أكد خبراء معهد«جيتستون» الأميركي للأبحاث والدراسات أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صار يعاني من عزلةٍ دوليةٍ متزايدةٍ في الآونة الأخيرة، بعدما تقلص عدد قادة العالم الراغبين في إقامة علاقاتٍ وديةٍ معه ومع نظامه، ولم يعد له أصدقاء سوى أشخاص من قبيل تميم حاكم قطر الذي يعاني بدوره عزلة إقليمية ودولية والرئيس الفنزويلي المحاصر بالمشكلات والأزمات نيكولاس مادورو. وفي مقالٍ نشره الموقع الإلكتروني للمعهد، قال المحلل السياسي التركي المخضرم بورك بكديل إن حكام دول العالم ينفضون شيئاً فشيئاً من حول أردوغان ليصبح «بلا أصدقاء» على الإطلاق تقريباً، على الساحة الدولية. وأضاف إنه كان «من قبيل الصدمة بالنسبة للرئيس التركي أن يستيقظ قبل أسابيع، ليجد شخصاً كان أردوغان نفسه يحتفي به كـ «أخٍ» له - مثل الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وقد أُطيح به من سدة الحكم». وأبرز الكاتب المزاعم التي يروج لها الإعلام التركي من أن الإطاحة بالبشير - بفعل موجة الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي عمت السودان منذ أواخر العام الماضي - تمثل «عملاً موجهاً بشكلٍ مباشرٍ ضد تركيا»، وتخدم المصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. وأشار إلى أن السودان ليست البقعة الوحيدة في المنطقة، التي مُنيت فيها السياسة الخارجية لأردوغان بانتكاسةٍ هائلةٍ مؤخراً، لافتاً الانتباه في هذا الشأن إلى ليبيا، حيث يتخذ النظام التركي - بالتحالف مع قطر - موقفاً عدائياً حيال قائد الجيش الوطني فيها المشير خليفة حفتر، رغم خوض قوات الأخير معارك ضاريةً ضد المتطرفين والمتشددين المتحصنين في طرابلس. وقال الكاتب: إن الإعلام التركي يحاول الالتفاف حول هذه العزلة المتزايدة عبر الترويج لأكاذيب، من قبيل نشر عناوين على شاكلة «قادة العالم يشيدون بأردوغان بعد الفوز في الانتخابات المحلية»، وذلك في تجاهلٍ صارخٍ لأمرين؛ أولاهما أن حزب العدالة والتنمية الحاكم تكبد خسائر جسيمةً في هذا الاقتراع، أما الثانية فتتمثل في أن من هاتف الرئيس التركي للحديث معه بشأن الانتخابات، كانوا حفنةً من الرؤساء لا يمكن وصفهم بـ «قادة العالم». وذكر المقال - الذي حمل عنوان «أردوغان البائس الذي يفتقر للأصدقاء»- بعضاً من هؤلاء الحكام الذين لم يتجاوز عددهم العشرة، مُعتبراً أن آلة الدعاية التابعة للنظام التركي والتي انهمكت في الحديث عن إنجازاتٍ انتخابيةٍ مزعومةٍ، تجاهلت بوضوح التحضيرات الجارية على قدمٍ وساقٍ في الولايات المتحدة، لفرض عقوباتٍ على نظام أردوغان، بسبب إصراره على شراء منظومة «إس 400» الروسية. وقال الكاتب: إن هذه العقوبات قد تشمل طرد الشركات العسكرية التركية من البرنامج الخاص بتصنيع أجزاء من المقاتلات الأميركية المتطورة من طراز «إف 35»، وهو ما قد يكبد أنقرة خسائر اقتصاديةً تُقدر بـ 10 مليارات دولار على الأقل. كما قد يمتد سيف العقوبات الأميركية المنتظرة إلى المسؤولين الأتراك المرتبطين بصفقة السلاح الروسية المثيرة للجدل، بجانب فرض حظر على توريد معداتٍ عسكريةٍ أميركية حساسةٍ إلى تركيا. وأضاف بكديل أن مأزق أردوغان يتفاقم في ظل عدم قدرته على التعويل على علاقاته مع قوى دولية أخرى، مثل روسيا رغم أن الروابط القائمة بين الجانبين تبدو حالياً وكأنها تمر بـ«فترة شهر العسل المصاحبة لأي تحالفٍ جديد». وأكد المحلل السياسي التركي المخضرم أن الانفصال الرسمي بين البلدين يبدو وكأنه «قنبلةٌ موقوتةٌ تمضي عقارب ساعتها بوتيرةٍ بطيئة»، في إشارةٍ إلى أنه سيحدث لا محالة ومهما طال الزمن. ولا تختلف العلاقات القائمة بين الصين ونظام أردوغان، عن تلك التي يقيمها هذا النظام مع روسيا. إذ يقول بكديل إن بكين تمثل شريكاً تجارياً لا أكثر بالنسبة لأنقرة، في ضوء التوترات القائمة بينهما بشأن ملف معاملة السلطات الصينية لأقلية اليوغور المسلمة الذين يمتون بصلةٍ عرقيةٍ للأتراك، ويعيشون في غربي الصين. وضرب المقال مثالاً على الأزمة المكتومة التي تشهدها العلاقات التركية الصينية بسبب هذا الملف، من خلال الإشارة إلى قرار بكين في فبراير الماضي إغلاق قنصليتها في مدينة أزمير ثالث كبريات المدن في تركيا، وذلك بعد أسابيع قليلةٍ من تصريحاتٍ أدلى بها مسؤولون في نظام أردوغان حول قضية اليوغور. ولم يكتف الصينيون بهذه الخطوة، بل لوح سفيرهم لدى أنقرة بعصا رأى المقال إنها «الأكثر إرعاباً» لتركيا بقوله: «إذا اختار (الأتراك) المضي على طريقٍ غير بناء، فسيؤثر ذلك سلباً على الثقة والتفاهم المشتركين بيننا، وسينعكس على العلاقات الاقتصادية والتجارية». وأشار إلى أن من شأن مثل هذا التهديد أن يقض مضاجع أردوغان، في ضوء الركود الذي يعاني منه الاقتصاد التركي بجانب تفاقم معدل البطالة ونسبة التضخم في البلاد، وهو ما يجعل تدهور العلاقات الاقتصادية مع الصين أحد «أسوأ كوابيس» حاكم تركيا. العزلة الإقليمية والدولية التي يعاني منها النظام التركي تمتد كذلك - وفقاً للمحلل السياسي - إلى أوروبا، التي أحيت القوى الكبرى فيها مثل فرنسا قبل أيام ذكرى المذبحة التي اقترفتها الدولة العثمانية بحق الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، وهي الجريمة التي تحاول أنقرة التنصل منها بلا جدوى. وخلص بوراك بكديل في ختام مقاله للقول: إن كل التطورات السابقة، تؤكد أن أردوغان بات «يمضي بسرعة على طريق التحول للرجل الأكثر عزلة في العالم بأسره».
مشاركة :