أطلق الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، عملية عسكرية، أطلق عليها اسم «طوفان الكرامة»، في 4 أبريل 2019، لتحرير طرابلس من المليشيات الإرهابية. وأكد الجيش عبر أكثر من 10 مؤتمرات صحفية للمتحدث العسكري اللواء أحمد المسماري أن هذه العملية تستهدف بالأساس اقتلاع الإرهاب من العاصمة، ومحاربة المليشيات المدعومة من قطر وتركيا. دارت معركة طرابلس عبر محاور قتال عدة، وشهدت عمليات كر وفر متبادلة، إلى جانب استخدام للطيران الحربي. وبينما يتقدم الجيش الليبي في القتال، بحيث أصبح على بعد 10 كيلومترات من وسط طرابلس، فإن حكومة فايز السراج في طرابلس تعتبر أنها نجحت في صد ما وصفته بالهجوم، وقال مسؤولوها إنهم انتقلوا للهجوم المضاد. وبحسب مصادر في الجيش الليبي لـ«الاتحاد» فإن المواجهات شهدت تحولاً نوعياً خلال الأيام الأخيرة بانضمام قيادات من «داعش» للقتال، فيما تقدم الجيش ليصبح على مشارف مدينة الزنتان. كيف نفهم معركة طرابلس؟ السؤال الرئيس المطروح اليوم للمتابعين كافة للملف الليبي هو ماذا يحدث في طرابلس؟ إجابات عديدة تطرحها الأطراف الليبية، فالجيش يعلن عبر بياناته اليومية ومؤتمرات اللواء المسماري تقدم قواته عبر المحاور القتالية كافة، واقترابه من طرابلس، ضمن عملية «طوفان الكرامة» التي يعتبرها حفتر امتداداً لعملية الكرامة التي انطلقت في 2014 لتطهير بنغازي ودرنة والهلال النفطي (شرق) والجنوب الليبي من المليشيات المسلحة والمتطرفة. ويتهم الجيش الليبي قطر وتركيا بالتدخل لصالح المليشيات، ومدها بالسلاح، وتوفير الغطاء السياسي لها. إقليمياً، الدول العربية في أغلبها، خاصة المحور الرباعي، تدعم الحل السياسي للأزمة الليبية، وتدعو الأطراف إلى الهدوء، والعودة لطاولة المفاوضات. وأعلنت مصر صراحة دعمها لمكافحة الإرهاب والمليشيات المسلحة في ليبيا خلال اجتماع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحفتر في القاهرة. وفي المقابل، فإن قطر وتركيا تقفان بوضوح إلى جانب حكومة السراج، وتتهمان حفتر بعرقلة جهود الحوار الوطني الليبي، والانقلاب على الاتفاق السياسي. يقول اللواء أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش الليبي: «إن الجيش يحارب دولاً عدة، تمول المليشيات التي تحاول اختطاف طرابلس، وعلى رأسها قيادات إرهابية مصنفة دولياً ومحلياً وليست تنظيمات عادية»، في إشارة إلى قطر وتركيا، واتهمهما صراحة بزعزعة الاستقرار في ليبيا بدعمهما المباشر والخفي للمليشيات الإرهابية. هذا إلى جانب المليشيات الأخرى التي تحارب دفاعاً عن مصالحها المادية أو القبلية، والتي استغلت غياب الدولة ووقوعها في الفوضى منذ عام 2011. ودولياً، نجد أن إيطاليا تقترب أكثر للموقف الداعم لحكومة السراج والرافض لعملية الجيش الليبي في طرابلس، فيما تتبنى فرنسا موقفاً يبدو أنه داعم لحفتر في إطار دعوتها لمكافحة الإرهاب والمليشيات، وإنهاء الفوضى في ليبيا. وفي هذا السياق، يمكن مراقبة التحركات الدولية التي تزامنت مع معركة طرابلس منذ انطلاقها قبل 3 أسابيع، حيث نجد أن حفتر التقى الرئيس المصري، فيما التقى وزير الخارجية القطري رئيس الوزراء الإيطالي، وتبادل الرئيس المصري اتصالات مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بشأن ما يحدث في ليبيا، فيما هاجم الجيش الليبي صراحة المواقف الأوروبية، خاصة إيطاليا وبريطانيا من معركة طرابلس. الخلاف واضح الدكتور فرج نجم، مدير عام مركز السلام للبحوث والدراسات الإفريقية والأورمتوسطية، قال لـ«الاتحاد»: «إن الخلاف بين فرنسا وإيطاليا وإنجلترا على أرض ليبيا خلاف واضح للعيان، ففرنسا حليف قوي للمشير حفتر والمؤسسة العسكرية، لأنها تراهن على القوى الأكبر في ليبيا خاصة، وشمال أفريقيا عامة، للقضاء على شراذم الإرهاب، لتؤمن وجودها ومصالحها في أفريقيا، وليبيا منطقة تماس مع مناطق نفوذها في النيجر ومالي اللتين تخوض فيهما حرباً مع تنظيمات إرهابية في الصحراء الكبرى، وحتى توقف باريس تدفق الإرهابيين الذين يتسللون إلى أراضيها عبر الشواطئ الليبية. أما إيطاليا فانحازت للجانب الخطأ، وبريطانيا لتحقيق مشروعها، إضافة إلى مصالح خاصة لبعض النافذين البريطانيين مع حكومة السراج و«الإخوان». ويعتبر المحللون والخبراء أن الأسرة الدولية ما زالت منقسمة بشأن ليبيا، برغم الدعوات المتكررة لعقد جلسات لمجلس الأمن لبحث الملف، ومازال مشروع القرار البريطاني حول ليبيا غير قادر للوصول إلى الإجماع في المجلس، وهو مشروع القرار المطالب بوقف إطلاق النار والسماح بإيصال مساعدات إنسانية. هل تنهي طرابلس حلم «الإخوان»؟ يقول محللون لـ«الاتحاد»: «إن نجاح الجيش الليبي في تحرير العاصمة طرابلس من قبضة المليشيات يهدم أحلام تنظيم «الإخوان» الإرهابي في أن تكون ليبيا نواة لدولته المزعومة، وأن يسيطر على منطقة استراتيجية مهمة، تمثل المفرق الجغرافي بين المشرق والمغرب العربي والقريب من أوروبا وفي صدارة أفريقيا، إلى جانب الاستيلاء على ثروات ليبيا النفطية الضخمة». ويقول العقيد خالد البسطة، رئيس الخطة الأمنية شرق ليبيا، لـ«الاتحاد»: «إن ليبيا توافدت عليها قيادات إرهابية من شتى بقاع الأرض منذ 2011، بعد بسط «الإخوان» نفوذهم على مفاصل ليبيا، واستغلالاً للفوضى وغياب الدولة». ويضيف: «إن الإخوان اختطفوا الثورة الليبية، واستغلوها لتنفيذ مخططاتها الخاصة، وشكلوا كتائب مسلحة بدعوى الحفاظ على الثورة، ودعمت التيارات المتشددة والإرهابية، ومن خلفها قطر وتركيا، بالمال والسلاح والترويج الإعلامي والتسهيلات، بما فيها التنقل خارج ليبيا». ويوضح البسطة أن العناصر المسلحة، التي كانت تحارب الجيش، قيادات ميدانية مدربة، قسمت نفسها على مدن ليبيا بالكامل، وركزت قياداتها العليا على الوجود بطرابلس، وانخراط بعضها (شكلاً) داخل المؤتمر الوطني، وشكلت قوى ضغط داخله، وحصلت على مناصب مثل البنك المركزي، داخل حكومات متعاقبة، ضماناً للتمويل والغطاء السياسي، وبعد القضاء عليها في الشرق، هربت عناصرها وقياداتها المتبقية إلى غرب ليبيا، وتمركزت في طرابلس ومصراتة وبعض المدن الأخرى. ويقول الباحث الليبي عبد العزيز الرواف: «إن قطر وجماعة الإخوان الإرهابية تخشيان سيطرة الجيش الليبي على طرابلس، هذه السيطرة تعني فضح تدخلات قطر في الشأن الليبي ودعمها للتيارات الإرهابية كافة، فالكل يعلم بأن الجيش الليبي لديه الكثير من المستندات التي تدين حكام قطر بتدخلهم في ليبيا، ودعمهم للتيارات المتطرفة في المنطقة، وتستهدف ليس فقط استقرار ليبيا، لكن تطال دولاً عديدة، مثل مصر وتونس. ويضيف الباحث: «إن جماعة الإخوان تخشى أن تسقط آخر أوراقها في المنطقة، بعد خروجها من مصر، وتراجعها في تونس، والضربات المتوالية في المنطقة، آخرها في السودان». السياسي الليبي فيصل بو الرايقة يقول لـ«الاتحاد»: «إن التنظيم الدولي للإخوان يحكم سيطرته على قطر، ويغذي حقدها على الجيوش الوطنية، وبالتالي نجاح عمليات الجيش الليبي يعني الهزيمة الحتمية للإخوان وقطر، وأنهما أمام آخر رقعة شطرنج يتحركون من خلالها، وهي ليبيا، عن طريق الوكلاء المحليين (جماعة الإخوان)، وفقدهم ليبيا معناه الخروج من شمال أفريقيا، ودائرة التأثير في استقرار الدول العربية، وأهمها مصر». تأسس تنظيم «الإخوان» الإرهابي في ليبيا عام 1968، وتجمد نشاطه بعدها بعام عقب انقلاب 1969 بقيادة معمر القذافي قبل العودة في 1999، والدخول في حوار مع نظام القذافي، قبل أن ينضم لمبادرة سيف القذافي في 2005. وانخرطت الجماعة متأخرة في الثورة الشعبية على القذافي في 2011، قبل أن تؤسس حزباً هو «العدالة والبناء». قطر.. حاضنة «الإرهاب» في ليبيا وكان أكبر دليل على دعم قطر للإرهاب في ليبيا، شهادة الإرهابي المصري هشام عشماوي، الذي ألقت القوات الليبية القبض عليه في درنة قبل أشهر، حيث اعترف عشماوي – المتورط في عشرات العمليات الإرهابية بمصر وليبيا- بأن الدوحة توفر التمويل اللازم للعناصر المتطرفة في جميع المدن الليبية ودول الساحل والصحراء. كما رفضت قطر اقتراح رئيس الوزراء الليبي الأسبق محمود جبريل بحل المليشيات المسلحة في طرابلس، وزعمت أن المليشيات -التي وصفتهم بـ«الثوار»- تحمل السلاح لحماية «الثورة». وبحسب تقارير متواترة، فإن حجم التمويل القطري للمليشيات في ليبيا بلغ أكثر من 750 مليون دولار. إلى جانب دعمها علي الصلابي المصنف على قائم الإرهاب ومعه الإرهابي عبد الحكيم بلحاج. كما تدعم قطر مليشيات مسلحة إرهابية، مثل «أنصار الشريعة» و«مجلس شورى ثوار بنغازي». كما اعترف زعيم «الجماعة الليبية المقاتلة» المقرب من «القاعدة» بتمويل قطر له بالأسلحة والعتاد. وكذلك دعم «الجماعة الليبية المقاتلة». وترتبط قطر بعلاقات وثيقة مع قادة مليشيات «مصراتة»، وأبرزهم عبد الرحمن السويحلي الذي زار الدوحة أكثر من مرة. ويتهم الجيش الليبي قطر صراحة بإرسال شحنات الأسلحة إلى مصراتة، وتوزيعها على المليشيات، ونقلها إلى مناطق سيطرة الإرهابيين الموالين للقاعدة و«داعش». وتشير تقارير حقوقية إلى أن شركة طيران «الأجنحة الليبية»، التابعة للإرهابي عبد الحكيم بلحاج، هي المنوط بها نقل وتدريب الإرهابيين في ليبيا، وهي شركة أسسها بلحاج بدعم قطري. القوى السياسية.. الشرق والغرب ما القوى السياسية في ليبيا، وما مواقفها من معركة طرابلس؟ الإجابة عن هذا السؤال قد تذهب إلى اعتماد مفهوم وجود قوتين، إحداهما تسيطر على الشرق بقيادة المشير خليفة حفتر والأخرى تسيطر على الغرب بزعامة فايز السراج. ولكن المشهد أكثر تعقيدا مما يبدو. الشرق الليبي: يتمركز في الشرق الليبي، وبالتحديد بنغازي، البرلمان المنتخب والحكومة المؤقتة بزعامة عبد الله الثني. وهي القوى التي تدعم العملية العسكرية للجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر في طرابلس. البرلمان الليبي: يرأس البرلمان عقيلة صالح. وكان مقره المؤقت في طبرق قبل أن ينتقل مؤخراً إلى بنغازي. وأعلن البرلمان تأييده لعملية الجيش في طرابلس واتهم قطر وتركيا بالتدخل في الشأن الليبي ودعم المليشيات خلال معركة العاصمة. انتخب البرلمان الليبي في أغسطس 2014 خلفا للمؤتمر الوطني. وقد رفضت جماعة «الإخوان» هذا البرلمان بسبب أنها خسرت الأغلبية في الانتخابات. يبلغ أعضاء البرلمان 200 نائب. الحكومة المؤقتة: - يرأس هذه الحكومة عبد الله الثني وهي منبثقة عن البرلمان الذي مقره طبرق وانتقل مؤخرا لعقد جلسة في بنغازي. ومقر الحكومة بنغازي. الغرب الليبي: المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق: يرأس المجلس فايز السراج ومقره طرابلس. وهو المجلس الذي انبثق من مفاوضات الصخيرات ويتمتع باعتراف الأمم المتحدة، ولكنه لم ينل ثقة البرلمان المنتخب. ويتكون من 8 أعضاء أبرزهم علي القطراني (المستقيل) ومحمد عماري وأحمد معيتيق. ومركز قوة المجلس الرئاسي هو سيطرته على مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط. وقاد ما عرف بعملية «البنيان المرصوص» التي أخرجت «الدواعش» من سرت. أحد أهم عوامل ضعف المجلس هو انقساماته وعدم سيطرته على قوة عسكرية موحدة باستثناء كتائب طرابلس الأربع التي لا تنخرط فعليا في أعمال قتالية. ويرفض المجلس عملية الجيش الليبي في طرابلس ويتهم حفتر بمحاولة فرض سلطته بالقوة. وشهد المجلس استقالة نائب رئيس المجلس علي القطراني الذي اتهم السراج بالانفراد بالسلطة وأيد تقدم الجيش نحو طرابلس. وقال إن المليشيات تحرك السراج وإنه يقود ليبيا إلى مزيد من الانشقاقات والمعاناة. المؤتمر الوطني: يتزعم ما يعرف بالمؤتمر الوطني نوري بوسهمين ومعه كتلة الوفاء التي تميل لخطاب متشدد. ويرفض المؤتمر الوطني الاعتراف بالبرلمان المنتخب وحكومة الوفاق والمجلس الرئاسي وشكل ما يعرف بحكومة الإنقاذ الوطني بزعامة فوزي الغويل. يرفض الانضمام للمجلس الرئاسي. ويتمتع بتأييد مفتي ليبيا الصادق الغرياني المدعوم من قطر.
مشاركة :