في يناير 2017 كتبت في هذا الموقع مقالاً مطولاً يناقش مواد قانون هيئة مدينة الحرير الذي قدمته الحكومة في بداية الفصل التشريعي الحالي بعنوان: "صلاحيات هيئة الحرير في المشروع الحكومي لا يمتلكها مجلس الوزراء مجتمعاً"، وبينت فيه أهم عيوب ذلك القانون المقترح، وقد استغرق الأمر سنتين كاملتين حتى اقتنعت الحكومة والمجلس المُحبِط الحالي بسحب ذلك الاقتراح غير المأسوف عليه، ولكن قبل أسبوع طالعتنا صحيفة القبس باقتراح قانون بديل أُشيع أن الحكومة تنوي تقديمه للمجلس، وهذا الاقتراح لا يقل، إن لم يزد في جنوحه عن الدستور وقوانين الدولة، عن المشروع السابق، مما يجعلني أجزم أن ما نُشر هو مجرد مسودة ستُجرى عليها تعديلاتٌ كثيرة، ومن الخطأ أن تُتخذ مجالاً لصراع أُشيع بين بعض التجار والحكومة. ورغبة مني في أن يكون اقتراح إنشاء إقليم ومؤسسة الحرير وسيلة محمودة من أجل التصدي لمشكلة أُحادية الدخل والتوظيف والإنفاق العام، بعيداً عن أي سلطة تريد التربح منه، كان لا بد من إبداء الملاحظات الجوهرية عليه بأسلوب فني قانوني مجرد، مستندين إلى عدد من الملاحظات المهمة: • أولى الملاحظات على المشروع كما نشرته "القبس" أن صياغته، خصوصا في الفقرات الأولى، تكاد تكون أقرب إلى الصياغة الإنشائية منها إلى الصياغة القانونية، وإلى تقديم رؤية وتصور عام، وليس قانوناً مكتمل أركان الصياغة، مما يرجح أن مقترح القانون لم يعرض على الفتوى والتشريع، أو عدم اكتمال الدراسة القانونية له، ومثالٌ على ذلك ما جاء في أهداف المشروع، وكذلك تحت عنوان "ميثاق المبادئ" وعنوان "الالتزام بإصدار لوائح خاصة" وعنوان "العلاقة مع الدولة" و"صياغة الأهداف" وغيرها. • الملاحظة الثانية أن القانون نص على تمتع مؤسسة الحرير بكل الصلاحيات الخاصة بالجهات الحكومية والمؤسسات العامة في الدولة، ولا يجوز لأي جهة خلاف المؤسسة أن تقوم بأعمال خاصة بمؤسسة إقليم الحرير. (فقرة 5 من العلاقة مع الدولة). ويستثني القانون فقط الدفاع والخارجية، واكتشاف وإنتاج النفط، أما الأمن الداخلي فيكون بالتعاون بين رجال الأمن ومؤسسة إقليم الحرير وفق لوائح خاصة! • الملاحظة الثالثة هي كثرة الاستثناءات التي يحملها هذا القانون من قوانين الدولة، فهو يستثني إدارة هذا المشروع من: - قانون الجزاء (المادتان 237 و240) ويستبدل عقوبات الغرامة بعقوبات الحبس، أي يلغي الحبس. - قانون التجارة (عدة مواد). - قانون تراخيص المحال التجارية. - قانون العمل في القطاع الأهلي 6/ 2010. - قانون الإعفاء الضريبي. - قانون الزكاة. - قانون الخدمة المدنية وقانون دعم العمالة الوطنية في القطاع الخاص. - قانون الجمارك. - القوانين المنظمة للاستيراد والتصدير. - قانون هيئة أسواق المال 7/ 2010 وتكون لها بورصة خاصة. - قانون المناقصات العامة 49/ 2016. - قانون الشركات 1/ 2016. - قانون عدم جواز فرض الرسوم. - قانون أملاك الدولة 105/ 1981 وهو الأخطر على الإطلاق. - قانون هيئة الإسكان. - قانون ملكية غير الكويتيين للعقارات 74/ 1979. - قانون الشراكة أو الـ(BOT). - عدة مواد من قانون تنظيم القضاء. - قانون البنك المركزي حيث ينص القانون على التنسيق معه لوضع لوائح خاصة بالإقليم لتنظيم الرقابة على النقد، وتنظيم الأعمال المصرفية، ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، أي أن القانون يسلب البنك المركزي استقلاليته بتنظيم هذه الأمور، ويضعها تحت العمل المشترك مع المؤسسة في لوائح خاصة. • الملاحظة الرابعة هي عدم دستورية إقصاء قانون الجزاء الكويتي وعدم تطبيقه على جزء من أرضها، الذي يسميه القانون إقليم الحرير، وأكثر من ذلك يأتي ببدعة خطيرة وهي أن تطبق على الأجانب المقيمين فيه عادات وتقاليد وأعراف بلدانهم التي أتوا منها، وذلك فيما يتعلق بالأفعال الواقعة منهم! وهنا يجب أن نلاحظ أن أساتذة القانون قد بينوا أن استثناء أي جزء من أرض الكويت من تطبيق قانون الجزاء هو إجراء غير دستوري لأن قانون الجزاء هو قانونٌ سياديٌّ. • الملاحظة الخامسة أنه ينشئ مؤسسة إقليم الحرير ويسدي إدارتها لسبعة أشخاص أسماهم "المحافظين" الذين يتولون مهمة تأسيس الشركات وبيع وشراكة واستثمار وتأجير أراضي الدولة التي تخصص لهذا المشروع، والتي تقدر مساحتها بثلث الكويت دون العودة إلى المجلس البلدي أو مجلس الوزراء، ودون المزايدة التي نص عليها قانون أملاك الدولة، أو قانون المناقصات، أو قانون الشراكة أو غير ذلك من القوانين التي سُنت بإرادة الأمة في السابق من أجل حفظ أهم ما تملكه الكويت وهي أملاكها العقارية العامة والخاصة. وينص القانون المقترح أيضاً على جواز أن يكون المحافظون من أي جنسية، كما أن ليس للوزير المشرف أي صلاحية على المحافظين كما يظهر من نصوص القانون إلا اقتراح الأسماء كل أربع سنوات، أما الرئيس التنفيذي فنص القانون على أن يكون من أي جنسية كانت أيضاً. • الملاحظة السادسة تتعلق بالموارد المالية وهي الأراضي والعقارات المحددة بالملحق، بالإضافة إلى مبالغ نقدية حكومية لم يحددها القانون، إنما ترك تحديدها لمجلس الوزراء. وهذا بخلاف جميع القوانين السابقة بشأن إنشاء الهيئات المستقلة، إذ تنص قوانينها على تحديد رأسمالها بقيمة معينة، وهناك أيضاً مساهمات مالية لم يسمها الاقتراح إنما ذكر فقط أنها: "من أي جهة"!! • الملاحظة الأخيرة أن القانون المقترح يكلف محافظي مؤسسة إقليم الحرير بإصدار لوائح كثيرة خاصة بالإقليم مثل لوائح للبيئة، وآلية تعارض المصالح، وآلية عمل المحافظين والرئيس التنفيذي وصلاحياتهم، وآلية إصدار تأشيرات وإقامة العمال وعلاقتهم برب العمل، وآلية الاستيراد والتصدير ونظام خاص للسجل العقاري، وشروط الإسكان داخل المنطقة السكنية في الإقليم وشروط تملك العقارات، وأيضاً التزام رجال الشرطة بتطبيق تشريعات ولوائح الإقليم دون غيرها من القوانين!! وغير ذلك الكثير مما تختص به الوزارات والهيئات الحكومية على باقي أرض الكويت. كما أن القانون المقترح لم يأتِ على ذكر علاقة الإقليم بديوان المحاسبة، ولا جهاز الرقابة المالية في وزارة المالية، ولا الهيئة العامة لمكافحة الفساد، مما يدل أيضاً على نقص تشريعي واضح. • الخاتمة: أعتقد، بناء على هذه الملاحظات، أن هذا الاقتراح فيه مثالب كبيرة، ويستثني الإقليم من جميع قوانين الدولة ومجلس الوزراء، ويضعها بيد سبعة أشخاص بعيداً عن الأجهزة الرقابية في البلاد، لذلك أرى أنه يصعب أو يستحيل تمريره دستورياً وشعبياً وفي مجلس الأمة، مما يرجح أنه كان مجرد اقتراح أو دراسة قامت بها جهة استشارية بناء على طلب مجلس الأمناء السابق، ولم يتم استكمالها أو قبولها أو اعتمادها للعرض على مجلس الأمة، لذلك رأيت أن أُسطر هذه الملاحظات لكي تكون بين يدي الحكومة والقائمين على المشروع من أجل العمل على تلافيها وتقديم اقتراح بمشروع يخلو من العيوب، ويتصدى للمشكلات الخطيرة التي ستواجهها الكويت في المستقبل. والله الموفق.
مشاركة :