عزل نظام البشير ينعكس إيجاباً على علاقات دولتي السودان

  • 4/30/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في عام 2010، وقبل أشهر معدودة من استفتاء تقرير المصير الذي انتهى بإعلان انفصال جنوب السودان، وجدت الفتاة الجنوب سودانية المسيحية سيلفا كاشف، التي لا يتعدى عمرها (16 عاماً)، نفسها في مواجهة حكم بالجلد 50 جلدة، بسبب ارتدائها تنورة رأى القاضي أنها أقصر من اللازم، وأنها غير محتشمة. وقتها قالت والدتها السيدة دورو التي تنحدر من بلدة يامبيو بجنوب السودان: «إن ابنتها اعتقلت وهي في طريقها إلى سوق الكلاكلة الحي الشعبي الذي يسكنونه بالخرطوم، وأن الشرطي سحبها من السوق كما لو كانت مجرمة»، وأضافت: «هذا لا يصح، فالناس يعتنقون أدياناً مختلفة، ويجب وضع ذلك في الاعتبار». هكذا شعر أبناء جنوب السودان بالإهانات خلال سنوات حكم جبهة الإنقاذ منذ عام 1989، التي أعلنت ضدهم حرباً جهادية، وفرضت عليهم أحكاماً دينية، وتمييزاً، جعلتهم يقررون بإجماع فاق 99% الهرب من الدولة التي جعلتهم مواطنين من الدرجة الثانية. ودأب الرئيس المعزول عمر البشير وقيادات حزبه على توجيه الإهانات في خطبهم وتصريحاتهم لأبناء الجنوب، فكان البشير دائماً ما يعتبر الجنوب قبل انفصاله عبئاً على السودان، وليس جزءاً منه، كما وصف في إحدى خطبه شركاءه في الحكم وقتها الحركة الشعبية لتحرير السودان، بالحشرة الشعبية، وقال: «إنه لا يمكن التعامل معهم إلا بالعصا»، في إشارة إلى بيت المتنبي الشهير: لا تشتري العبد إلا والعصا معه، في إهانة كبيرة لشركائه الجنوبيين في الحكم وقتها. فضلاً عن الدور السلبي الذي لعبته صحيفة «الانتباهة» التي يملكها خال البشير الطيب مصطفى، التي دأبت على الحط من شأن الجنوبيين والإساءة إليهم. وبعد انفصال الجنوب لم يطرف جفن للبشير وقيادات حزبه وفصيله، بل ذبح خاله الذبائح ابتهاجاً بزوال الجنوب من دولتهم، لكن الجنوب ذهب بثلاثة أرباع إنتاج السودان الموحد من البترول، وهو ما ندموا عليه لاحقاً، وأصبح غصة في حلوقهم، وكأنهم لم يتحسبوا لذلك. وكثرت المماحكات مع الدولة الجنوبية الوليدة، التي تحولت إلى نزاع في هجليج الحدودية وغيرها، وظلت أصابع الاتهام تشير إلى دور البشير وأتباعه في إشعال نار الحرب بجنوب السودان في ديسمبر عام 2013، والتي اضطر البشير لاحقاً صاغراً إلى العمل من أجل إطفائها قبل أشهر من عزله، تحت وطأة الأزمة الاقتصادية، التي جعلته في حاجة ملحة إلى مرور البترول الجنوبي عبر أراضي السودان للتصدير من ميناء بورتسودان. وظلت قلوب أبناء جنوب السودان معلقة بحراك أشقائهم في السودان للإطاحة بالنظام الذي شمل ظلمه الشعبين، لتؤكد أن انفصال الدولتين، هو انفصال سياسي، أما المشاعر والوجدان والثقافة والمصالح فما زالت مشتركة. وكانت صيحات عشرات الآلاف في السودان تؤكد أنهم لم ينسوا جنوبهم، وكان أحد أبرز هتافاتهم ضد البشير «مرقنا (أي خرجنا) ضد اللي فصل جنوبنا». «اليوم تتطلع غالبية الشعبين إلى حقبة جديدة، يسودها السلام والتعاون والتكامل» هذا ما يؤكده أتيم قرنق القيادي البارز بالحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة بدولة جنوب السودان ورئيس كتلتها البرلمانية. ويضيف قرنق لي «الاتحاد»: «الشعب السوداني عانى طويلًا، وقد كنا جزءاً منه، وقد خلق النظام السابق العديد من الأزمات، التي أدت إلى انفصال الجنوب». ويؤكد: «نعم كنا متعاطفين مع ثورة أشقائنا في السودان، والتغيير سيكون لصالح شعبينا ودولتينا، ستكون هناك توجهات أفضل في الخرطوم نحو جنوب السودان وأفريقيا كلها»، لكنه يستدرك: «أن استئصال حكومة مكنت لنفسها 30 عاماً ليس سهلاً، ويحتاج إلى وقت وجهد». وقد بادر رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت إلى طرح مبادرة للتقريب بين المجلس العسكري الانتقالي في السودان وقوى الحرية والتغيير عقب الإطاحة بالبشير، ويقول الكاتب الصحفي الجنوب سوداني أتيم سايمون مستشار تحرير صحيفة الموقف: «إن سلفاكير رأى أنه يمكن أن يقوم بتقريب وجهات النظر بين المجلس العسكري الانتقالي في الخرطوم وقوى إعلان الحرية والتغيير وقتها، بما يملكه من صلات طيبة مع جميع الأطراف السودانية، الذين كان يوجد معهم في إطار السودان الموحد كنائب لرئيس الجمهورية، ومن قبلها كان جزءاً من المعارضة». وأضاف: «إن سلفاكير يدرك أن جنوب السودان ترتبط أوضاعه باستقرار السودان، وله مصالح كبيرة معه، في الاقتصاد والحدود والبترول والتجارة وغيرها، فضلاً عن الترابط السكاني، وخصوصاً أن الخرطوم هي من رعت اتفاق السلام الأخير»، وأوضح «أن مبادرة سلفاكير، التي أرسل وفداً رفيع المستوى إلى الخرطوم مؤخراً لعرضها، وجدت ترحيباً من الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري، وكذلك قوى إعلان الحرية والتغيير، وهو ما يشير إلى عمق العلاقات، وإمكانية انطلاقها إلى آفاق أوسع من ذي قبل». أما الدكتور هادية حسب الله، القيادية في الحراك الشعبي السوداني والأستاذة الجامعية التي أطلقت الدعوات لإعلان الحداد العام في السودان حزنا على ضياع الجنوب بالتزامن مع استفتاء تقرير المصير عام 2011، فتقول لـ«الاتحاد»: «من المؤكد أن الحكومة الانتقالية ستسعى لتحسين العلاقة بين الخرطوم وجوبا بكل القوة، ونحن كشعب سوداني نطمح إلى ما هو أكبر من التحسن، فلا زال فصل الجنوب جرحاً للطرفين، وبإمكاننا معالجته بالكثير من الإجراءات». ومن جانبه، يؤكد الدكتور عبد المجيد داوود، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري بالخرطوم، أن مستقبل العلاقات سيكون إيجابياً، مشيراً إلى ما يربط البلدين من علاقات ثقافية واجتماعية وتداخل سكاني، ولا سيما في مناطق التماس، ويرى أن التغيير في السودان يمثل فرصة سانحة للبلدين لترتيب العلاقة بين البلدين، ويرى أن من عوامل القوة في العلاقة بين البلدين الانصهار المجتمعي، وكذلك العلاقات الثقافية، ووحدة المصالح الاقتصادية، خاصة تصدير نفط الجنوب عبر السودان، وما يحققه من تبادل للمنافع.

مشاركة :