دعا صندوق النقد الدولي الثلاثاء الحكومة الأردنية إلى الإسراع في تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية بشكل عاجل من أجل إعادة التوازن إلى المؤشرات السلبية المقلقة. وقال نائب المدير العام للصندوق تاو تشانغ إن “الأردن يواجه بيئة مليئة بالتحديات وأبرزها انخفاض النمو وارتفاع معدل البطالة وارتفاع الدين العام”. وأوضح أن هذا يؤكد أهمية التنفيذ السريع للسياسات والإصلاحات لتخفيض الدين العام ووضعه في مسار التراجع وتعزيز بيئة الاستثمار وزيادة الإنتاجية وتعزيز النمو الشامل. وأكثر الأمور التي ركز عليها الصندوق في مراجعته هي دعوته الحكومة الأردنية إلى تنفيذ صارم لقانون ضريبة الدخل الجديد، الذي أقرته المملكة نهاية 2018، ورافق قراءته جدلا حادا في الشارع الأردني. ودعا تشانغ الأردن إلى مواصلة الطريق لضبط المالية العامة، مع مراعاة متطلبات الحماية الاجتماعية. واعتبر التعديلات الأخيرة لقانون ضريبة الدخل مشجعة وستلعب دورا في تأمين إطار أكثر عدالة للاستقرار المالي في البلاد.وقال إن “هذه الإصلاحات مهمة للمحافظة على الاستقرار الاقتصادي الكلي والقطاع الخارجي، ووضع المالية العامة على أسس سليمة وتقليل المخاطر المرتبطة بالدين العام”. وتأتي التوصيات بعد موافقة مجلس إدارة الصندوق على منح شريحة ثانية للأردن بقيمة 166.4 مليون دولار من إجمالي اتفاق قرض بقيمة 723 مليون دولار أبرم في 2016 ويمتد على ثلاث سنوات. وبموجب الشريحة الأخيرة يبلغ مجموع الدفعات التي حصلت عليها الحكومة الأردنية ضمن هذا البرنامج 309 ملايين دولار. وتمر البلاد بأوضاع اقتصادية صعبة مع إقرار موازنة هذا العام والتي يقدر العجز فيها بنحو 2.8 بالمئة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وضرب عدم الاستقرار في المنطقة خلال السنوات الماضية اقتصاد بلد يفتقر إلى الموارد وقد استضاف أكثر من مليون لاجئ منذ بداية الأزمة السورية. وقال الصندوق في بيان عقب ختامه المراجعة الثانية لبرنامج صندوق إقراض مشترك مع الأردن، إن “التعديلات الأخيرة على قانون ضريبة الدخل مشجعة، وستساعد الأردن على تأمين إطار مالي أكثر عدلاً واستدامة”. وفي ديسمبر الماضي، صادق الأردن بشكل نهائي على قانون ضريبة الدخل المعدل بعد إقراره من البرلمان بغرفتيه ليكون ساري المفعول بعد مصادقة الملك عبدالله الثاني عليه وصدروه في الجريدة الرسمية. وأثار مشروع القانون قبل التعديل، في مايو الماضي، موجة احتجاجات في البلاد استمرت 8 أيام متتالية على مقربة من مقر الحكومة في العاصمة، دفعت رئيس الحكومة السابق هاني الملقي، لتقديم استقالته، وتكليف عمر الرزاز، خلفاً له. وذكر الصندوق، أنه ينبغي أن يكون إصلاح ضريبة الدخل الأخير، مصحوبا بجهود لزيادة عائدات الضرائب، للمساعدة في تمويل احتياجات الإنفاق للبرامج الصحية والتعليمية والاجتماعية. كما دعا إلى دعم أكبر للمانحين، لمساعدة الأردن على التغلب على أزمة اللاجئين السوريين. ويعاني الأردن من انعدام الاستقرار على حدوده طيلة سنوات لأسباب منها الحرب في العراق وسوريا والوضع في الضفة الغربية المحتلة. ويهدف البرنامج المتفق عليه مع الصندوق لتعزيز التوحيد المالي لخفض الدين العام تدريجيا وتنفيذ إصلاحات هيكلية تدفع نحو نمو أكثر شمولا. وتهدف خطة التعزيز المالي للحكومة الأردنية إلى خفض الدين العام إلى نحو 77 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2021 من 95 بالمئة حاليا. وتظهر الإحصاءات على الموقع الإلكتروني لوزارة المالية أن صافي الدين الداخلي للبلاد بنهاية العام الماضي، بلغ نحو 22 مليار دولار، في حين وصل الدين الخارجي إلى 18 مليار دولار. ووفق بيان الصندوق، فإن “موقف السياسة النقدية في الأردن مناسب، ويجب على السلطات أن تظل مستعدة لتعديل أسعار الفائدة حسب الحاجة لمواصلة الحفاظ على الاحتياطي الكافي”. وأشاد الصندوق بدور السلطات الأردنية في المحافظة على استقرار الاقتصاد الكلي وتماسك السياسة النقدية وضمان وجود نظام مالي سليم. لكنه يرى في المقابل، أن إعطاء الأولوية لتدابير تخفيض تكاليف الأعمال وزيادة فرص العمل وتحسين ظروف سوق العمل وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي أمر ضروري من أجل تحقيق النمو الشامل. ويبلغ معدل البطالة بين الأردنيين وفقا لدائرة الإحصاءات العامة حوالي 18.4 بالمئة. وفي ما يتعلق بخفض الإنفاق قال نائب المدير العام للصندوق إن “الصندوق يرحب بخارطة طريق الحكومة الهادفة لإعادة هيكلة الشركات العاملة في مجال الطاقة لتخفيض تعرفة الكهرباء”.وقذفت حزمة الدعم الخليجي المقدرة بنحو 2.5 مليار دولار بالكرة في ملعب الحكومة لإيجاد سبل لمعالجة أزماتها المزمنة، التي لم تعد قابلة للتأجيل، بينما تبدو المهمة عسيرة وسط تذمر شعبي يمكن أن ينفجر مع أي إجراءات تقشفية جديدة. وسعت الحكومة الأردنية قبل مؤتمر لندن للمانحين إلى طمأنة الأوساط الشعبية حول نجاح سياسات الإصلاح الاقتصادي التي تنفذها، رغم الإقرار بصعوبة الأوضاع في ظل تباطؤ معدلات النمو في السنوات الأخيرة. وقال رئيس الوزراء عمر الرزاز في مقابلة مع وكالة رويترز في فبراير الماضي إن اقتصاد بلاده “بدأ يتحسن بعد أقل من عام على الشروع في تنفيذ إصلاحات مالية صعبة مطلوبة لخفض الدين وحاسمة لتحفيز النمو الذي تضرر جراء بالصراعات في المنطقة”. ويعد الأردن من أكثر البلدان في المنطقة الذي يعتمد على الإعانات الدولية لتسيير شؤون الدولة وكان آخرها حصوله على دعم بقيمة 2.6 مليار دولار في مؤتمر المانحين الذي عقد في لندن نهاية فبراير الماضي. وأكد تشانغ أن مبادرة لندن جاءت في توقيت مهم، حيث أظهرت تصميم المجتمع الدولي المتواصل على مساعدة الأردن. وقال إن “مواصلة دعم المانحين يعتبر مفتاحا لمساعدة الأردن في مواجهة أزمة اللاجئين ولدعم جهود الحكومة في الإصلاحات”. وكان البنك الدولي قد أكد في وقت سابق الاستمرار بدعم الأردن وتغطية احتياجاته التمويلية في ظل الظروف الاقتصادية التي يمر بها، ومساعدته على تجاوز التحديات من خلال تنفيذ الإصلاحات. وكثّف الأردن من محاولاته في الآونة الأخيرة للخروج من أزماته المتراكمة بتعزيز إمدادات النفط من العراق والغاز من مصر لتعزز فرص النهوض باقتصاده المتعثر. وتعتبر الطاقة من أكبر هواجس الحكومة الأردنية بسبب كلفة الاستيراد المرتفعة وأثرها على عجز الميزان التجاري وارتفاع أسعار السلع. وتأتي تلك التحركات بعد أن وجهت عمّان أنظارها للسعودية وسوريا كذلك، في محاولة لتعزيز العلاقات الاقتصادية عبر عقد شراكات موسعة بعيدا عن المنح والمساعدات. ولم تتراجع حدة التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني منذ مطلع العام الماضي حتى اليوم، الأمر الذي دفع الحكومة السابقة، إلى إقرار ضرائب جديدة، وزيادة أخرى ورفع الدعم عن سلع رئيسة كالخبز.
مشاركة :