الخرطوم - انضمّت حشود كبيرة من المحتجّين السودانيين إلى "موكب المليون" الخميس أمام مقرّ الجيش وسط الخرطوم لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة لإدارة مدنية، في حين أمر النائب العام السوداني باستجواب الرئيس المخلوع عمر حسن البشير في قضايا "تبييض أموال وتمويل الإرهاب". وتجمّع المتظاهرون بأعداد فاقت بكثير أعدادهم في الأيام الماضية، وملأوا الشوارع والجسور المؤدّية إلى مقرّ الجيش، وذلك للمطالبة بتسليم السلطة إلى المدنيّين، فيما لا يزال الجمود يُسيطر على المحادثات مع المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في البلاد. واتّفق الطرفان على تشكيل مجلس مختلط بين المدنيين والعسكريين لإدارة البلاد، لكنهما يختلفان على تشكيلة هذا المجلس، إذ يريد العسكريون أن يتألف من عشرة مقاعد، سبعة منها لممثلين للجيش وثلاثة للمدنيين. في المقابل، يريد المحتجّون أن يتألّف المجلس المشترك من 15 مقعداً من غالبية مدنية مع سبعة مقاعد للعسكريين. ويرى "تحالف الحرية والتغيير" الذي يُنظّم الاحتجاجات أنّ الجيش "غير جاد" في تسليم السلطة إلى المدنيّين بعد مرور نحو ثلاثة أسابيع على إطاحة البشير. ودعا التحالف إلى "موكب مليوني" الخميس مع تصاعد التوتر بين الطرفين. وحذّر المجلس العسكري من أنه لن يسمح بـ"الفوضى"، حاضّاً المتظاهرين على إزالة الحواجز المؤقتة التي أقاموها حول موقع الاحتجاج الرئيسي خارج مقرّ قيادة الجيش في الخرطوم. كما طالب المحتجّين بفتح الطرق والجسور التي أغلقوها خارج المقر الرئيسي لأسابيع، حتى بعد عزل البشير. وما زاد من حدّة الخلاف، إعلان المجلس العسكري أنّ ستة جنود قتلوا في اشتباكات مع المتظاهرين في جميع أنحاء البلاد الإثنين. وفي الاعتصام، ردّد المتظاهرون هتاف "سقط ما سقطت. سنبقى"، فيما تصاعدت أغان ثورية من مكبرات صوت عملاقة في المكان. واستمرّت الأجواء الاحتفالية في المكان وتمثّلت في طلاء المشاركين وجوههم بألوان العلم السوداني أو أداء رقصات شعبية. واهتمّ آخرون بتوزيع المياه على المتجمعين خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة في الخرطوم.تزامناً، أمر النائب العام السوداني باستجواب البشير في قضايا "تبييض أموال وتمويل الإرهاب"، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السودانية الرسمية الخميس. وأكّد مصدر في مكتب النائب العام أنّ البشير الموقوف حالياً سيتمّ استجوابه في هذه القضايا. وسلّم قادة الاحتجاجات الخميس اقتراحات إلى المجلس العسكري تتعلّق بالمؤسّسات المدنية الجديدة التي يرغبون في أن تتولى الحكم في البلاد، بما فيها المؤسسات التنفيذية والتشريعية. والأربعاء قال محمد ناجي الأصم القيادي في تحالف الحرية والتغيير إنّ "المجلس العسكري الانتقالي غير جاد في تسليم السلطة الى المدنيين. ويصرّ على أن (يكون) المجلس السيادي (المشترك) عسكرياً مع تمثيل للمدنيين". وأكّد أن "المجلس العسكري يمدد سلطاته يومياً"، مضيفاً أنّ على المجتمع الدولي دعم خيارات الشعب السوداني.وفي مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، حذّر زعيم حزب الأمة السوداني المعارض الصادق المهدي الأربعاء قادة الاحتجاجات من استفزاز أعضاء المجلس العسكري الانتقالي الحاكم، قائلاً إنهم سيسلّمون السلطة قريباً إلى إدارة مدنية كما يطالب المتظاهرون. وصرح المهدي "يجب ألا نستفز المجلس العسكري بمحاولة حرمانه من شرعيته، أو حرمانه من دوره الإيجابي في الثورة". وأضاف السياسي المخضرم "يجب ألا نتحدّاهم بطريقة تجبرهم على إثبات نفسهم بطريقة مختلفة". بدوره، أكّد نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي أنّ المجلس "ملتزم بالمفاوضات لكنه (لن يسمح) بالفوضى". وقال المتحدث باسم المجلس العسكري الفريق شمس الدين الكباشي إنّ "القوات المسلحة يجب أن تبقى في المجلس السيادي" بسبب التوترات التي تضرب البلاد. واعتبر الإعلان المتعلّق بتشكيل مجلس مدني عسكري مشترك السبت انفراجاً يهدف إلى تمهيد الطريق لإجراء مفاوضات مفصّلة حول خريطة طريق لتأليف حكومة مدنية. إلا أن الربيع قال الخميس إنه لم يتم تحديد موعد لإجراء مزيد من المحادثات مع المجلس العسكري لتسوية الخلافات بين الجانبين. وفي وقت لاحق الخميس، أكّد قادة الاحتجاجات في السودان أنّ الإدارة المدنية التي يرغبون في تشكيلها يجب أن تشتمل على ممثلين للجماعات المسلحة التي أمضت سنوات في القتال ضد الخرطوم خلال حكم البشير.وقال خالد عمر يوسف، أحد قادة "الحرية والتغيير" المنظّمة للاحتجاجات السودانية، "لن نشكّل مؤسسات الفترة الانتقالية (المدنية) بدون أن تكون الحركات المسلحة جزءا منها"، من دون أن يسمّي حركات محددة. وكان المتمردون حملوا السلاح في اقليم دارفور في 2003، ما دفع النظام إلى اطلاق ميليشيات قبلية في نزاع قالت الامم المتحدة إنه أدى إلى مقتل 300 الف شخص في موازاة اتهام البشير بارتكاب إبادة. كما خلفت نزاعات أخرى في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان آلاف القتلى. واتخذت الاحتجاجات في السودان منحى مختلفاً عندما بدأ آلاف المتظاهرين في السادس من نيسان/ابريل تجمّعاً أمام مقرّ قيادة الجيش في العاصمة، مطالبين القوات المسلحة بمساعدتهم في إسقاط البشير. وبعد خمسة أيام، استولى الجيش على السلطة عبر مجلس عسكري انتقالي وعزل البشير، بعد أشهر من الاحتجاجات التي بدأت على خلفية زيادة أسعار الخبز. ومذاك، يرفض المجلس الدعوات إلى التخلي عن السلطة، ما دفع المتظاهرين إلى اتهام أعضائه بأنهم لا يختلفون عن البشير. وأيدت حكومات غربية مطالب المتظاهرين، لكن دولاً عربية خليجية قدمت الدعم للمجلس العسكري، بينما دعت دول إفريقية إلى منح المجلس العسكري مزيداً من الوقت قبل تسليم السلطة إلى المدنيين.
مشاركة :