في قرية جيفرني الواقعة في منطقة النورماندي على مسافة 75 كيلو مترا من العاصمة الفرنسية، دارت أحداث رواية "نيلوفر أسود" للكاتب ميشيل بوسي، حيث جاءت الأحداث كحقائق مستوحاة من الفنان الانطباعي كلود مونيه، الذي عاش في أحد بيوت قرية جيفرني منذ عام 1883 حتى وفاته عام 1926. يصف الكاتب ميشيل بوسي مياه النهر الصافية التي تتلون بالوردي ومع جريان الماء تخف حدة اللون وتتشبث بخضرة الأعشاب التي تتدلى من الجسور، ليشرح بعدها أن هذا اللون الوردي لم يكن صادرا من علبة رسام نظفها في النهر، لكن من جمجمة جيروم مورفال المهمشة، إنها رواية تجمع ما بين الأحداث البوليسية والاجتماعية وتطرح حقائق عن الفنان كلود مونيه، أحد أعظم الفنانين في التاريخ والأب الروحي للمدرسة الانطباعية وصاحب أجمل اللوحات عن أزهار النيلوفر، وهي تطفو على سطح الماء في تماه حقيقي وجميل مع الطبيعة وبريق اللون في حالاته المتعددة، وهي تعبر عما يدور في النفس البشرية من حالات شعورية تتعدد بتعدد مسارب الحياة نفسها. وصف لقرية جيفرني يقول الكاتب في الاستهلالية "إنه سيصف في الرواية قرية جيفرني وصفا دقيقا، فمن فندق بودي إلى جدول إبتي أو طاحونة شونوفيير أو مدرسة جيفرني أو كنيسة سانت رادجوند والمقبرة أو شارع كلود مونيه، أو طريق روي، أو بركة النيلوفر، وغيرها من الأماكن المعروفة في هذه البلدة الساحرة، التي أصبحت معلما ثقافيا وسياحيا"، وأكد الكاتب في مقدمته أن المعلومات عن كلود مونيه حقيقية سواء تعلقت بحياته أو أعماله أو ورثته، الشيء نفسه بالنسبة إلى تلك المتعلقة برسامين انطباعيين آخرين، خاصة تيودور روبنسون أو أوجين مورير، لكنه ذكر أيضا أن لخياله حصة كبيرة أيضا في هذه الرواية. فشل في الترجمة إن رواية "نيلوفر أسود" التي حصدت خمس جوائز فرنسية وقام بترجمتها محمد المزيودي لا تعطي شعورا انغماسيا للقارئ في أحداثها، لأن ترجمتها جاءت ضعيفة إلى حد ما، كما أن الأسماء التي ذكرت لا يعرفها إلا قلة من العرب المهتمين بالفن الفرنسي تحديدا، نظرا الى أن أحداثها جرت في فرنسا وعن فنانين فرنسيين، إلا أن قراءتها ممتعة في قلة قليلة من المقاطع الوصفية، ولو أنه كان من الممكن أن يختصر في النسخة العربية، ويقدم بأسلوب روائي عربي، وليس ترجمة حرفية، حيث كانت فيها العبارات والجمل ركيكة وفشل المترجم في إيجاد عبارات بديلة توصل الفكرة وتحتفظ بجمالية العمل، ما أرهق النص والقارئ معه، وأغرقها في الرتابة والملل. القاتل العاشق "لا يوجد حب سعيد.. عدا الذي تعنى به ذاكرتنا"، عبارة كتبها لورنس قبل وفاته، ليدخل كل الشخصيات التي في الرواية في دوامة حول مضامين هذه الرسالة، في رواية بوليسية تستند إلى دافع الحب في المقام الأول لارتكاب الفاعل جريمته، متكئا فيها على الفن والشعر، فلوحات مونيه عن النيلوفر وأشعار أرجون هي المحرك الذي يستند إليه القاتل العاشق في توجيه الناس إلى مسارات أخرى تبقيه بعيدا عن العيون ربما، وتقربه في الوقت نفسه من المحبوب. تدور القصة حول ثلاث نساء كنّ يعشن في القرية، كانت الأولى شريرة، والثانية كذابة، والثالثة أنانية، أعمارهن كانت متفاوتة، متفاوتة تماما. كانت الأولى قد تخطت الـ80 وكانت أرملة، الثانية كانت في الـ36 ولم تكن قد خانت زوجها أبدا إلى حد اللحظة، أما الثالثة فكانت ستبلغ الـ11 قريبا، وكل فتيان مدرستها يطمعون أن تكون حبيبتهم، الثلاث كن مختلفات، ومع ذلك كن يتقاسمن نقطة مشتركة، سرا، نوعا ما، الثلاث كن يحلمن بمغادرة جيفرني، الثالثة كانت الأكثر موهبة، الثانية كانت الأكثر مكرا، الأولى كانت الأكثر تصميما، الثالثة، الأصغر سنا، كان اسمها فانيت موريل، الثانية كان اسمها ستيفاني دوبان؛ الأولى، الأكبر سنا، هي المرأة التي تتكلم في الرواية. الدمج بين الحقائق والخيال إن دمج الكاتب في هذه الرواية بين الأحداث الحقيقية والخيال جعلها ممتعة بتفاصيلها رغم ترجمتها المملة، فالقارئ يتوق لمعرفة الحقائق، خاصة تلك التي تتعلق بالأماكن والشخصيات التاريخية والفنية، ولا شك أن الفصل الذي تحدث فيه عن متحف فيرنون كان من أجمل الفصول، يقول "إن ثروات متحف فيرنون غير مقدرة بثمن، من دون شك بسبب ظل ثروات جيفرني الخانق…"، ويكمل في السرد "لوحات كلود مونيه تتربع في ردهة الاستقبال، وضعوها في مكان جيد"، ويشرح عن النيلوفر"هي لوحة دائرية يصل قطرها مترا تقريبا، في إطارها الدائري المذهب القديم تشبه مرآة الجدات… لوحة من لوحات مونيه الدائرية الثلاث المعروضة في العالم، قدمها مونيه لمتحف فيرنون بنفسه سنة 1925، سنة قبل موته". رواية مثقلة بالثقافة إن هذه الرواية تعج بالثقافة، وتم خلالها طرح عديد من الأسماء المهمة التي يجب على كل شغوف بالثقافة أن يطلع عليها، ورغم قلة معرفتي بالفن والثقافة الفرنسية الا أنني كنت أتوقف قليلا عند كل معلومة لا أعرفها، أبحث عنها في محرك البحث "جوجل" ثم أكمل لمعرفة ماذا بعد، لقد كان شيئا مملا أن تقطع السرد الروائي لتبحث عن معلومة، لكن العوض كان ببعض الوصف الجميل الذي انحنيت أمامه، ففي فصل "مرج جيفرني- تنازل" كتب "فانيت… تشهق تبلل فرشاتها، الفرشاة الأعرض، تقريبا أداة رسام في البناء، في لوحة ألوان، حيث مزجت الفتاة جميع الألوان الداكنة، بني غامق، رمادي فحمي، أرجواني عميق، أسود. غطت فانيت اللوحة قوس قزح بضربات فوضوية من فرشاتها، دون أن تحاول رسم أي شيء سوى عذابات نفسها".
مشاركة :