ذات مرة شكى أحد التلاميذ - إنك تروي لنا قصصاً، لكنك لا تكشف أبداً عن معناها. قال المعلم: - ما قولك لو قدم لك أحدهم ثمرة ومضغها قبل أن يعطيكها؟ يعنْون أنوطوني دومللو في كتابه (أغنية الطيور) هذه الحكاية بـ (كل ثمرتك أنت). ويعلق قائلاً: ليس بوسع أحد أن يجد عنك معناك. ولا حتى المعلم. الصورة البصرية التي تكشفها الحكاية التي أوردتُها أعلاه مُقْرفة، ومما يدعو إلى الأسف أن المعلمين الآن يمضغون الثمرة قبل أن يعطوها الطفل؛ أي أن الطفل لا يفعل سوى أن يتلقى معنى المعلم. إناءٌ لا أكثر. لا تتاح له الفرصة على أن يتدرب على الكيفية التي ينتج بها معناه. المعنى الواحد سلطة، وله تأثيره في المستقبل، وإني لأذهب إلى أن العنف والإرهاب لهما صراع على من يمتلك المعنى، ولو أن هؤلاء المتصارعين تدربوا في المدرسة على أن ينتج كل واحد معناه لما حدث الصراع؛ ذلك أنهم سيتعلمون ما إذا كانوا مختلفين، فسيكونون معنى على نحو مختلف. لكي يبني الإنسان المعنى يحتاج إلى أن يدرَّب على ذلك، وأفضل مكان يتدرب فيه هو المدرسة. غير أن المدرسة كما هي الآن تهمل المعنى الذي يكونه الطفل. وأكثر من ذلك لا تعترف به، هذا إن لم تحتقره أو تستهزئ به، ذلك أنها تنظر إلى الطفل على أنه يستقبل فقط ولا ينتج. هناك فرص تدريب في حصص العلوم الإنسانية، وقد ناقشت مع المعلمين عبر سنوات عملي في الإشراف التربوي كيف يمكن أن تكون حصص النصوص الأدبية تدريباً للأطفال على أن ينتجوا معناهم. لماذا أتحمس للتعدد في تكوين المعنى؟ لأن طرق تفكير الناس مختلفة، ولأن المعنى ليس شيئاً أن يمنحه أحد لأحد كأن يمنحه المعلم للطفل. وأكثر من هذا لأن تكوين المعنى ما لا ينجم عن مجرد تلقيه من آخرين، والأهم لأن المعنى ليس ثابتاً ولا نهائياً، وأخيراً لأن المعرفة عملية تغيير مستمرة، فما يعترف به الناس اليوم على أنه حقيقة، يعتبر مؤقتاً، وبالتالي تكون معرفتهم معرضة للتغير في ضوء ما يستجد من أفكار وخبرات ومعلومات. في القراءة - على سبيل المثال لا الحصر - وعندما يتم الاعتراف في المدرسة بأحقية الطفل في أن يكون معنى النص الذي يقرؤه، تصبح القراءة شيئاً أكبر من مجرد علاقة بين إنسان ونص، وتتحول من حيث هي تكوين للمعنى المختلف والمتعدد من قبل قراء مختلفين ومتعددين فضائل يومية، وطرقاً يعتادون عليها، ليس فقط في القراءة بل في الحياة. يعني تدريب الأطفال على أن يكوّنوا المعنى تعددية تفتح طرقاً للرؤية والشعور والتفكير، وتكمن قيمة التعددية في تكامل وجهات النظر المختلفة، ودعم بعضها بعضاً. كل إنسان يكون معنى من المعاني، جانباً من الجوانب، خبرة لها الحق في أن تتبلور، وأن تضيف معنى من المعاني المحتملة. وبهذا التعدد في تكوين المعنى يتدرب الأطفال على الحياة، وكيف أن كل واحد منهم يكون وجهاً من وجوه الحقيقة، وجانباً من جوانب الواقع، كل منهم يضيف لوناً آخر لطيف الحياة، وكما قال (يونج) تتطلب الحقيقة، إن كانت موجودة أصلًا، كونشرتو من الأصوات المتعددة.
مشاركة :