كمال بالهادي ما زالت الدول العربيّة تعيش مخاضات عسيرة، من أجل تغيير العلاقات القائمة بين المجتمع والدولة، من علاقة الراعي والراعية إلى علاقة المواطنة الكاملة التي تتحقق فيها العدالة الاجتماعية بين كافة مكونات المجتمع. غير أن ثورات ما سمي ب«الربيع العربي»، سرعان ما انحدرت إلى موجات احتراب أهلي مدمّرة بالرغم من التسميات التي سعت إلى تلميع تلك الحركات من قبيل ثورة الياسمين و«ثورة الكنداكة» في السودان.عندما انطلقت الأحداث نهاية العام 2010 في تونس، لا أحد كان يعتقد أن ذلك الحراك الشعبي البسيط في إحدى المحافظات التونسية، سيتحول لعوامل داخلية وحتى خارجية، إلى طوفان يضرب كامل المنطقة العربية ويزعزع كافة أركانها التي ظلت صامدة في وجه رياح التغيير لمدة عقود. ومنذ ثماني سنوات، والحراك متواصل، دون أن يكون بمقدور أيّ أحد أن يتكهّن بتوقيت نهايته وبحدود مجالاته الجغرافية التي يمكن أن يصل إليها. ولكن بين أماني الشعوب المتحركة في الشوارع وبين ما نتج عن هذا الحراك، من نتائج هي دون المأمول أو حتى دون أدنى مستويات متطلبات ذاك الحراك الشعبي الواسع. لننطلق من عدة دراسات أشرف عليها خبراء في مجالات الاستخبارات العالمية وتم عرضها في الكيان المحتل، وهي كلّها تصب في إطار تغيير نوعية الصراع بين الكيان الصهيوني والدول العربية من الحرب المباشرة، إلى مرحلة «دع عدوك يتآكل بنفسه»، أي من خلال إنتاج مفهوم «الدولة الفاشلة»، وفي أمثلة كثيرة فإن إسقاط ما يسمّى بالديكتاتوريات قد كان بديله الدولة الفاشلة، حتى في الدول التي تم انتقال السلطة فيها بطريقة سلمية. ففي تونس على سبيل المثال، وحيث وصفت ثورتها بثورة الياسمين، ووقف لها الكونجرس الأمريكي مصفقاً طويلاً، بعد أن حياها الرئيس أوباما تحية إكبار، لم يحصد التونسيون سوى دولة الفشل في نهاية المطاف. إذ بغضّ النظر عن الانتخابات التي أوصلت إلى السلطة من ليس لهم دراية بإدارة الدولة، وبغضّ النظر عن حرّية التعبير التي تستفيد منها النخب السياسية والثقافية والإعلامية، فإنّ سؤال ماذا ربحنا بالثورة؟ هو سؤال يتردد على أفواه كل التونسيين، بما في ذلك أولئك الذين ظلوا يناضلون عقوداً طويلة من أجل التغيير.بقية النماذج في موجة التغيير باتت معروفة للجميع. فمع أنه لم تحصل الشعوب على التغيير، والقفز إلى مرتبة الدولة الفاشلة، بل علقت تلك الشعوب في مرحلة تدمير الدولة الوطنية وإسقاط كل أركانها، وكلما استدامت عمليات التدمير الممنهج لأركان الدول، كان حجم الفشل أكبر وأكثر خطورة في المستقبل، ما يستحيل معه إعادة البناء مجدداً. وأمثلة ليبيا وسوريا واليمن، خير دليل على أن شعوب هذه الدولة قد علقت في مشروع تدمير الدولة الوطنية، وباتت أراضيها مستباحة لكل غريب ودخيل لينهش جسد تلك الدول المريضة والمنهكة. اليوم يطلق على أحداث السودان ثورة «الكنداكة»، (وهو لقب الملكات في حضارة «كوش» الإفريقية القديمة)، ويقع التنويه بأيقونة الثورة السودانية، الطالبة في فرع الهندسة بجامعة الخرطوم آلاء صالح. من حق الشعوب التغيير، ومن حقها المطالبة بدولة مدنية تحقق أعلى درجات المواطنة والعدالة بين مواطنيها، ومن حق الشعوب العربية التي تعلمت وباتت قادرة على الارتقاء إلى مستويات الشعوب المتقدمة، والتي باتت قادرة على كشف الفساد ومحاربته والقادرة أيضاً على صيانة مواردها وثرواتها، أن تطالب بالتغيير الحقيقي الذي يجعل منها شعوباً سعيدة، بعد عقود من الاضطهاد والتفقير والتجويع والتجهيل. ولكن بأي أدوات يتحقق هذا التغيير الحقيقي؟ وبأي شروط؟ الدرس المستفاد من ثورة الياسمين إلى ثورة الكنداكة، أن التغيير لا يُصنع بالشعارات ولا بالتسميات الرنّانة، بل بفكر ثاقب وبرجالات وطنيين صادقين، كل ما عليهم فعله هو أن يحافظوا على ثورات شعوبهم وأن يحسنوا استثمارها في عمليات تنمية، تستطيع خلق ثروات جديدة، وتوجيه هذه الموارد البشرية المهمة إلى الإنتاج والإبداع. ودون ذاك فهو قفز ليس نحو المجهول كما يقول؛ بل هو قفز عن وعي وعن إدراك نحو الدولة الفاشلة. belhadikamel85@gmail.com
مشاركة :