منذ سبعينات القرن الماضي، ظلت التوجهات الرسمية بشأن إصلاح التركيبة السكانية تعمل على تحفيز المواطنين على زيادة الإنجاب، بافتراض أن ذلك سيزيد أعداد الكويتيين ويعدل أو يرفع من نسبتهم في المجتمع السكاني الإجمالي. لكن الخلل الأساسي في هذه الفرضية هو عدم الأخذ بعين الاعتبار انعكاسات الاقتصاد الريعي على الواقع السكاني، فهناك علاقة طردية، بينتها الإحصاءات الديموغرافية منذ بداية عصر النفط، بين زيادة أعداد الكويتيين وأعداد الوافدين. كما هو معلوم، فإن الاقتصاد الريعي وأنماطه ودفعه المواطنين لانتهاج سلوكيات استهلاكية غير رشيدة تكرس قيم الاتكالية، أدت جميعها إلى زيادة الاعتماد على العمالة الوافدة، خصوصاً الهامشية المنوط بها تأدية الخدمات الشخصية والاجتماعية. يقدر عدد سكان الكويت في الوقت الراهن بـ 4.7 ملايين نسمة، منهم 1.4 مليون كويتيون و3.3 ملايين غير كويتيين. أي إن الكويتيين يمثلون 30 في المئة من إجمالي السكان مقابل 70 في المئة للوافدين. تكمن إشكالية التركيبة السكانية في قوة العمل، حيث يقدر عدد الكويتيين في قوة العمل بـ 425.324 ألفاً يمثلون 19 في المئة من إجمالي قوة العمل في البلاد، ويعمل غالبيتهم في الدوائر الحكومية ومنشآت القطاع العام. في حين يعتمد القطاع الخاص على عمالة وافدة من مختلف الجنسيات العربية والآسيوية وغيرها، ولا تزيد نسبة الكويتيين في منشآت القطاع الخاص على 4 في المئة من إجمالي قوة العمل في هذه المنشآت. وهكذا، فإذا كانت هناك محاولات لتعديل التركيبة السكانية، فإن الأمر يتطلب توفير الكوادر الوطنية الملائمة لسوق العمل وإصلاح النظام التعليمي، بما يؤدي إلى توفير هذه الكوادر على مدى السنوات المقبلة. يضاف إلى ما سبق ذكره أن من الأمور المهمة إصلاح منظومة القيم وتخفيف الاعتماد على العمالة المنزلية، التي يبلغ تعدادها الآن ما يقارب 650 ألفاً تمثل 14 في المئة من سكان البلاد، وما يمثل 20 في المئة من إجمالي السكان الوافدين. يتطلب الأمر ترشيد متطلبات الأسر الكويتية، وتحديد أعدادها الملائمة، وإصلاح السياسة الإسكانية، بما يفعّل من توجه المواطنين للسكن في منازل ذات مساحات مبنية «معقولة» وتحفيز الأسر للسكن في شقق .. لا يمكن أن تكون فلسفة زيادة الإنجاب علاجاً للتشوهات في التركيبة السكانية، ولن تؤدي إلى رفع مساهمة العمالة الوطنية في سوق العمل أو ترشيد السياسات المالية. في عام 2018، زاد عدد الكويتيين من 1.370 مليون إلى 1.403 مليون، أي بما يساوي 33.1 الفاً وبنسبة 2.4 في المئة، وهي تمثل معدل نمو سكاني قياسي إذا قورنت بمعدلات النمو السكانية في البلاد المتقدمة. وكما هو معلوم، فإن معدل النمو السكاني في البلاد آخذ في التراجع نتيجة لمتغيرات اجتماعية وارتفاع مستويات التحضر وزيادة مساهمة المرأة الكويتية في سوق العمل.. ولا شك أن هذه المتغيرات تعد إيجابية ويجب البناء عليها.. وبتقديري المتواضع أن المجلس الأعلى للتخطيط والدكتور خالد المهدي، الأمين العام، يدركان أهمية ترشيد السياسات المالية والسلوكيات المجتمعية بما يعزز من إمكانات خلق مجتمع منتج يعتمد على قواه البشرية ويرتقي بالإنتاجية. كما أن متطلبات الإصلاح الاقتصادي تؤكد أهمية إصلاح الحياة الأسرية وتحسين نوعية الحياة وتمكين المرأة من ولوج مختلف القطاعات الاقتصادية وترشيد المسؤوليات الأسرية والارتقاء بالتحصيل التعليمي للأبناء.. هذه المتطلبات تستوجب أن تصبح الأسرة الكويتية أسرة نووية، أي محدودة العدد، مرتقية بقدراتها ومتمكنة من تحسين أوضاعها العائلية ومحفزة للأبناء للارتقاء بقدراتهم التعليمية والمهنية. عامر التميمي مستشار وباحث اقتصادي كويتي
مشاركة :