النقد الدولي يضع اقتصاد تونس العليل تحت مجهر الإصلاح |

  • 1/17/2022
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

استبق صندوق النقد الدولي الجولة المرتقبة من المفاوضات مع تونس، لفتح خط ائتمان لها يساعدها على مواجهة أزماتها المالية والاقتصادية، بحثّها على القيام بإصلاحات هيكلية حقيقية، في خطوة اعتبرها خبراء محاولة ضغط لتقديم ما يؤكد أنها جادة في مساعيها، والتي ستكون الرواتب في الوظيفة العمومية نقطة انطلاق جوهرية لمعالجة الاختلالات المالية. طالب صندوق النقد الدولي تونس بالإسراع في تنفيذ إصلاحات فورية لمعالجة التشوهات المالية، وخاصة عبر الضغط على بند الرواتب الذي يعطي حجة للسلطات لتقليص عدد الموظفين والحد من ارتفاع معدلات البطالة وإصلاح نظام الدعم وخفض الدين العام، للحصول على قرض بقيمة أربعة مليارات دولار. ولطالما شدد الصندوق على أن تونس بحاجة إلى ضبط مالي قوي يبدأ بمعالجة تخمة الوظائف في القطاع العام باعتباره أحد المفاتيح المهمة لتعديل الاختلالات المزمنة، التي فشلت كل الحكومات السابقة في إصلاحها. ويلقي الكثير من المتابعين للشأن التونسي باللوم على حكومة الترويكا التي قادتها حركة النهضة في 2012، إذ أغرقت البلد في حالة من الفوضى الاقتصادية، وخاصة الوظيفة العمومية، والتي كانت تلتهم فقط ثلث الموازنة السنوية. جيروم فاشيه: نريد معرفة نوايا تونس فثمة حاجة إلى إصلاح بنيوي عميق جدا وأدت التراكمات إلى دخول تونس في نفق من الأزمات المالية المتتالية، كون بند الرواتب أثر كثيرا على الموازنة، إلى جانب بند الطاقة الذي كان أحد الأخبار الجيدة مؤخرا، بعد أن استطاعت السلطات السيطرة عليه قياسا بالسنوات الماضية. وأكد جيروم فاشيه، ممثل الصندوق في تونس، أن على هذا البلد الساعي للحصول على مصادر تمويل دولية، القيام “بإصلاحات عميقة جدا”، ولاسيما خفض حجم قطاع الوظيفة العامة الذي يبلغ “أحد أعلى المستويات في العالم”. وتسعى تونس للحصول على قرض بعد محاولتين سابقتين منذ 2011 لم يكن لهما أي تأثير يذكر، وهي في مفاوضات قال محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي الشهر الماضي إنها في مراحل متقدمة. وتوقع أن يتم الاتفاق مع نهاية الربع الأول من هذا العام. ومن شأن ذلك أن يفتح الباب أمام السلطات التونسية لتنفيذ خطة شاملة تشمل كل مناحي الاقتصاد، لإعادة محركات النمو إلى الدوران وإحداث قطيعة مع سياسات تسع حكومة لم تتمكن من إحداث ثقب في جدار الأزمة. وأشار فاشيه، مع انتهاء سنوات ولايته الثلاث، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن تونس عرفت بسبب جائحة كوفيد – 19 “أكبر ركود اقتصادي منذ استقلالها” في العام 1956. لكنه شدد على أن “مشكلات البلاد كانت سابقة للجائحة، ولاسيما العجز في الموازنة السنوية والدين العام اللذين تفاقما”. وتشير الأرقام إلى أن الدين العام بلغ حوالي 100 في المئة من إجمالي الناتج المحلي نهاية العام 2021. وبعد انهيار الناتج المحلي الإجمالي بنحو 9 في المئة في 2020 عاد النمو ليسجل أكثر من 3 في المئة بقليل في 2021، ومن المتوقع أن تكون النسبة نفسها خلال 2022. ورأى فاشيه أن النمو “يبقى ضعيفا وغير كاف بشكل كبير” لاستيعاب معدل البطالة الذي يتجاوز 18 في المئة، و”المرتفع أيضا في صفوف أصحاب الشهادات الشباب”. ومع ذلك أشار إلى أن “اليد العاملة المؤهلة والرصيد البشري مرتفع الكفاءة والموقع الجغرافي المناسب” عوامل تشكل أوراقا رابحة للبلاد. أهم الإصلاحات العاجلة ● الضغط على بند الرواتب مع وجود 650 ألف موظف وهو من بين الأكبر عالميا ● الحد من ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب والبالغة حاليا نحو 18 في المئة ● الإسراع في إعادة هيكلة شركات القطاع العام الرئيسية لتحسين الخدمات ● مواءمة إصلاح نظام دعم الوقود والسلع الأساسية مع آليات تعويض للفقراء ومنذ تشكيلها في أكتوبر الماضي، بعد أكثر من شهرين على قرار الرئيس قيس سعيّد تجميد عمل البرلمان وإقالة الحكومة السابقة في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، طلبت حكومة نجلاء بودن من صندوق النقد برنامج مساعدة جديدا. لكن فاشيه أكد أن المباحثات لا تزال في مرحلة تمهيدية، إذ إن الصندوق يريد أولا “معرفة نوايا السلطات على صعيد الإصلاحات الاقتصادية، لأن ثمة حاجة إلى إصلاحات بنيوية عميقة جدا”. وقال إن ثمة حاجة “إلى برنامج متين وموثوق على المدى المتوسط، وأن يُعرض على الشعب حتى لو تطلب تفسير كل الصعوبات”. وأضاف “بما أن ثمة جهدا فنيا يبذل” من قبل الحكومة وأن “ثمة إدراكا للتحديات الرئيسية والمشاكل الرئيسية، فهذا الأمر يشكل قاعدة جيدة لتحضير برنامج إصلاحات والالتزام به”. وعدّد فاشيه قضايا ملحة، ومنها “الثقل الكبير” لموظفي القطاع العام، إذ إن رواتب الموظفين البالغ عددهم 650 ألفا تستحوذ على أكثر من نصف نفقات الدولة السنوية، “من دون احتساب السلطات المحلية والشركات العامة”، وهو ما يشكل 16 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي. وقال إن هذا “الوضع الخاص” في تونس “حيث كتلة الرواتب في الوظيفة العمومية هي من الأكبر في العالم”، حتى بالمقارنة مع الوضع في مصر والمغرب ولبنان والأردن، يمنع البلد من زيادة “النفقات المستقبلية واستثماراته ونفقات التربية والصحة والاستثمارات”. ومن القضايا الملحة الأخرى، بدء “إصلاح عميق للشركات العامة” العاملة في مجالات مختلفة، من اتصالات وكهرباء ومياه شرب ونقل جوي، والتي تتمتع في غالب الأحيان بالاحتكار وتوظف ما لا يقل عن 150 ألف شخص. وأكد المسؤول في الصندوق أن “جهدا كبيرا يجب أن يبذل أيضا على صعيد الفاعلية المتعلقة بما يتوقعه الشعب على صعيد الخدمات العامة”. وقال إن “عدم مرونة الموازنة يتفاقم بسبب عبء الدعم العام”، مشددا على “الطابع غير المتكافئ لدعم المحروقات”. ويدعو الصندوق إلى أن يترافق إصلاح نظام الدعم على المحروقات والسلع الأساسية مع آليات تعويض تستهدف الطبقة الفقيرة. التراكمات أدت إلى دخول تونس في نفق من الأزمات المالية المتتالية، كون بند الرواتب أثر كثيرا على الموازنة، إلى جانب بند الطاقة ويدرك صندوق النقد “تأثير” قراراته على الأطراف المانحة الأخرى المحلية والخارجية العامة والخاصة، علما أن الاتحاد الأوروبي ودولا كبرى أخرى ربطت تقديم أي مساعدة بضوء أخضر يصدر عن الصندوق. وقال فاشيه إن “ذلك يشكل مسؤولية ملقاة على عاتق الصندوق”، لكنه أكد أن “المسؤولية الأكبر تقع على أصحاب القرار وعليهم التحرك لإيجاد حلول”. ورأى أنه لا يمكن القول كما يؤكد البعض أن تونس باتت على شفير الإفلاس المالي، موضحا “هناك إدارة للموازنة تحصل وتتكيف مع الوضع وإن بطريقة غير مثالية، ويضاف إلى ذلك أن تونس ليست لديها استحقاقات تسديد ديون كبيرة على المدى القصير”.

مشاركة :