الأزمة السورية شارفت على الانتهاء بعد أن استعاد الجيش السوري زمام الأمور في كثير من الأراضي السورية وعودة العمل في بعض السفارات العربية، وهناك توجه لإعادة سوريا إلى عضوية جامعة الدول العربية. استقرار سوريا وإنهاء موجة الدمار وحمام الدم في وطننا العربي أمر محمود ويُسعد الجميع، وهذا ليس معناه أننا لم نحزن على أولئك الذين ظُلموا وقُتلوا وعُذبوا وشُردوا من ديارهم وهُدمت مساكنهم ومدنهم ويُتم أطفالهم ورُملت نساؤهم، ولكن حجم الدمار الذي لحق بسوريا وشعبها على اختلاف ملله وتياراته وتوجهاته أمر مؤسف ولا بد من وقف هذه العبثية والفوضى الخلاقة وحفظ ما تبقى من أرواح السوريين وهو الأهم، في نفس الوقت لا بد من وأد الفتن التي عصفت بوطننا العربي ولا بد من تحجيم المد الإرهابي الذي عاث في أوطاننا قتلاً ودمارًا وتسبب في تغلغل أعداء الأمة في الجسد العربي، وعودة الاستقرار إلى سوريا أصبح واقعا مفروضا ولم يعد خيارا متاحًا بالتوازي مع إصلاح أو تغيير سياسي. خمسة أعوام عجاف مرت على اليمن منذ انقلاب مليشيات الحوثي على السلطة، وحتى يومنا هذا مازالت مسيطرة على «صنعاء» وبعض المدن ومازالت متمسكة بموقفها الانقلابي بكل قوة على الرغم من أن قوات الشرعية تفوقها عدة وعتادًا، وأصبح موقفها قويا ليس بعدالة قضيتها ولا بتعداد أفرادها ولا بإمكاناتها العسكرية وإنما بخبث الداعمين الإقليميين لها مثل إيران وحزب الله ودوليًّا كروسيا والأمم المتحدة التي تقف في صفهم بشكل لم يعد خافيا للعيان، بالإضافة إلى بريطانيا وألمانيا وفرنسا وأمريكا الرافضين لفكرة تقدم القوات الشرعية وتحرير المناطق التي تُسيطر عليها هذه الجماعة، وهذا ما منع الشرعية من استعادة مدينة الحديدة لتبقى منفذا بحريا يستقي منه الحوثيون الامداد والتموين واطالة امد الحرب على الرغم من إمكانية تحريرها بل وتحرير اليمن بأسره من عبثية هذه المليشيات. لا يقتصر خطر وضرر الجماعات الحوثية على المجتمع اليمني فقط بل أضحت مصدرا للإرهاب وتستهدف الآمنين في قبلة المسلمين «مكة» وتلهب الحدود الجنوبية السعودية وعبثيتها تهديد للأمن القومي الخليجي، وخطرها على الأمن الملاحي في المنطقة، وما هي إلا أداة لتنفذ اجندات ومخططات إيرانية ونحن نعلم طبيعة العداء الإيراني للخليج تحديدًا والعرب اجمالاً ووجود هذا المكون في هذه المنطقة يزيد من فوضوية التدخلات العدائية وتهديد الأمن اليمني والخليجي والعربي. ما يخشى في المرحلة المقبلة أن يتم التنازل لهذه المليشيات بما تمليه الدول الغربية المتآمرة والاعتراف بهذه الجماعة ومنحها دور تشاركي في تقاسم السلطة مع الشرعية في اليمن، والحذر من السياسة البريطانية تحديدًا والتي طالما كانت سببا لكثير من النكبات التي يعيشها العرب والشواهد كثيرة ابتداء من منح اليهود موطنا في فلسطين ثم تسليم الأحواز لإيران وتغيير هويتها العربية ثم غزو العراق وتسليمه على طبق من ذهب لإيران، ناهيك عن الاستعمار لكثير من الأقطار العربية وتقسيمها في معاهدة سايكس بيكو المشؤومة. نحن نقول كما اتخذ التحالف العربي القرار لمساندة الشرعية في اليمن بكل حزم وصرامة غير آبه للمجتمع الدولي لا بد أن تستكمل هذه الخطوة المباركة بحسم المعركة عسكريًا في اليمن من دون الالتفاف للضغوط الدولية التي تدعم جماعة الحوثي وتسعى للاعتراف بها كشريك في إدارة الدولة في الفترة القادمة، فالتأخر في حسم المعركة يصب في صالح الانقلابيين وهي عملية كسب مزيد من الوقت من أجل تحقيق غايتهم بتقاسم السلطة مع الشرعية ويصبح وجودهم فرضًا على المجتمع اليمني من منطلق حل الازمة وإنهاء الاقتتال «وكفى الله المؤمنين القتال»، والقبول بالأمر الواقع، وهو ما يصبو إليه الحوثيون للخروج بأكبر مكسب من هذه الحرب، وطبعًا حصولهم على نصف «الكعكة» يؤهلهم لالتهام اليمن كاملاً فيما بعد كما يحدث في لبنان من قبل حزب الله، حيث إنهم على الرغم من قلة عددهم وحداثة عملهم السياسي وضعف مستواهم الفكري إلا أنهم يعملون تحت قيادة موحدة باستراتيجية ورؤية واحدة وهذا ما جعلهم يقاتلون قوات الشرعية والتحالف حتى الآن. نزع الصفة المليشاوية عن جماعة الحوثي والاعتراف بها كتيار سياسي هي خسارة ضمنية للشرعية وقوى التحالف العربي، فلا بد أن ترضخ وتعود كمكون شعبي من دون أي مخالب يمكن استغلالها لزعزعة أمن اليمن والمنطقة مستقبلاً لكون ولائهم الأول والأخير ليس لبلدهم اليمن وإنما يرتهنون للقرار الإيراني، فهم مكون غير وطني وغير مأمون الجانب، ونؤكد على ضرورة «الحسم العسكري» كما فُعل في سوريا حيث لم يرتهن النظام السوري لأي تسوية سياسية وفضل انهاء الازمة بالقوة العسكرية وهذا ما دعمته من أجله روسيا وإيران ضاربين برغبات المجتمع الدولي وقراراته عرض الحائط، وكذلك الحوثيون يؤمنون بأن ما يصبون اليه ويحلمون به لا يمكن الحصول عليه إلا بالقوة وهذا يجعلهم يبسطون سيطرتهم على مقدرات الدولة بالقوة «وما سلب بالقوة لا يسترد إلا بالقوة». وفي الأيام القادمة إذا لم يتم حسم المعركة بإعادة هذه المليشيات إلى حجمها قد نشهد أمورا سلبية لا نرغب في رؤيتها.
مشاركة :