قال الباحث الأثري أحمد عامر: إن الحضارة الفرعونية تميزت بارتباطها بالحياة الدينية، وإيمانها الراسخ بعقيدة البعث والخلود والثواب والعقاب، فنجد أن الاحتفالات والمناسبات الدينية في مصر القديمة، وسيلة لإقامة الصلة بعالم الأرواح، وقد اعتقد المصريون القدماء أن هناك أياما معينة في السنة تقترب فيها العوالم "الأرض – السماء – الدوات" وتذوب الحواجز بينها بحيث يمكن لأرواح الأجداد الذين رحلوا عن عالمنا، وكذلك "النترو" والتي تعني "القدرات الإلهية" وذلك باعتبارهم الجد الأعلى للبشر ولكل المخلوقات أن تنتقل بسهولة بين أبعاد الكون وتأتى لزيارة عالمنا، ويعتبر كتاب "العبور إلى الأبدية" أحد أهم المصادر التي سجل فيها المصريون القدماء قوائم بتلك المناسبات الهامة، وأهم ما يلفت الانتباه هو أن كل مناسبة يجب أن يجتمع فيها عنصر الزمان وعنصر المكان، فكل عيد يرتبط بوقت معين كما يرتبط بإحدى المدن المصرية الرئيسية و"بالنتر" الذى يسكنها. وأضاف "عامر"، في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز"، اليوم الجمعة، أنه ظهر كتاب "العبور الى الأبدية" فى العصر المتأخر الأسرتين الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين وهو واحد من كتب العالم الآخر المصرية، وقد جاء فى كتاب "عبور الأبدية" أحد النصوص الطقسية الموجهة لأحد الأرواح متمنيا لها أن تشارك فى الأعياد الدينية للمدن المختلفة حيث يقول النص "أدعو لك أن تشارك فى 39 عيدا من أعياد طيبة، و39 عيدا من أعياد أبيدوس، و78 عيدا من أعياد منف "ضعف عدد أعياد المدن السابقة"، كما ذكر النص أيضا مجموعة أخرى من الأعياد المصرية الهامة، وفى الحقيقة أن هذا الكتاب ليس دليلا للأرواح فى العالم الآخر، كما يعتقد البعض وإنما هو دليل للأحياء، أى دليل للأوقات والأماكن المقدسة التي يمكن أن تصبح جسرا بين الأرض والسماء، فلم يعد المصرى فى العصر المتأخر يعتقد أن الحضور الإلهى يقتصر فقط على العالم الآخر، وإنما هو يمتد ليشمل مواضع مقدسة على الأرض، وهذه المواضع هي المدن التى تنتمي لعالم الأحياء، وقد بدأ الإقبال على زيارة مقابر الأجداد الراحلين يزداد بشكل كبير فى العصر الصاوى الأسرة السادسة والعشرين وعن طريق المقابر كان المصريون يتصلون بأرواح الأجداد التي تأتي لزيارة الجبانة فى المناسبات الدينية وكان لكل مدينة من مدن مصر أيضا احتفال ديني يقام "للنتر" الذي يسكن تلك المدينة "أوزير فى أبيدوس"، "حورس في إدفو"، "بتاح فى منف"، "نيت فى سايس"، الخ. وتابع أنه كانت تلك الاحتفالات الإقليمية هي أنسب الأوقات لزيارة مقابر الأجداد الراحلين، حيث يجتمع الأحياء والأموات من البشر وكذلك "النترو" في مكان وزمان واحد تذوب فيه الحدود بين العوالم المختلفة، وفى تلك الزيارات للمقابر كانت القرابين تلعب دورا هاما في إقامة الصلة بـ أرواح الأجداد الراحلين وأيضا ب "النترو"، وهكذا نجح المصري القديم في استحضار عالم الروح على الأرض، بذلك جعل مصر أرضا مقدسة، بل أقدس مكان على الأرض، لدرجة أن المصري القديم كان يعتقد أن البعث والخلود يرتبط فقط بأرض مصر، لذلك كان يحرص على أن يموت ويدفن في أرضها، ولذلك أيضا قيل عن مصر أنها "معبد الكون".
مشاركة :