أعادت القلاقل السياسية في عدد من الدول العربية العسكريين من جديد إلى دور صناع القرار. فهل يستمر هذا الأمر طويلا؟ وهل يختلف عن نظيره في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وماذا بعد؟ عاد العسكريون بشكل أو بآخر في كل من مصر والجزائر والسودان إلى سدة الحكم ليحددوا مصائر بلادهم، وصعود العسكريين في حد ذاته هو عملية واضحة لتبسيط النظام السياسي في الدولة، يمكن أن ينجح لفترة محدودة من الزمن، وأن يصب في مصلحة الأمة. فالقدرة على استخدام القوة والسرعة في اتخاذ القرارا تجعل من العسكريين المرشح الأول لرعاية السلام وضمان الاستقرار في وضع يهدد بانتشار الفوضى. والعسكريون يجيدون التعامل مع هذه المواقف. Reuters Mohamed Nureldin Abdallah الرئيس السوداني السابق/ عمر البشير إن أزمة النظم السياسية التي نشأت عن تدهور مستوى المعيشة، وتصاعد الغضب الشعبي لا تقتصر على الدول العربية وحدها. فهناك انتخاب الرئيس دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية، واليمين في إيطاليا، والاشتراكيين واليمينيين في اليونان، والسترات الصفراء في فرنسا، والبريكست، والربيع العربي، والاحتجاجات في الأرجنتين، والتوترات في تركيا.. وكل تلك جزء من عملية ذات جوهر واحد في قوالب متعددة ترتبط بالبيئة والظروف المحلية. بل وربما تلجأ الدول الغربية هي الأخرى إلى أنظمة عسكرية حينما تزداد أزماتها تعقيدا. Globallookpress Mohamed Khidir وزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري الانتقالي/ عوض بن عوف لكن، ما مدى كفاءة الأنظمة العسكرية في الاضطلاع بالتحديات الكثيرة التي تواجه الدول العربية؟ وهل تنجح في الحفاظ على الاستقرار لمدة طويلة؟ في اعتقادي الشخصي لا. ترى ما الفرق الأساسي بين الوضع الراهن في الدول العربية عن نظيره في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي؟ الفرق أن الدول العربية آنذاك كانت بشكل عام تعيش نهضة اقتصادية، وتحسنا عاما في الوضع الاجتماعي. وعلى هذه الخلفية تمكن العسكريون من تحقيق هدف الحفاظ على النظام بسهولة ونجاح، ولم يؤدي ذلك إلى إعاقة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في تلك البلدان، وأدى ذلك المزيج إلى استمرار واستقرار الحكام العسكريين في ذلك الزمان. أما اليوم وفي المستقبل القريب، وربما لعقود قادمة، تغيب أي آفاق تنمية اقتصادية واجتماعية في الدول العربية. بل على العكس، فالأوضاع مرشحة للتفاقم على خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية. فالمحرك الرئيسي، والمؤثر الأساسي في جميع التغيرات الجذرية، والقلاقل السياسية والثورات والحروب في عالمنا المترابط في اللحظة التاريخية الراهنة هو الأزمة الاقتصادية العالمية. الأزمة غير المسبوقة، والأكبر في تاريخ البشرية لفائض الإنتاج، والتي زاد من تعقيدها انتصار الرأسمالية في تسعينيات القرن الماضي، وسيادة العولمة على أجزاء واسعة من الكوكب، بحيث لم يعد هناك نطاق أوسع لانتشار النظام الرأسمالي. لم تعد هناك أسواق للغزو، بينما فائض الإنتاج هائل (تشير بعض التقديرات إلى بلوغ الفائض ثلث الإنتاج العالمي). وفي الأربعين سنة الماضية، وخاصة في الغرب، كان المستهلكون يشترون بضائعهم اعتمادا على الائتمان، والآن سوف ينهار هذا الهرم الائتماني الضخم، وهو ما سيدفع بالكثيرين والكثيرين إلى هوة الإفلاس. من الواضح كذلك أن الدول العربية أصبحت أحد أضعف حلقات تلك السلسلة الاقتصادية العالمية. وأهم المشكلات العالمية الراهنة التي تواجه الدول العربية على نحو أكثر حدة من بقية العالم هي عدم المساواة، الانفجار السكاني، شح الموارد، الهرم الائتماني. وفي ظل الركود الاقتصادي وتدهور الاقتصاد العالمي، سوف يشعر العرب أكثر من غيرهم بتصاعد الأزمة، لذلك يرجح أن تعم الاحتجاجات والتوترات السياسية أرجاء مختلفة من الوطن العربي من جديد، وسوف تعلو موجات "الربيع العربي" تارة وتهدأ تارة أخرى إلى أن يخرج العالم من أزمته الاقتصادية. لقد أصبح الارتفاع الحاد للأسعار العالمية للقمح خريف عام 2010 أحد أسباب "الربيع العربي" في 2011. بينما أدى ارتفاع أسعار الخبز في السودان نهاية عام 2018 إلى احتجاجات شعبية واسعة، أدت في النهاية إلى الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير. ولا يلوح في الأفق أي تحسن في الوضع على المدى المتوسط. فإذا ما تمكن العسكريون من الحفاظ على استقرار الوضع مؤقتا، سوف يصطدمون بذات التحديات التي اصطدم بها الرئيس السابق. وهذا هو الوضع بالنسبة لأغلبية الدول العربية. إن المنطقة بأسرها تعيش على قنبلة موقوتة، يؤجل انفجارها فقط الديون الخارجية. فإذا ما تدهور الوضع في الغرب، وتوقفت الديون الخارجية، فإن كثيرا من الدول العربية سوف تجد نفسها أمام سؤال الوجود الفعلي، بينما لا يكفي الانتاج المحلي من الغذاء المحلي احتياجات السكان، ولا توجد موارد لاستيراد السلع من الخارج. والوضع في الغرب يتدهور، وسوف تجد الدول العربية التي تعاني من عجز تجاري وعجز في المدفوعات نفسها مجبرة على خفض استيراد السلع، وبالتالي ستعاني من ندرة السلع الغذائية والبضائع، وهو ما يهدد من جديد بمظاهرات مليونية. باختصار، يبدو الاستقرار السياسي في الدول العربية هشا للغاية. لقد أبلت الأنظمة العسكرية بلاء حسنا في استعادة الأمن والنظام في المرحلة الأولى، إلا أنني أظن، أن أحدا لن يتمكن من خفض معدل التضخم السكاني في هذه الدول، لا العسكريين ولا المدنيين ولا أي حكومة أخرى. لن يتمكن أحد من تحقيق معجزة في لمح البصر، والأهم تغيير الميزان التجاري وميزان المدفوعات من العجز للفائض في البلاد بدون إجراءات مؤلمة، خاصة على خلفية أزمة فائض الإنتاج في العالم. هل هناك نظام سياسي في المطلق قادر على مواجهة التحديات الماثلة أمام الدول العربية في الوضع الراهن؟ لا أعتقد أن يكون النجاح حليف العسكريين، وذلك يتضمن السودان أيضا. tradingeconomics.com ملاحظات على الجدول: بطالة مرتفعة: عامل واضح في زعزعة الاستقرار تضخم مرتفع: ارتفاع أسعار السلع الغذائية على خلفية انخفاض مستمر للدخول الفعلية. كلما ارتفع ميزان المدفوعات كلما ازدادت مخاطر ارتفاع أسعار استيراد السلع والبضائع بشكل عام. العجز الكبير في موزانة الدولة: ارتفاع مخاطر رفع الدعم عن السلع الأساسية، والخبز، وخفض مرتبات العاملين، ومخاطر ارتفاع نسبة البطالة. المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة
مشاركة :