منذ ايام، اتساءل مع نفسي: هل خلا العراق من المشاكل والتناقضات المجتمعية والسياسية، واصبح شبيها ببلد مثل سويسرا؟ ويزداد حجم التساؤل عندي: ترى ما مغزى السعي لإصدار قانون، مضمونه حجب حرية التعبير والرأي، واطاره الحرص على المجتمع من جرائم المعلوماتية؟ وبين المضمون والاطار، بون شاسع في الرؤية والتطبيق، واتمنى على الاخوة الذين بيدهم الامر في البرلمان، التوقف امام مشروع قانون "جرائم المعلوماتية" في مسودته الحالية وقراءة فقراته بدقة وموضوعية، ومعالجة الثغرات التي تحد من الحرية التي نادى بها الشعب منذ عقود، وهي حق كفله الدستور. وليس بخاف على احد، ان حرية الاعلام بالحصول على المعلومات، بكل صنوفها، تعتبر العجلة الأساسية التي يقوم عليها النظام الديمقراطي في جميع بلدان العالم. فلا وجود للديمقراطية دون حرية معلوماتية، مع التوضيح بأن ذلك لا يعني أن تكون الحرية مُطلقةً بلا حدود أو قيود، انما تحددها اطر تحفظ الحقوق والحريات والواجبات العامة، واحترام حُرمة الآخرين وخصوصيّاتهم، بهدف الوصول الى وضع مثالي ونموذجي ينتهي الى تساوي الجميع في القيام بواجباتهم وأخذ حقوقهم. أي أن نصل الى مرحلة عادلة لاستمرار التوازن، لاسيما أن ضعف النفوس، كما نعرف، يحدث خللا ويسبب ضياع المسؤوليات والأمانات. قناعتي كبيرة، بأن حكمة الله هي الحاكمة ابدا، هذه الحكمة، فيها من يريد للحياة ان تكون رائعة، جميلة، عظيمة، وفيها من يريدها ان تكون كريهة، حاقدة، متخلفة. وبين الجانبين يكون الصراع الابدي: النصر احينا للخير والرحمة، واحيانا مع الاسف، للشر والتخلف والتآمر. ولكن بين النصر والهزيمة، تتراوح الحياة بين الشيطان والانسان.. احدهما يستولي عليها احيانا، الى ان يجليه عنها الآخر.. لا نهاية بنصر حاسم ولا بهزيمة حاسمة. فالحرب بين الزهو والتخلف سجال. كما بين طموح الوعي والتخلف. فلنسع عند اقرار قوانيننا الى ان ينتصر الوعي والطموح على لغة المؤامرة والشك. فمفهوم الحرية قضية لها قيمة عظمى في الحياة، وينظر إليها المواطن على أنها مطلب أساس يجب الحصول عليه، مثلها مثل الطعام والمسكن، والنضال من أجل الحرية قديم، قدم التاريخ. رجال الاعلام، هم من يحمل ضوء الحرية، فلم ننزع عنهم هذا الشرف، بمسميات قانونية تجعل ممارستهم لدورهم بشكل مهني محفوفاً بالمخاطر؟ ان القوانين حين تشدد في مصادرة حرية الرأي والحصول على معلومة، لا تحمي الفضيلة، لكنها تحمي الرذيلة، والفساد، وتنمي الخوف في النفوس، وهذا هو الخطر المجتمعي بعينه. فحذار من تمرير اي قانون، ينتهك حرية المعلومة، فعندما لا تكون الحقيقة حرة، لا تكون الحرية حقيقية، والحرمان من الحرية شيء بغيض. وبغيابها يتحول كل شيء إلى عدمية رهيبة.
مشاركة :