أسقط رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري جميع عبارات التحفظ الأربعاء وأقر بأن بلاده ستواجه كارثة إذا لم تصادق الحكومة على موازنة قد تكون الأكثر تقشفا في تاريخ البلاد. وحث الشارع الغاضب على الوحدة الوطنية قائلا إن الجميع يجب أن يكونوا مستعدين لتقديم تضحيات إذا اقتضى الأمر. وتعكف حكومة الحريري هذه الأيام على وضع اللمسات الأخيرة على الموازنة العامة للدولة لعام 2019 والتي من المتوقع أن تفي بوعودها من خلال إجراء إصلاحات قد تكون “صعبة ومؤلمة” لتفادي تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية.ويُنظر إلى الموازنة العامة على أنها اختبار حاسم لإرادة الحكومة في تنفيذ إصلاحات يقول اقتصاديون إنها أكثر إلحاحا من أي وقت مضى بالنسبة لاقتصاد عانى من تدني معدلات النمو منذ عام 2011. وتواجه المالية العامة للدولة أعباء الرواتب والدعم الضخم الذي يتم إنفاقه على قطاع الطاقة، إضافة إلى خدمة الدين العام الذي وصل إلى مستويات تعد من بين الأعلى في العالم كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وبلغ مستوى الدين العام اللبناني مستويات خطرة في نهاية العام الماضي تعادل نحو 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. ومنذ بداية الأسبوع الحالي خرجت أعداد كبيرة من المتظاهرين إلى الشوارع لتحذير الحكومة من تخفيض رواتب ومعاشات القطاع العام. وقام عدد من ضباط الجيش المتقاعدين بإغلاق الطرق بإطارات مشتعلة الثلاثاء، في تحذير استباقي للحكومة من أي تخفيضات في معاشاتهم التقاعدية. وقال الحريري للصحافيين بعد اجتماع البرلمان إن “المطلوب منا كحكومة اليوم هو وضع موازنة قد تكون الأكثر تقشفا في تاريخ لبنان”. وقال إننا كحكومة ينبغي أن نكون “صادقين” مع الناس. وأضاف “أنا لا أقول إن لبنان في وضع انهياري” لكننا إذا واصلنا السير في بالطريقة الحالية “سنصل إلى كارثة”. وأشار إلى أن لبنان، على العكس من دول أخرى عانت من أزمات مالية مثل اليونان، لن يجد من ينقذه. وتزايدت تكهنات باضطرار الحكومة لاعتماد خطط لخفض فاتورة الأجور العامة الضخمة منذ أن لمح وزير الخارجية جبران باسيل إلى مثل هذه الخطوات السبت الماضي. ونقلت وسائل إعلام محلية عن الحريري قوله أمام البرلمان أمس إنه يدعم المتقاعدين الذين يتقاضون معاشات من الحكومة لكنه يريد حماية الليرة التي تم ربطها بمستواها الحالي مقابل الدولار منذ أكثر من عقدين. وقال بعد الجلسة إن “العسكري مستعد أن يضحي بدمه من أجل بلده فماذا لو كان إنقاذ بلده يتطلب منه ومنا جميعا أن نضحي قليلا. قد نصل إلى هذه النقطة وقد لا نصل إليها”. وأشار إلى إمكانية اتخاذ تدابير تقشفية قد تستمر بضع سنوات وبعدها “ترجع الأمور كما كانت عليه”. وألمح إلى تخفيضات أخرى تمتد إلى العديد من الحوافز التي يتمتع بها بعض العاملين في الدولة مثل العمل الإضافي والمفروشات والسيارات. وتساءل في تصريحات للصحافيين “لماذا يجب أن أحمّل الشعب اللبناني كل هذه المصاريف؟” في إشارة إلى خطورة الوضع الاقتصادي.وذكر الحريري متحدثا أمام البرلمان أنه بينما وعدت الحكومة، التي تشكلت في نهاية شهر يناير الماضي، بإصدار موازنة للعام 2019 خلال شهر أو شهرين، إلا أنها تحاول “عدم المس بأحد”. وقال إن “الأكيد أننا في وقت صعب”. ومن شأن الخطوات الجادة نحو الإصلاحات أن تساعد لبنان في الحصول على تمويل تزيد قيمته على 11 مليار دولار تعهدت به المؤسسات المانحة والحكومات الأجنبية في مؤتمر سيدر، الذي عقد بباريس العام الماضي. ويشترط المانحون إجراء إصلاحات هيكلية واسعة من قبل الحكومة اللبنانية، التي تعهدت بتنفيذها في ذلك المؤتمر مثل إصلاح قطاع الكهرباء وخفض الإنفاق والدعم الحكومي. وفي إطار جهودها الإصلاحية، وافقت الحكومة الأسبوع الماضي على خطة لإصلاح قطاع الكهرباء، الذي شكل عبئا كبيرا على الموارد المالية للدولة لسنوات. ووافق البرلمان على الخطة في جلسة يوم أمس. ويرى محللون أن ضعف إمدادات الكهرباء يلحق أضرارا كبيرة بالنشاطات الاقتصادية وأن إصلاح القطاع يمثل أحد أكبر الاختبارات أمام الحكومة الجديدة، خاصة أنها من بين الشروط الأساسية للإفراج عن تعهدات المانحين.
مشاركة :