قناعتنا بأهمية تنويع مصادر دخلنا، لا يجاريها عمل بمستوى تلك الأهمية. ربما لأننا شتتنا مسؤولية ذلك التنويع لدى اكثر من جهة، وربما اننا نزداد حماساً عند تعرض مصدر دخلنا الوحيد إلى ظروف سلبية، حيث يكثر الحديث، ويزداد النقاش، ثم ما نلبث أن نهدأ حينما يرجع الأمر إلى طبيعته، ويتحسن الدخل، وتفيض الميزانية. لا أظن أننا بحاجة إلى أن نضيع كثيراً من وقتنا للحديث عن هذا الموضوع، حيث علينا أن نعمل سريعاً على البحث عن الآليات والوسائل والاساليب التي تمكننا من أن نبدأ مباشرة في تنويع دخلنا، وبالذات بعد إنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، والذي أظن أن أهم مهامه وأولها يجب أن يكون معالجة هذا الملف وفق خطة زمنية محددة وموحدة. قد يكون لتنويع مصادر دخلنا طرائق عدة، منها الاستغلال الأمثل لعوائد الدولة المالية التي تراكمت خلال سنوات الطفرة الماضية وذلك باستثمارها في مشاريع مجدية في الداخل والخارج، وهذا أمر كتب عنه الكثير وناقشه العديد من الكتاب والمهتمين. لكن الموضوع الآخر الذي علينا أن نفكر فيه جدياً، أسوة بالكثير من الدول هو موضوع الصناعة والتجارة الخارجية ودورهما في تنويع مصادر الدخل واهمية اقتناعنا بذلك من خلال تبني رؤية واضحة تتبعها وسائل تنفيذ أكثر وضوحاً. التجارب المحيطة بنا، تؤكد لنا أن الصناعة المقرونة بالتجارة الخارجية، كانت هي المسار الذي اتخذته الدول التي استطاعت تنويع مداخيلها في الثلاثين أو الأربعين عاماً الماضية، أي خلال الفترة التي بدأنا فيها الحديث عن هذا الموضوع. الفكرة ببساطة، صناعة تستغل موارد البلد وامكاناته ومزاياه النسبية، يتبعها منافذ توزيع وتسويق، واتفاقيات تجارية عالمية، ووفود ومعارض، لنشر منتجات تلك الصناعة خارج البلد، ليعود ما ينتج عنها من أموال ليستثمر داخل البلد، وتحديداً في تلك المصانع لتطويرها وتحسين منتجاتها، بل وتقديم منتجات جديدة، لتستمر العجلة في الدوران. وهذه الفلسفة والفكر الاقتصادي التنموي هو ما دعا الكثير من الدول، بعدما نضجت صناعتها، وأصبحت قادرة على المنافسة عالمياً، إلى المسارعة للانضمام للكثير من الاتفاقيات والمنظمات الدولية، حيث فتح الاسواق وازالة العوائق وتسهيل التجارة وتيسيرها. اذاً هي رؤية، تقوم على الانتاج والتصدير، بما يجلبه ذلك من أموال من الخارج، ونهضة تنموية مصحوبة بخلق العديد من الوظائف في الداخل. للأسف تأخرت الجهات المسؤولة كثيراً في تحديد الرؤية، وفي ايجاد السبل المناسبة لتفعيلها، ولعل انشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية يكون وجهة أمل في النظر في هذه الرؤية والعمل على تبنيها من خلال ايجاد جهة موحدة تعنى بالصناعة والتجارة الخارجية، تتولى جمع شتات الصناعة تحت مظلة واحدة، وربط توجهاتها ومخرجاتها باستراتيجية للتجارة الخارجية، واضحة المعالم محددة الأهداف. ان ايجاد هذا التلازم بين الصناعة والتجارة الخارجية، وايجاد جهاز واحد يعنى بهما معاً، مطلب اساس اذا أردنا أن نخطو نحو هدفنا لتنويع مصادر الدخل. والصناعة لن تكون المصدر الوحيد، حينما تربط بالتجارة الخارجية، لتنويع مصادر دخلنا، حيث إن الخدمات يمكن أن تلحق بها وتسهم في هذا الأمر. فهذه الخبرات المهنية التي أخذت في التراكم في مجالات المحاماة والادارة والمحاسبة والتسويق وغيرها من التخصصات، التي تدعمها زيادة عدد السعوديين المؤهلين سواء من جامعات الداخل أو الخارج، ستكون بإذن الله قادرة على الانتشار الخارجي أسوة بالمكاتب والخبرات الدولية، حينما نهيئ لها الوسيلة المناسبة ونوجهها نحو ذلك.
مشاركة :