نتحدث كلنا كل يوم عن السعادة ونتغنى بها طول الوقت دون أن نسأل أنفسنا مرة ما السعادة وما مفهومها وهل يمكن أن يكون البشر جميعا سعداء وهل ما يجعلني سعيدا قد يجعلك أنت أيضا كذلك لو تعرضت له .إن السعادة كلمة مطاطة لا توحي بأية وسيلة ممكنة بل إنها غاية لا يمكن بلوغها الا في عالم مطلق غير هذا العالم النسبي .التصورات الدينية للسعادة غالبا ما تكون مرتبطة بالعالم الاخر او عالم ما بعد الموت غير أنني هنا أتساءل عن ما هو مرتبط بعالمنا الذي نعيشه وأستحضر الفيلسوف الألماني الاستثنائي فريدريك نيتشه الذى رأى في كتابه هكذا تكلم زرادشت أن السعادة هنا في الأرض وهي تحديدا في إرادة القوة ويرى نيتشه ان القوة لا تطون الا علي حساب قوة أخرى وعليه فلن تنبني السعادة الا علي أنقاض سعادة أخرى ويؤكد نيتشه ان ما يجعلك سعيدا ولا شك سيجعل غيرك حزينا بالقدر نفسه .الرأي السابق قد يحيلك الى تصور أن هذا المدعو نيتشه هو طاغية جبار ينشد العصف بالناس وبكل من أمامه في سبيل تحقيق مصلحته مع أنه صاحب كتاب "إنساني مفرط في إنسانيته" وهو نفسه نيتشه الذي يعود ليتحدث عن نفسه في موضع آخر "إنني أتناقض مع نفسي بمثل ما لم يتناقض احد من قبلي " .يؤكد نيتشه أن الحياة مليئة بالمتناقضات ومنها هذا التناقض الغريب المسمى السعادة سمها paradox ان شئت أي مفارقة .السعادة غير دائمة وبالتالي فهي حتما ستفضي بك الى الحزن او الي درجة اقل من السعادة وهذا سيجعلك حزينا أضف الى ذلك أنه بعدم وجود الحزن لم يكن هناك معنى للسعادة فلو أننا جميعا سعدا لما تجلى أى معنى للسعادة في غياب الحزن .إننا نتحرك جميعا في الحياة في كل لحظة ناشدين السعادة كل حسب طريقته فمنا الحكيم الرواقي الذي لا يعبأ للعالم ولا لأحزانه ومنا الذي يسعى لها عبر إسعاد الاخرين ومنا الذي يسعى لها عبر العصف بالآخرين وكل يغني على ليلاه .إن إرادة الحياة هي إرادة السعادة وطالما هي كذلك فهي إرادة الألم لن تمر للألم الا من بوابة السعادة ولن تصل للسعادة الا مرورا بالألم.
مشاركة :