التي تعاني أصلا من ارتدادات الضغوط الاقتصادية التي تعيشها الدولة منذ أكثر من ثماني سنوات. هشام بن أحمد: اتفاقنا على معالجة ملفات التأمين وتجديد أسطول السيارات والتقاعد هشام بن أحمد: اتفاقنا على معالجة ملفات التأمين وتجديد أسطول السيارات والتقاعد وقررت وزارة الصناعة رفع سعر البنزين أوكتين 95 بنحو 0.08 دينار ليصبح 2.065 دينار (0.69 دولار) للتر الواحد. كما ارتفع سعر الديزل الممتاز بنفس المبلغ ليصبح السعر الجديد 1.825 دينار (0.61 دولار) للتر، بينما ارتفع سعر الديزل العادي بنحو 0.09 دينار ليصبح سعر اللتر 1.57 دينار (0.52 دولار). وأكدت في المقابل، أن أسطوانة الغاز المنزلي وبترول الإنارة لم يطرأ على أسعارهما أي تعديل. وأرجعت الوزارة هذه الخطوة، إلى الارتفاع المتواصل لأسعار النفط، ومشتقاته في الأسواق العالمية إذ تجاوز سعر النفط الخام خلال الفترة الماضية عتبة 68 دولارا للبرميل الواحد. ولكن ما يثير الاهتمام أن الحكومة بنت ميزانية 2019 على سعر برميل النفط عند 75 دولار، ما يعني أنه لا يزال أمامها هامش للتحرك دون اللجوء إلى خنق المواطنين بزيادات جديدة في الوقود. وتتضمن ميزانية العام الحالي دعما يبلغ 2.1 مليار دينار (690 مليون دولار) لقطاع المحروقات، بينما تقول الحكومة إن إجمالي العجز الطاقي بلغ ثلث العجز التجاري في العام الماضي والذي وصل إلى قرابة 6.27 مليار دولار. وتعمل تونس على تطبيق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية بهدف خفض العجز المالي إلى 3.9 بالمئة هذا العام، ومن بينها أساسا التحكم في حجم الأجور وخفض الدعم وإصلاح الصناديق الاجتماعية التي تعاني من عجز مالي متفاقم. وأظهرت بيانات رسمية حديثة أن معدل التضخم انخفض في مارس الماضي إلى 7.1 بالمئة من 7.3 بالمئة في فبراير، لكن خبراء يعتبرون هذا الانخفاض هو مجرد تراجع مؤقت. وكان البنك المركزي التونسي قد صدم السوق المحلية والمستثمرين قبل شهرين عندما رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 7.75 بالمئة من 6.75 بالمئة بهدف كبح معدلات التضخم، في زيادة هي الأولى من نوعها منذ ثلاثة عقود تقريبا.
مشاركة :