تتسارع الأحداث في الجزائر منذ تنحي عبدالعزيز بوتفليقة من منصبه كرئيس للبلاد بوتيرة قصوى يصعب في بعض الأحيان فهمها أو تحليلها، ما يجعل المشهد لدى المتقبل محفوفا بالضبابية بالنظر إلى تراكم القرارات التي تجعل الجزائريين غير واثقين في قيادة الجيش أو في الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح المرفوض شعبيا وسياسيا لكونه يُعد أحد أهم أذرع نظام بوتفليقة. في الوقت الذي لم تمر فيه بعد الزوبعة المُثارة حول اتهام المؤسسة العسكرية بالانقلاب على إرادة الشعب بدفعها لتطبيق الفصل 102 من الدستور الذي لا يقطع مع منظومة بوتفليقة وإتاحة الفرصة لعبدالقادر بن صالح لرئاسة البلاد بصفة مؤقتة إلى حين إجراء الانتخابات، زاد هذا الأخير في تعقيد المشهد بإعلانه عن موعد الانتخابات الرئاسية الذي تم تحديده بتاريخ الرابع من يوليو القادم. أثار هذا القرار الأخير استهجان المحتجين وأحزاب المعارضة الذين اعتبروه خطوة جديدة للسير بالبلاد نحو المجهول ومحاولة للملمة الأزمة والسعي لنفخ الروح من جديد في النظام القديم. لكن ذلك لم يمنع أيضا من تحفّز شخصيات بارزة أعلنت حماسها للترشح لهذا الاستحقاق ومن بينهم اللواء المتقاعد من الجيش علي غديري الذي أثارت تصريحاته الأخير حول الجيش وضرورة التمسك بالدستور جدلا في الشارع الجزائري، الذي وصف غديري تحركه بأنه ثورة تحرير جديدة في الجزائر. ودفعت تصريحات غديري البعض إلى التساؤل إن كان اللواء المتقاعد من المؤسسة العسكرية، والذي تقول بعض التقارير أنه لا يتفق مع قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قائد صالح، الوجه الرئاسي الجديد للجيش الجزائري. جدل موعد الانتخابات دحض علي غديري، الذي كان قد أعلن قبل تنحي بوتفليقة عن ترشحه للانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها في أبريل الجاري، ثم تغيرت الأوضاع بعد لا التحرك الشعبي الذي أطاح ببوتفليقة، ما تردد بأن دفاعه عن الجيش مرده حصوله على وعد بدعم قياداته له خلال الحملة الانتخابية. وقال، في حوار مع وكالة الأنباء الألمانية، “لست مرشح الجيش، ولا مرشح أي طرف كان، وتأييدي للمواقف التي يتخذها الجيش يرجع لإيماني بأن تطبيق الدستور هو الحل الأفضل للجزائريين ولثورتهم، أي نابع من قناعتي الشخصية والوطنية والسياسية وليس لأي مصلحة”. لكن، يبقى الجدل قائما مع تفاعل غديري مع إعلان الرئيس المؤقت للموعد الجديد للانتخابات الرئاسية بإعلان ترشّحه لهذا الاستحقاق لخلافة بوتفليقة كرئيس منتخب للبلاد. فرملة حماسة الشارع علي غديري: علينا التمسك بالنص الدستوري علي غديري: علينا التمسك بالنص الدستوري منذ سقوط رأس النظام، اعتبر المحتجون أن بعض القرارات جاءت متطابقة مع الدستور، لكنها لم تقتلع جذور المنظومة الحاكمة، لكن علي غديري يؤكّد أن الالتزام بالدستور كان هو الأسلم في هذه المرحلة الحساسة. وأعرب غديري عن قلقه لما يمكن أن تؤدي إليه حماسة واندفاع الحراك الشعبي خاصة مع قيام الكثير من النخب السياسية بالحديث باسمه. وأوضح أن “المادة 102 من الدستور تنص على أن يتولى رئيس مجلس الأمة منصب الرئيس لمدة 90 يوما، ولكن البعض يرفض تولي عبدالقادر بن صالح”. وقال “أنا أرى أن علينا التمسك بالنص الدستوري ولا داع لأي تخوف… فبن صالح كان يستمد قوته ونفوذه من الرئيس السابق، وبوتفليقة ذهب، وبالتالي لا قوة لبن صالح ولا لرئيس المجلس الدستوري ولا لرئيس الحكومة ولا لغيرهم من رموز النظام القديم، لم يعد لكل هؤلاء أي تأثير، وبالتالي لا ضرر من وجودهم خلال المجال المحدد إلى حين إجراء الانتخابات”. ويتهم المحتجون الجزائريون، الذين انتقلت مطالبهم من تنحي بوتفليقة إلى انهاء اقتلاع النظام من جذوره، المؤسسة العسكرية بالانقلاب على إرادة الشعب الطامحة لبناء دولة ديمقراطية بالاستناد على دستور لم يعد ينفع لإدارة شؤون البلاد المقبلة على مرحلة جديدة. لكن لا يرى غديري أن “الجيش انقلبعلى الحراك”، إنما “هو ملتزم بالدستور وبتطبيق نصوصه، كما أنه حريص على تقليص المدة الانتقالية، المسار الدستوري ربما قد يكون أشق، لكنه الأضمن لإجراء الانتخابات في أقرب أجل ممكن وكل من ينادي برئاسة جماعية أو أي حل آخر فإنه يسهم بذلك في تمديد المرحلة الانتقالية”. حلم الرئاسة مستمر Thumbnail تزامنا مع اعتقاد المحتجين والمعارضة أن الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية هو بمثابة محاولة لقبر مطالب الشعب، لم يتوان غديري في تأكيد عزمه خوض هذا الاستحقاق ودعمه للموعد المعلن عنه. وقال “طبعا سأترشح وملفي موجود على مستوى المجلس الدستوري”، في إشارة إلى أنه كان قدم ملف ترشحه للانتخابات التي كانت مقررة في 18 أبريل قبل أن يلغيها الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة. وأوضح اللواء المتقاعد أن “هناك مخاطر خارجية وداخلية، وفي كل ثورة يوجد من يحاول ركوب الموجة والقفز فوق أعناق الشعب طمعا بالسلطة فقط، وقد ينجح هؤلاء مع الأسف، ولكي نتفادى كل هذا، علينا أن نسرع للانتخابات، فكلما طالت المدة فإن هذا سيحمل في طياته مخاطر نحن في غنى عنها”. الجيش والإسلاميون شدد غديري على أن قلقه لا يتعلق بجهات أو أحزاب بعينها، وقال “هناك قوى إسلامية وغير إسلامية وحتى قوى أجنبية تستعد لخرق الحراك والتموقع من الآن داخل المجتمع، وبالطبع لن يكون هذا في صالح البلاد”. واعتبر أن “الإسلاميين بالجزائر لا يشكلون خطرا كبيرا، فقد هُزموا سياسيا وعسكريا، كما أنهم يدركون أنهم فشلوا في مصر وفي سوريا، وأصبح الفشل يرافقهم أينما كانوا”. بعيدا عمّا تثيره مطالب الحراك الاحتجاجي الدافعة إلى تغيير المنظومة الحاكمة برمتها، حاولت الأطراف الإسلامية الركوب على موجة التغيير لتوظيف الوضع لصالحها، حيث ظهرت مجدّدا جبهة الإنقاذ، الحزب الإسلامي المحظور بإصداره بيانا وصف ما حصل بـ”الانتفاضة الكبرى العارمة”. ونصح الحزب المحظور الجزائريين بعدم الانصياع إلى ما أسماه بمكائد النظام والانخداع بمكره ومناوراته وخداعه ليطل برأسه من جديد. في المقابل، دعا غديري كل من يدعم عودة جبهة الإنقاذ للساحة السياسية لمراجعة حساباتهم، ووصف تلك الفترة بأنها كانت “صفحة سوداء بتاريخنا، وطويت على الدماء”، مضيفا “أظن أن الوقت قد حان لننظر للحراك السياسي بنظرة جديدة ونكف عن الرجوع لما يؤثر سلبا على الانسجام الوطني”. Thumbnail أما في ما يتعلق بدور المؤسسة العسكرية، التي خرج من صفوفها في عام 2015، ومخاوف البعض من أنها قد تعمل على توجيه مسار المرحلة القادمة لضمان تفرد قياداتها بالسلطة في المستقبل أو حتى العمل على صناعة رئيس جديد للبلاد، فقال “أظن أن تدخل الجيش بالمرحلة الراهنة ما كان ليحدث بالأساس لو كانت مؤسسات الدولة الأخرى قائمة على أسس ديمقراطية حقيقية”. وشدد على أن “الجيش هو فقط المؤسسة الفعلية الموجودة حاليا بالبلاد، وتدخله جاء على طريقة ‘مجبر أخاك لا بطل’، اضطراريا لا اختياريا، فهو المؤسسة الوحيدة التي بقيت واقفة وكان لابد أن تلعب دورا بالبلاد”. وأكد أنه “من الواجبات الدستورية والوطنية لهذه المؤسسة أن تحول دون سقوط الجزائر وأن ترافق الشعب في مساره الانتخابي”. وكرر غديري ما قاله شابقا بشأن ثورة التحرير الثانية في الجزائر، مشيرا إلى أن “الثورة الجزائرية تمثل بحد ذاتها قوة ردع رئيسية أمام أي محاولة من قبل أي طرف للانتقاص من احترام إرادة الشعب أو احترام خياراته”. لكنه، استطرد قائلا “أظن أن القيادة الراهنة للمؤسسة العسكرية واعية بكل هذه المتطلبات الديمقراطية للشعب، ولا ولن تجازف بأن يكون لها موقف مضاد لما يطلبه الشعب وبالتالي فإنها ستكون محايدة ولن تتدخل بخياراته”. وأضاف “أعتقد أنه لم تعد هناك أي قوة بالبلاد قادرة على صناعة أي مسؤول، فما بالنا بمنصب رئيس الجمهورية، قوة الشارع وحدها هي من ستصنع السلطة القادمة”. وظهرت من قبل المحتجين وبعض أحزاب المعارضة دعوات بوجوب إبعاد وزير الدفاع ورئيس الأركان أحمد قايد صالح عن المشهد بعد أن اعتبروا كل خطواته مستفزة للمطالب الشعبية التائقة للتحرر من قبضة المؤسسة العسكرية. وفي هذا الصدد، أكد علي غديري أن “المخابرات كانت بالأساس تابعة للدفاع وإن كان المتعارف عليه أن تكون المخابرات تابعة لرئاسة الجمهورية، وبالفعل نقلها بوتفليقة لعهدته، وباتت قيادتها تدريجيا محسوبة على محيطه وزمرته، لكن الآن الرئيس استقال، ومعظم قيادات هذا الجهاز، كما قلت، غير شرعية ولا حجة لوجودهم بمواقعهم ولذا من المناسب أن يعود جهاز الأمن كله لعهدة وزارة الدفاع إلى حين انتخاب رئيس جديد وإعادة الأمور إلى نصابها”.
مشاركة :