حذر رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل من استمرار السياسات التي تتبعها دول مجلس التعاون الخليجي بالنسبة إلى عدد العمالة الموجودة، قائلا “سنكون أقليات في بلادنا في وقت ما”. وتعاني المجتمعات الخليجية من اختلال كبير في التركيبة السكانية حيث يمثل الوافدون قرابة نصف عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي، وباستثناء المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان فإن باقي الدول الخليجية يتجاوز فيها عدد الوافدين المواطنين. ودفع هذا الاختلال الدول الخليجية في السنوات الأخيرة إلى مراجعة سياساتها واتخاذ خطوات للحد منه من بينها إطلاق خطط لتوطين الوظائف في القطاعين العام والخاص، لكن الأمر لا يبدو كافيا. ويقول خبراء إن توطين الوظائف من شأنه أن يخفف من هذه التشوهات على صعيد التركيبة السكانية، بيد أنه قد يشكل تحديا في ظل ما تفرضه متطلبات سوق الشغل. وقال الأمير تركي الفيصل في محاضرة ألقاها بنادي الأحساء الأدبي مساء الاثنين تحت عنوان “تحديات الهُوية والمواطنة”، إن “بعض دول الخليج تعاني من خلل سكاني، وهو جرس إنذار لما يحمله المستقبل من تحديات وطنية شاملة”. وأضاف السفير السابق للمملكة في واشنطن ولندن “نحن مطالبون في دول مجلس التعاون الخليجي بالعمل الحثيث لاستكمال عملية التكامل القائمة والسعي المتواصل لتحقيق الاندماج الكامل، علينا مراجعة سياساتنا في كافة القطاعات بشكل جدي ليكون هدفها بناء المواطن وتعود فائدتها على شعوبنا وترسخ هويتها الوطنية”. وتحاول الدول الخليجية معالجة الاختلالات السكانية المزمنة بشكل منفرد، بالنظر إلى تفاوت هذه المشكلة من دولة إلى أخرى، فضلا عن الاختلاف الموجود على مستوى حاجات سوق العمل والوضع الاقتصادي نفسه. وسرعت دولة الكويت على سبيل المثال في السنوات الأخيرة من محاولاتها للحد من أعداد الوافدين بالنظر إلى حجم الاختلال الحاصل لديها فضلا عن انعكاسات وضعها الاقتصادي المهتز، ولم تكتف الكويت بسن بعض التشريعات بل اتخذت حزمة من الإجراءات تحت اعتبارات مختلفة من بينها أمنية. تعزيز التكامل الاقتصادي من شأنه أن يخفف الحاجة إلى الوافدين من خارج المحيط الخليجي في المقابل تتعاطى دولة البحرين بحذر مع المسألة رغم وضعها الشبيه بالكويت، وقد أسقط مجلس الشورى الاثنين مشروعي قانونين يستهدفان توطين الوظائف في الدوائر الحكومية، الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة من البحرينيين. ويبدو الأمر مختلفا بالنسبة إلى الإمارات العربية المتحدة وقطر في ظل حاجة هاتين الدولتين إلى اليد العاملة الأجنبية، حيث يشهد اقتصادهما ازدهارا بالرغم من بعض المنغصات. وأما السعودية أكبر الدول الخليجية سكانا فقد أقدمت على بعض الخطوات نحو توطين عدد من الوظائف، في محاولة منها للتقليل من أثر الاختلال في تركيبتها السكانية، بيد أن خبراء يرون أنها لا تزال في حاجة إلى العمالة الوافدة التي يأتي معظمها من الهند وباكستان ومصر. ويرى الأمير تركي الفيصل كما غيره من المسؤولين والأكاديميين الخليجيين بأن مشكلة اختلال التركيبة السكانية عامة وهي تهدد الهوية الخليجية ما يستوجب وضع استراتيجية شاملة تتفق عليها دول مجلس التعاون للحد منها، وأيضا تسريع عملية التكامل المتعثرة في ما بينها. وكانت القمة الخليجية الثانية والأربعين التي احتضنتها العاصمة السعودية الرياض في وقت سابق من الشهر الجاري ركزت على ضرورة تعزيز العمل المشترك والتحرك صوب بناء تكتل خليجي صلب أساسه اقتصاد متكامل وسياسة دفاعية وخارجية موحدة. وأعادت تلك القمة إحياء المبادرة التي طرحها العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز في ديسمبر من العام 2011 والتي تقوم على الانتقال بدول الخليج من مرحلة التعاون إلى الاتحاد. ويقول مراقبون إن تعزيز التكامل خاصة على الصعيد الاقتصادي من شأنه أن يخفف الحاجة إلى الوافدين من خارج المحيط الخليجي، وهذا طبعا سيساهم في الحد من اختلال التركيبة السكانية. وأوضح الأمير تركي الفيصل في محاضرته بأنه “إذا ما استمرت السياسات التي اتبعت خلال عقود ماضية، فإننا – لا شك – سنكون أقليات في بلادنا في وقت ما، وبالتالي وجودنا نفسه سيكون عرضة للخطر”، مشيرا إلى أن التنمية الاقتصادية يجب أن ترتبط بالتركيبة السكانية. وقال إن “الهوية والمواطنة تتقاربان وتتداخلان وقد تتماهيان بشكل كامل إذا ما كانت الدولة تجسد وجود جماعة ذات هوية واحدة”، مشيرا إلى “أننا لم نكن وحدنا في الخليج أو العالم العربي والإسلامي من لامسته هذه الهواجس حول مهددات وتحديات مسألة الهوية التي تحملها العولمة، ففي الولايات المتحدة الأكثر اندماجا في العولمة والمحرك لها أثارت مخاوف الكثيرين من صفوة نخبتها”. وأوضح الأمير تركي الفيصل أنه “يجب علينا لتحقيق التوازن على مستوى الهوية الكبرى تعزيز عناصرها بالانفتاح والتسامح، وترك العصبيات الضيقة، والاعتزاز بالذات، والحفاظ على مكانة لغتنا العربية، وهي وعاء هذه الهوية في جامعاتنا ومدارسنا ومراكزنا العلمية وفي إعلامنا ومنازلنا”. وأضاف “لا ينبغي أن ننسى أنه خلال العقود الماضية استقبلت المملكة عشرات الملايين من الوافدين الذين قدموا إليها للعمل أو الزيارة، وما زال يعيش فيها أكثر من 12 مليون وافد، وتعايش الجميع بسلام، ولم يؤخذ أحد بجريرة دينه أو مذهبه أو جنسيته”. وأكد أن “هذا دليل على أن التسامح ديدن هذا المجتمع وجزء من أخلاقه، ومهما نسمع أحيانا من اتهامات باطلة توجه للمملكة بشأن التعامل مع الآخرين المختلفين فالواقع يدحضه ولم يؤاخذ أحد إلا بسبب إخلاله بالنظام العام أو بسبب العمل على زعزعة الأمن والاستقرار”. وأشار إلى أن “المملكة بكل ود وترحاب وتسامح استقبلت وخدمت خلال العقود الماضية عشرات بل مئات الملايين من المسلمين بكافة خلفياتهم المذهبية والدينية كحجاج ومعتمرين وزوّار”
مشاركة :