في رحلة قصيرة لإحدى الدول العربية تجولت في إحدى الحواري الشعبية في منطقة لها تاريخها الحضاري العريق، وللأسف كانت أزقتها ممتلئة بالقمامة وحولها الكثير من الباعة الجائلين والمحتاجين الذين أغلبهم من الشباب والأطفال الصغار! هذا يبيعني وردا وآخر يستنجد لأعطيه ثمن وصفة الدواء وأم تحتضن رضيعا لتستأثر بمشاعر الناس وتحصل منهم على المقسوم. كم هي تلك الحياة قاسية وصعبة! وكم هم أجيال الغد مظلومون! أحياناً، ألوم الآباء الذين أنجبوا هؤلاء الأطفال ورموهم بالشارع بلا شفقة ولا ضمير، ولكن عندما تعمقت في التفكير وجدت أن هؤلاء الآباء هم أيضاً متعثرون في هذه الحياة وجدوا أنفسهم فيها من دون إرادتهم ومشوا في نفس نهج آبائهم، وبعضهم لا يعرفون حتى من هم آباؤهم ووجدوا أنفسهم هائمين على وجوههم في متاهات الحياة، يعيشون في كنف دول ولكنهم مبهمون لا بصمة لهم ولا حضور، هم مجرد ظلال عابرة بلا ذكرى ولا أثر. طاقات بشرية تهدر بسبب صراع المصالح المشتعل في بعض الأقاليم، والضحية هي الشعوب الغافلة والمقموعة. علما بأن الدول التي لا تسود بها العدالة لا هيبة لقوانينها ولا احترام. في الماضي، كانت الشعوب محصورة في مساحات محدودة، وما يشيع من أخبار هو في الأغلب ذو اتجاه أحادي يفرض وجهة نظر واحدة لا نقيض لها. أما اليوم، فنحن نسمع الرأي والرأي الآخر لنكتشف الحقائق المستترة، فكل خصم يتفنن في كشف فضائح خصمه وتشويه سمعته وما بين سطور كل ذلك تكمن الحقائق التي كانت مبهمة ومستترة عندما كانت العلاقات ودية ومستقرة بين ذات الخصوم. أصبحنا اليوم نعلم ما يحدث في القطب الشمالي وما يحدث خارج غلافنا الجوي بلمسة زر، وأن ما يحدث من حولنا من ظلم واضطهاد للإنسانية وحروب ودمار في أغلبية أرجاء الكرة الأرضية لا يبشر بمستقبل واعد لأجيالنا وهذا ما نخشاه ونخافه. لا أعلم إن كانت الحكومات المستبدة تدرك مدى خطورة قمع الحقوق الإنسانية على مستقبل مجتمعاتها ودولها.. وطامة كبرى إن كانت تجهل أن سوء إدارتها هو من أنهك الشعوب بالحروب والوباء والبطالة وتسبب بغلاء المعيشة والجهل وخلق أناساً بلا هوية أُغلقت في وجوههم كل أبواب الحياة! هل هي متعمدة تلك الحكومات على اختلاق الأزمات وإثقال كاهل الناس كي لا يرفعوا رؤوسهم ويفهموا ما يدور حولهم؟ أم أن هناك ضغوطاً خارجية ومساومات تنفيعية أخرى كما هو متداول في بعض وسائل الإعلام؟ المضي في نهج الاستبداد خلق أجيالاً مريضة بالانتقام والكره والخنوع، خلق إنساناً بلا إنسانية وبلا حقوق إما أن يطيع أو يضيع، وهذا النهج المستبد لم يعد يتواءم مع عصر العولمة والانفتاح الذي أصبحت فيه توعية وتمكين الإنسان أمراً أساسياً ومهماً لتحقيق التقدم والتطور والازدهار. إيمان جوهر حياتemanjhayat750@gmail.com @the0truth
مشاركة :