السودان إلى أين بعد سقوط البشير

  • 4/18/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

منذ عزل الجيش السوداني عمر البشير، من الرئاسة بعد 3 عقود من حكمه البلاد، على وقع احتجاجات شعبية منددة بنظامه، يتساءل متابعون عن المستقبل السياسي الذي ينتظر السودانيين وسط محاولات المجلس العسكري الانتقالي للتوصل إلى تفاهم مع أحزاب وقوى المعارضة بشأن إدارة المرحلة المقبلة. وترجح التوقعات أن يقع التوافق على تشكيل حكومة مدنية تستجيب لمطالب المحتجين وترعى انتقالها القيادة العسكرية أو توجهها. الخرطوم- من خالد عبدالعزيز وإيدن لويس- أطاح الجيش السوداني بالرئيس عمر البشير بعد أن أمضى ثلاثة عقود في كرسي الحكم وذلك في أعقاب احتجاجات شعبية استمرت شهورا. وقد أعلن الجيش فترة انتقالية تصل إلى عامين تعقبها انتخابات غير أن المتظاهرين يطالبون بسرعة تسليم السلطة للمدنيين. * كيف سقط البشير؟ كان البشير (75 عاما) من أقدم القيادات الحاكمة في أفريقيا والعالم العربي. فقد تولى الحكم في انقلاب عام 1989 واستمر رغم عزلة فرضها الغرب عليه ورغم حروب أهلية وانفصال جنوب السودان وقائمة اتهامات من المحكمة الجنائية الدولية وعدة موجات سابقة من الاحتجاجات. إلا أن أزمة اقتصادية مستفحلة فجرت احتجاجات في ديسمبر سرعان ما انتشرت في مختلف أنحاء البلاد التي يبلغ عدد سكانها 40 مليون نسمة مطالبة البشير بالرحيل. وتواصلت الاحتجاجات على مدى 16 أسبوعا رغم حملة أمنية سقط فيها عشرات القتلى واحتجزت فيها السلطات الآلاف. وفي السادس من أبريل صعد المحتجون الضغط باعتصام خارج مقر وزارة الدفاع في الخرطوم. وحاولت قوات الأمن وأجهزة المخابرات إخلاء منطقة الاعتصام لكن الجيش حمى المعتصمين قبل أن يعلن الإطاحة بالبشير في 11 أبريل الجاري. وقال حامد التجاني، أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأميركية في القاهرة، إنه رغم صلات البشير الوثيقة بقيادات الجيش العليا فإن الضباط أصحاب الرتب المتوسطة بل والأصغر الأكثر اتصالا بالمجتمع تعاطفوا مع مطالب المحتجين. وأضاف أنه مع تصاعد الضغوط من الشارع نأت فئات داخل المؤسسة الأمنية بنفسها عن البشير في سعيها لحماية مراكزها. وقال ضابط بالجيش السوداني إنه تم إبرام صفقة مع القيادات العسكرية. وتابع “كان من الضروري تغيير الوجوه وقرر الجميع تغييرها دون إراقة دماء”. أثار تعيين عوض بن عوف وزير الدفاع ونائب الرئيس على رأس المجلس العسكري الانتقالي غضبا واسع النطاق في صفوف المحتجين بسبب الصلة الوثيقة التي كانت تربطه بالبشير. ولم يتحمل الضغط سوى 24 ساعة تنحى بعدها عن موقعه مساء يوم الجمعة. وفي اليوم التالي استقال صلاح عبدالله محمد صالح المعروف باسم صلاح قوش من منصب مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني. وكان صلاح قوش يعتبر منذ فترة طويلة ثاني أقوى رجل في البلاد بعد البشير وكان من القيادات الرئيسية التي استهدفها المحتجون. * لمن السيطرة الآن؟ حل الفريق عبدالفتاح البرهان محل بن عوف رئيسا للمجلس العسكري. وكان البرهان ثالث أرفع القادة في الجيش السوداني ولا يُعرف عنه الكثير على المستوى الشعبي. وقد أشرف، وهو قائد للقوات البرية السودانية، على القوات التي أرسلها السودان للقتال ضمن التحالف العربي الداعم للشرعية في اليمن ضد الميليشيات الحوثية الموالية لإيران التي تحرض على نشر الفوضى والإرهاب في المنطقة. ونائب البرهان هو قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو ولقبه الشائع هو حميدتي. وقوات الدعم السريع وحدة شبه عسكرية خرجت من رحم ميليشيا الجنجويد التي حاربت في دارفور وخرجت من صفوفها قوات للقتال في اليمن. ومن الأعضاء الآخرين في المجلس العسكري المؤلف من عشرة أعضاء ممثل لجهاز الأمن والمخابرات الوطني وقائد الشرطة. * من هم مؤيدو القيادة الجديدة؟ حظيت القيادة الجديدة للمجلس العسكري الانتقالي في السودان بدعم إقليمي بما في ذلك من الدولتين الرئيسيتين في تحالف دعم الشرعية باليمن؛ الإمارات والسعودية. ورحبت الإمارات بتعيين البرهان وقالت إنها ستعمل على التعجيل بإرسال المساعدات إلى السودان. وعقب تعيين البرهان قالت السعودية إنها سترسل كميات من القمح والوقود والأدوية إلى السودان. وكلا البلدين اللذين يلعبان دورا محوريا في حماية الأمن القومي العربي من التهديدات الإرهابية ومخاطر التيارات الإسلامية المتشددة أكد دعمه للسودان. أما مصر البلد المجاور، فقد أشارت رئاسة الجمهورية في القاهرة إلى أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتصل بالبرهان هاتفيا ليعرب عن دعم مصر لاستقرار السودان. كما أعلن المجلس العسكري الانتقالي في السودان أن وفدا مشتركا من الإمارات والسعودية زار الخرطوم واجتمع مع البرهان وحميدتي لنقل رسالة مفادها استعداد البلدين لتقديم الدعم للسودان في هذه “المرحلة المهمة والتاريخية”. وقال الضابط العسكري السوداني إن نفوذ قطر وتركيا اللتين كانت صلات قوية تربطهما بالبشير وتدعمان التيارات الإسلامية المتشددة ويتهمهما المجتمع الدولي برعاية الإرهاب سيصبح محدودا. واستقبل حميدتي مبعوثين دبلوماسيين من الغرب وقال عدد منهم إنهم طالبوه بضمان الانتقال السريع للحكم المدني. * ما مدى التنازلات التي يمكن أن يقدمها الجيش؟ وعد البرهان بتشكيل حكومة مدنية بعد إجراء مشاورات مع قوى المعارضة وأعلن تخفيف الإجراءات الاستثنائية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين. لكن لم يصدر شيء عن الجيش في ما يتعلق بمطالبة المحتجين بإشراك مدنيين في المجلس الحاكم ومحاسبة أفراد حاشية البشير الذين فُرضت على بعضهم عقوبات دولية أو وجهت لهم اتهامات دولية. وربما يخشى الجيش تقديم تنازلات إذا واجه معارضة من مواقع أخرى في الجهاز الأمني. وكان البشير يملك أقوى الصلات في فروع القوات الأمنية المختلفة والتي قد تدخل في منافسات مع بعضها البعض بعد رحيله. وقال أليكس دو وال المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في جامعة تفتس إن ضباط الجيش “يريدون في الأساس خروجا سلسا للبشير وأن يظل الجيش متماسكا كمؤسسة وهم يحظون بدعم مصري في هذه الإستراتيجية”. * ما مصير البشير؟ عندما أعلن بن عوف عزل البشير قال إن الرئيس السابق قيد الإقامة الجبرية. وقالت مصادر لرويترز إن البشير محتجز تحت حراسة مشددة في مقر إقامته. وقال مصدران من عائلة البشير إنه نُقل إلى سجن كوبر في العاصمة الخرطوم في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء. وقال مصدر في السجن إن البشير محتجز في حبس انفرادي تحت حراسة مشددة. وقال المجلس العسكري إنه لن يسلمه لكنه قد يحاكمه في السودان. وكانت المحكمة الجنائية الدولية أصدرت أوامر بالقبض على البشير في عامي 2009 و2010 للاشتباه في ارتكابه إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وفي السنوات الأخيرة من حكمه تحدى البشير المحكمة وقام بزيارة عدة دول صديقة من بينها دول أعضاء في المحكمة. وقد نفى السودان والبشير ارتكاب جرائم حرب وقالا إن أرقام الخسائر البشرية في دارفور مبالغ فيها. وتكهن البعض بأنه قد يحذو حذو الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي ويلجأ إلى السعودية.

مشاركة :