لم يجد تحذير المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بأن ردّ إيران على تشديد العقوبات الأميركية على النفط الإيراني صدى كبيرا في الشارع الإيراني، مثلما كان يحدث في السابق، عندما يسرع الإيرانيون إلى رفع شعرات “مرك به أميركا” (الموت لأميركا)، عند كل أزمة بين واشنطن وطهران. بينما كان خامنئي يغرّد على تويتر بأنه “على الولايات المتحدة، أن تعلم بأن إجراءها العدواني لن يبقى من دون رد. لن تبقى الأمة الإيرانية مكتوفة اليدين في مواجهة الحقد”، كان الشارع الإيراني مشغولا بمتابعة تداعيات هذه العقوبات ويستعد لأيام أقسى، سيدفع هو ثمنها لا المرشد الأعلى، الذي يحتكم على إمبراطورية مالية ضخمة، وأبناء الطبقة الثرية الذين، يتفاخرون، في عز الأزمة الاقتصادية، بحياة الرفاه عبر نشر صورهم على إنستغرام. حين قال خامنئي إن “أمتنا القوية ومسؤولينا اليقظين سيخترقون الحظر إذا بذلوا جهدا كبيرا”، كان هذه المرة يستهدف بشكل كبير الداخل الإيراني أكثر منه الأميركيين والغرب. لقد كشفت المظاهرات التي اجتاحت البلاد أواخر سنة 2017، واستمرت سنة 2018، ولم يخمد رمادها إلى اليوم عن تغييرات كبيرة تضرب عمق المجتمع الإيراني، خاصة بعد أن تجرأ الناس على رفع شعارات تنادي بالموت لخامنئي وتمس من “قدسية” الثورة الإسلامية. أظهرت تلك الأحداث أن النظام الإيراني لم يعد قادرا على المراهنة على صمود الإيرانيين الذين يشعرون بوطأة العقوبات. ويقول مدرس (28 عاما)، في بازار تجريش شمال طهران، “في النهاية، الشعب هو الذي يعاني جراء الضغط الذي تمارسه” الولايات المتحدة. ويضيف الشاب الذي يرفض كشف هويته أنه منذ إعادة فرض العقوبات الأميركية العام 2018 “ثمة أناس تنهار أعمالهم، ومن لا يزالون صامدين لن يناضلوا أكثر على الأرجح حين تسوء الأمور”. ويقول خبراء في مركز ستراتفور للدراسات الأمنية الاستخباراتية، إن الإجراءات الأميركية ستؤدي إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والعملية والمالية الإيرانية في وقت تكافح فيه البلاد لاستيراد الأغذية التي هي في أمسّ الحاجة إليها. ويتصاعد الضغط مع إعلان واشنطن أنها ستنهي اعتبارا من الثاني مايو الإعفاءات التي كانت منحتها لثماني دول لتتمكن من استيراد النفط الإيراني. ويقول توماس اردنبريك، المحلل في صحيفة نيويورك تايمز إن حياة الملايين من الإيرانيين المنتمين إلى الطبقة الوسطى انقلبت بين ليلة وضحاها، بسبب حالة الاقتصاد الإيراني الذي دمرته سنوات من الفساد وسوء الإدارة، بالإضافة إلى وطأة العقوبات الاقتصادية المتجدّدة.وتواجه إيران انكماشا منذ 2018. وأفاد صندوق النقد الدولي أن إجمالي الناتج المحلي للبلاد تراجع بنسبة 9.3 في المئة العام الماضي، متوقعا تراجعه بنسبة 6 في المئة هذا العام. وترافق تراجع الريال الإيراني في سوق العملات مع ارتفاع كبير في الأسعار. وبلغ المعدل الرسمي للتضخم 51.4 في المئة على مدى عام. ويرى العديد من الخبراء أن قطاعي الإنتاج والتجارة في إيران يواجهان صعوبات مزمنة تعود إلى ما قبل إعادة فرض العقوبات الأميركية، لكن العقوبات الأخيرة تساهم إلى حدّ بعيد في تفاقم الأزمة الاقتصادية. في بازار تجريش، يتدافع الناس لشراء الخضر والفواكه. ولكن الحركة خفيفة أمام المتاجر التي تبيع سلعا غير أساسية مثل العطور والثياب والأثاث وسواها. وردا على سؤال، يجيب تاجر بغضب “هل تطاولني العقوبات؟ على أي كوكب كنت تعيش في الأعوام الأخيرة؟”. وتقول ربة منزل خمسينية “راتبنا محدود. اضطررنا (مع إعادة العمل بالعقوبات) إلى تقليص النفقات على الطعام واللحوم لمواجهة ارتفاع سعر إيجار المنزل”. وترصد وكالة فرانس في تغطيتها لآثار العقوبات على المجتمع الإيراني، غضبا شعبيا ينذر بانفجار، حيث أجمع كثيرون ممن صادفتهم وكالة فرانس برس في بازار تجريش، على الشكوى من التضخم الذي يتجلّى خصوصا في أسعار المواد الغذائية وإيجارات المساكن. وتضيف ربة المنزل أنه بسبب العقوبات “فإن الهوة بين الطبقات الاجتماعية تزداد اتساعا، إذ لم يعد هناك الآن سوى أغنياء وفقراء”. تحتضن إيران، التي يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة، طبقة متوسطة واسعة تشمل كل شخص تقريبا من سائقي الحافلات إلى المحامين والأطباء، ويحصل أفرادها على مداخيل متوسطها 700 دولار شهريا بالعملة المحلية. وتأثرت بالعقوبات أيضا موازنات الأسر المخصصة للسفر، وخصوصا في عيد النوروز في 21 مارس لمناسبة رأس السنة الإيرانية. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية عن رئيس الجمعية الإيرانية لوكالات السفر أمير بويان راشاد أن الوضع “فظيع”، لأن “الرغبة في السفر، سواء إلى الخارج أو إلى إيران، تراجعت في شكل كبير”. وتصف السلطات الإيرانية العقوبات الأميركية بأنها “إرهاب اقتصادي غير قانوني”. ونقلت وكالة الأنباء الطالبية عن وزير النفط الإيراني بيجان نمدر زنقنه قوله أمام النواب إن “الحلم الأميركي بتصفير صادرات النفط الإيرانية لن يتحقق”. وبحسب آخر التقديرات المتوافرة، صدّرت إيران 1.9 مليون برميل من النفط يوميا في مارس. واعتبر زنقانه أن قرار الولايات المتحدة “سيرتدّ عليها بالنظر إلى وضع السوق”. لكن هذا الكلام لا يقنع ربة المنزل في سوق تجريش، إذ تقول “الوضع سيسوء والأسعار ستواصل ارتفاعها”.
مشاركة :