سر الخلطة الألمانية

  • 4/10/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تابعنا جميعا الكارثة التي حلت بمصر منذ فترة انقضت، وراح ضحيتها عشرات الشهداء وعشرات الجرحى والحرقى، عندما اجتاح جرار قطار طائش، يحمل في بطنه آلافًا من لترات الوقود الذي انفجر على غير توقع ليشوى عشرات الركاب بلهيب من جهنم، بعد أن ارتطمت عربة القطار برصيف المحطة محدثة شرارًا التقطه خزان الوقود لتقع الكارثة؛ ودار ما دار، وقيل ما قيل، وكالعادة استقال الوزير؛ ودخلنا بعدها في دوامات، وخد وهات، وصار الحدث في طي النسيان.لا أريد أن أكرر ما كُتب في الصحف والمحطات الإخبارية؛ ولا أريد أن أجدد الأحزان، التي اعتصرت قلب كل مصري مخلص وأمين، ثريا كان أم فقيرا. أريد أن أقف عند ومضات بعينها، بعد أن قرأت قصيدة بالعامية للشاعرة رانيا مسعود تؤلب علينا مواجع القطارات ذاتها، تقول فيها:كان أتوبيس المدارس جاي محمِّل بالولادبعد يوم كامل دراسيما خلفشي ف يوم ميعادجاي على طريق المدارسجاي على طريق الزراعيالمهم تكون مِسلِّمإن رب الكون دا راعيللولاد اللي ف حمايتهمن مدراسهم لبيتهمولَّا حتى الكل راعىإن دول أمن ف حمايتهلمَّا مر القطر يجريخد ف وشه كأنُّه مَجَرِيالولاد صَبَحِت ضحيةوالحوادث جت كتيييييراللي سَلِّم إنه أمر الله يا سيدناواللي بَلِّم من نظامنا ومن شبابناواللي كان واخد في وشه هو راخرأصله ماشي وفاتها جنبه وراح لغيرهااللي عدَّى من ولادنا واللي هدَّى واللي زاحِمواللي دارى بإيده وشهواللي سابها كتير تغشهواللي تاه في غُنا المدارسواللي سلِّم إنه حارسللمدارس والولادواللي بيغنوا كتيييرواللي بيموتوا كمانمش ناقصنا نحب فيهمع الجيتار أو بالكمانبِدِّي بس تكوني طنط الحلوة رانيااللي عايشة حياتنا ديَّ مش مسافرة ف دنيا تانيةوامَّا تيجي تقول عليَّ إني ضحكةما تقوليشي إني زي الحلوة مصرفعلًا، أنا لست كالحلوة مصر، التي اندفع أبناؤها يطفئون حرقى القطار بكل ما طالته أيديهم، هذا بجالون من الماء، وذاك بجاكيت خلعه لتوه، وثالث ببطانية خرقة يلقيها على راكب بائس ساقه القدر إلى حيث كان؛ المهم الكل هرول لإنقاذ الحرقى، حتى لا يُحملوا إلى عالم الموتى. وأمام المستشفيات نسي المصريون كل شكاواهم من الغلاء والأسعار، والزحام واللحم والخضار؛ والدم كان أغلى شيء يهبونه للجرحى والحرقى طوعًا من أجل أن تحيا مصر. هؤلاء هم أهل الحلوة مصر، الذين التفوا طوعًا ذات يوم حول الزعيم يطالبونه بالبقاء، رغم البؤس والشقاء؛ التف الجميع حوله في وقت شدة ليردوا الصاع صاعين، لعدو أهاننا مرتين. هؤلاء هم الذين حملوا السلاح يدًا بيدٍ ليستردوا كرامة مصر والعروبة التليدة، فكان النصر حليفهم في حرب أكتوبر المجيدة. هؤلاء هم الذين خرجوا طوعًا لينقذوا البلاد، ويزيحوا طواغيت العباد. إنه الشعب الأصيل، الذي دومًا يأتي في الميعاد، سواء في الهجير، أم عند الفجر أو الأصيل...وهذا هو يا أم الصابرين سر قوتك، وبهاء طلعتك.أما أنتم، يا من تقومون على أمر المرافق، الحسبة ليست حسبة "برمة"، القصة قصة علم وتخطيط، ودراسة جدوى وتحليل، وتحديث وتدريب، وأمانة في التنفيذ؛ وتظل المشكلة: من هيدفع ومن يشيل؟ وكي لا يكون الحمل ثقيل عليك...ابحث عن شريك، يحبك ويعطيك، ووفيه حقه في وقته، حتى لا يقع اللوم عليك، "وماتبقاش زي الفريك"...بالمناسبة هذا هو سر الخلطة الألمانية التي جعلت المنظومة عندهم "ميه ميه".* كاتب وأستاذ أكاديمي

مشاركة :