انتفاضة دولية ضد الميليشيات المسلحة في ليبيا

  • 5/2/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

حصلت المعركة التي يخوضها الجيش الوطني الليبي لتحرير طرابلس على تأييد دولي كبير، ما أحدث تغييرا واضحا في توازنات القوى السياسية، منح العملية زخما لمواصلة طريقها، وفتح أعين جهات عديدة على حجم المخاطر التي تمثلها الكتائب المسلحة النشطة في ليبيا، بعد ظهور معلومات تؤكد أن إيران بدأت تنخرط في الصراع إلى جانب تركيا وقطر، من خلال توريد معدات عسكرية قفزا على حظر تصدير الأسلحة إلى الساحة الليبية، التي تريد لها هذه الدول أن تصبح سوريا أخرى، وتشغل دولا كبرى عن تصفية حساباتها مع بعض القوى الإقليمية. تصر حكومة الوفاق الليبية بقيادة فايز السراج، على غض الطرف عما يجري في العالم من انتفاضة مناهضة للمتطرفين والميليشيات المسلحة، ويحاول رئيسها إعادة العجلة إلى مرحلة كان خطاب المتشددين يحظى فيها بتعاطف بعض القوى الكبرى، عن جهل وخلط بين المسميات، أو رغبة في التوظيف لتحقيق أهداف سياسية. نجح هذا الخطاب بدرجات متفاوتة خلال السنوات الثماني الماضية وقت أن كان تيار الإسلام السياسي جذابا وخادعا وله كلمة عليا في بعض الدول. وتمكنت القوى الراعية للإرهاب تحت ستار منح فرصة للتنظيمات المؤدلجة من تفويت الكثير من الخطط الخبيثة، والحصول على مكاسب في سوريا وليبيا، ما منحه بريقا وقفزا على المسلمات الرافضة لتمدده. انكشفت غالبية الحيل في سوريا ويتم ترتيب الأوراق بعد خيبة أمل كبيرة أصيبت بها الكثير من القوى الراعية للمتشددين والكتائب المسلحة، وبدأ العالم يلتفت لخطورة اللعبة القذرة التي جرها هؤلاء على المنطقة، والتأثير سلبا على مصالح قوى كبرى. فِي الوقت الذي بدأ فيه العالم يعيد تصحيح أخطائه ويفرمل التمادي في الاستفادة السياسية من الورقة الإسلامية، تصر بعض الأجسام الليبية على استكمال دورها، ومنع الالتفات إلى التغيرات التي حدثت في نظرة المجتمع الدولي للعصابات المسلحة والدول التي تدعمها، لأن روافدها باتت تمثل خطرا داهما. اصطفاف دولي مع الجيش الليبيتمكن الجيش الوطني الليبي من إقناع قوى دولية كثيرة بصواب منطقه ورؤيته في مكافحة الإرهاب، وأن عملية تحرير طرابلس الحالية تستهدف التخلص من الجماعات المتطرفة والميليشيات معا، لأن التضخم الذي أصبحا عليه يهدد حياة الليبيين، وسوف يفرز تداعيات تمتد إلى ما وراء البحر المتوسط، خاصة أن التحالف بينهما مكنهما من توفير حواضن جهوية وقبلية في مصراتة، ما يجعل تأخير وأدهما عملية غاية في الصعوبة. نجح المشير خليفة حفتر في نقل تفاصيل المشهد بدقة، والتأكيد على أنه صراع بين القوى الداعمة للأمن والاستقرار، والجهات الراغبة في استمرار الفوضى والهدم، وهو ما وفر له تأييدا إقليميا دحض حجج من روجوا إلى أنه يسعى نحو السلطة والهيمنة على مقاليدها. لم تستوعب حكومة الوفاق والدول المؤيدة لها، ولا حتى البعثة الأممية في ليبيا بقيادة غسان سلامة، عمق التحولات العالمية حول ما يدور في ليبيا، وتصر هذه الأطراف على التعامل مع المستجدات بخطاب قديم تجاوزته التطورات، وتراهن على تفكيك المصفوفة الرافضة للعنف بكل أشكاله، مع أنها تزداد تلاحما يوما بعد يوم على المستوى الدولي، ما يضع العراقيل أمام التوجهات الداعية للحفاظ على مشروع الإسلام السياسي حيا. خرجت الولايات المتحدة عن صمتها الطويل وأعلنت انحيازها للقوات المسلحة الليبية، وبعث الرئيس دونالد ترامب، عبر محادثته مع المشير حفتر الأسبوع الماضي، بإشارات سياسية وعسكرية عدة في هذا الاتجاه. كما أن إيطاليا اليوم، الحليف القوي لحكومة الوفاق، ليست هي القوة التي دفعت ثمنا باهظا لدعم حكومة فايز السراج بالأمس، فهي تخشى أن يؤدي استمرار وضعها في معسكر منبوذ إلى تكبيدها خسائر فادحة، وتحاول مسك العصا من المنتصف للحفاظ على مصالحها الاقتصادية المترامية. يخوض السراج ورفاقه معركة طرابلس بطريقة العدو من أمامكم والبحر من خلفكم، لا يستطيعون الصمود والقتال لمدة طويلة ضد قوات الجيش الليبي العازم على اجتثاث الأطراف التي أدخلت ليبيا خندق العبث، ولن يتمكنوا من الاستسلام حاليا خوفا من بطش التنظيمات المتطرفة، والتي تتمسك بالسراج في الواجهة، لأنه المظلة الرسمية الوحيدة التي تمكنها حاليا من توفير غطاء سياسي يخفف الضغوط الواقعة عليها من الشرق والغرب. تسعى تركيا وقطر للنفخ في حكومة الوفاق، والإيحاء أنها صاحبة اليد الطولى والجهة المعتدى على شرعيتها السياسية، لصرف الأنظار بعيدا عن الإخفاقات المتتالية التي لازمتهما عقب فضح ممارساتهما لضخ الدماء في عروق العنف مؤخرا، والتشويش على التصرفات الإجرامية التي يقوم بها المتطرفون والعصابات المسلحة، وتوجيه أصابع الاتهام ناحية الجيش الوطني. لم يتردد التحالف المؤيد للانفلات في توسيع دائرة الجهات المنخرطة في المعركة، في الداخل والخارج، ومحاولة توفير مصادر الدعم العسكري، أملا في الصمود لفترة قد تؤدي إلى تغيير في المعادلة الدولية، التي تميل بامتياز ناحية الجيش الليبي. فات هذا الفريق أن العالم سئم بضاعة الإسلام السياسي، ولم تعد قواه الحية قادرة على مواصلة القبول بازدواجيتها. وقد ألمح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تحميل تيار الإسلام السياسي الكثير من الجرائم الإرهابية في بلاده. وبعد أن كانت باريس في مقدمة مناصريه، أضحت تعتبره النبع الذي شرب منه متطرفو داعش والقاعدة. كما أن صوت بريطانيا صار منخفضا حيال المتشددين في ليبيا، ولم تعد الأوضاع الداخلية تمكن حكومة لندن رفاهية الدفاع عن جماعات متطرفة سببت لها إزعاجا سياسيا كبيرا. دعم روسي لمعركة طرابلسساهمت إشارات روسيا الداعمة للجيش الليبي وتأييد الحرب ضد الميليشيات في منح المشير خليفة حفتر قوة معنوية ومادية، يمكن أن تسكت الأصوات الغربية المترددة في دعم عملية تنظيف طرابلس من المتطرفين، خوفا من دخول موسكو مباشرة على الخط الليبي، وخشية وضع أصحاب هذه الأصوات في سلة واحدة مع قوى خارجة على القوانين الدولية. أصبحت الأجواء العامة مهيأة لرفض تحالف بعض الأطراف السياسية الليبية مع الكتائب المسلحة، الأمر الذي أضعف موقف حكومة الوفاق، وأفقدها جانبا مهما مما حصلت عليه من اعترافات دولية خلال الفترة الماضية. وبدلا من أن تعلن وقوفها في صف البحث عن الهدوء والتسوية على قواعد وطنية ارتمت في أحضان الميليشيات وانجرفت أكثر ناحية الانحياز نحو أجندة تركيا وقطر، وهما يدافعان عن مشروع سياسي بات منبوذا وأوشك على السقوط. كان حري بحكومة السراج أن تغلّب مصالح ليبيا على مصالح قوى تتهاوى بعد أن فقدت العديد من الأطراف المتحالفة معها. وكان أجدى لها الوقوف في صف الوطن بدلا من الاندماج في صف أعداء الوطن. لم تتمكن الرؤية السياسية البائسة للحكومة من قراءة ما يدور من تطورات دقيقة، بشأن الرغبة العارمة في طَي صفحة القوى المؤدلجة في المنطقة. فات السراج ورفاقه الاستفادة مما جرى في سوريا والعراق من دحر لتنظيم داعش. وتجاهلوا ما يدور في السودان الآن من إصرار على نتف ريش بقايا نظام الرئيس المعزول عمر البشير، كذراع للحركة الإسلامية هناك. من الصعوبة أن تكون ليبيا استثناء لقاعدة تقويض الجماعات المتسترة برداء الدين. ولذلك لن تتوقف معركة الجيش الليبي قبل أن يسقط آخر مشروع تعول عليه تركيا وقطر في المنطقة. والأيام المقبلة ستكون حاسمة عقب تغير موازين القوى وميلها بعيدا عن تصورات حكومة.

مشاركة :