كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن التحويلات المالية للعمالة الوافدة وأثرها على الاقتصاد الوطني. فقد ظهرت أصوات تطالب بتدخل الدولة لحجم نموها، وأخرى تدعو إلى فرض رسوم على هذه الأموال واتخاذ الإجراءات المناسبة لوقفها والاستفادة منها في دعم المشاريع التنموية. ومن خلال هذا المقال سنبين رأينا المتواضع حول سبب ارتفاع هذه التحويلات وأثرها على الاقتصاد الوطني. تنتهج مملكة البحرين كباقي دول مجلس التعاون نظام اقتصاد السوق، حيث يكون الاقتصاد الوطني اقتصادا مفتوحا على العالم، ويعتمد بدرجة كبيرة على التجارة الدولية International Trade حيث تكون فيه الصادرات والواردات كبيرة نسبيا مقارنة بالدخل القومي. والانفتاح هو سمة النظام الاقتصادي العالمي «العولمة»، والذي يعرف بتهميش الحدود وفتح الأسواق والمنافسة والتحرير الكامل للتجارة من خلال فتح المنافذ التجارية للسلع والخدمات بكافة أشكالها، بما فيها حرية حركة الأموال من وإلى. فهناك منافسة بين الدول في درجة تحرر الاقتصاد فالأكثر تحررا يصنف في المرتبات الأولى ضمن مؤشر الحرية الاقتصادية (Index of Economic Freedom). وفي ظل هذا الانفتاح يحق لكل تاجر ومستثمر وعامل وافد في المملكة في تحويل أرباحه وأمواله إلى بلده وأهله دون فرض رسوم على هذه التحويلات. فكما يحق للتجار أن يحول كل أرباحه المليونية للخارج يحق للعامل الوافد أيضًا أن يحول راتبه لبلده مهما كان حجمه. وعلى الرغم من الحرية المطلقة في حركة رؤوس الأموال فإن هناك منافسة أيضا بين الدول في استقطاب وتشجيع هذه الأموال على البقاء داخل الاقتصاد، وذلك من خلال تبني سياسة استثمارية قادرة على جذب الاستثمارات. ولذلك تعمل الحكومات على إغراء أصحاب رؤوس الأموال بالبنية التحتية المتطورة والمناخ الاستثماري الآمن وبالحوافز والفرص الاستثمارية الجذابة. على مستوى دول الخليج تبلغ التحويلات الإجمالية للوافدين حوالي 122 مليار دولار (حوالي 47 مليار دينار). وتعتبر السعودية ثاني أكبر دولة في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية في التحويلات المالية. وحسب تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي فإن التحويلات المرسلة للخارج في دول الخليج تمثل 27% من إجمالي التحويلات عالميا عام 2017. في البحرين، والتي تعاني من عجوزات مالية وارتفاع هائل ومتواصل في الدين العام، شهدت التحويلات المالية للعمالة الأجنبية ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات القليلة الماضية، حيث ارتفعت من 899 مليون دينار (2.387 مليار دولار) عام 2016 إلى نحو 927.2 مليون دينار (2.5 مليار دولار) عام 2017 وإلى 1.22 مليار دينار (3.3 مليارات دولار) عام 2018. ويرجع سبب ذلك إلى ارتفاع عدد العمالة الوافدة والتي وصل عددها إلى حوالي 600 ألف عامل أجنبي يشكلون 79% من إجمالي القوى العاملة في المملكة. كما أن الجزء الأكبر من هذه التحويلات هو نتاج لممارسة أنشطة غير قانونية للعمالة الوافدة داخل البحرين. إن استمرار ارتفاع التحويلات المالية المرسلة للخارج سيكون له أبعاد خطيرة على الاقتصاد الوطني. فهي تمثل استنزافا للقدرات والثروة المالية الوطنية، وانخفاضا في دوران رأس المال داخل الاقتصاد مما يعني عدم اكتمال الدورة الاقتصادية لرؤوس الأموال التي يخلقها النشاط الاقتصادي، مما يترتب عليه ضعف في السيولة العامة وانخفاض في الأموال الاستثمارية التي قد تستخدم لتمويل المشاريع التنموية. وكذلك انخفاض في حجم الوعاء الضريبي للاقتصاد الوطني. كما يمكن تفسير الارتفاع المستمر في حجم التحويلات المالية إلى فشل السياسة الحكومية في استقطاب هذه الأموال وتحفيزها على البقاء داخل الاقتصاد الوطني، مما يعني وجوب مراجعة الاستراتيجبة الاستثمارية فهي غير قادرة على استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية. كما ينبغي إعادة النظر في سياسة سوق العمل التي نتج عنها هذا الاستنزاف المالي الكبير. فالاقتصاد البحريني في أمس الحاجة إلى هذه الأموال لدفع فواتير الدين العام ودفع عجلة النمو. فمن غير المنطق دين عام يهدد الاستقرار الاقتصادي وضرائب تؤثر على المستوى المعيشي للمواطنين بينما العمالة الوافدة تجول وتمرح وتهرب هذا الكم الهائل من الأموال.
مشاركة :