اكذب حتى يصدقك الناس

  • 5/11/2019
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

عندما تذهب في المرة القادمة لصناديق الاقتراع اختر أكثر المرشحين كذبا.. لأنه، حتما، الأصلح لأداء المهمة. “اصنع للناس شيطانهم، واتركهم ينسبون إليه كل شيء”.. وكانت “الشياطين” التي روجها بوش الابن، بشأن مبررات الحرب على العراق، من أشهر أكاذيب السياسيين في التاريخ. الأميركيون ليسوا أول من وظف الخديعة والكذب في الممارسة السياسية. الجميع متفق على أن نيكولا ميكيافيلي هو من أرسى الأساس الأخلاقي للخداع، وأعلن، دون مواربة، أن ما يعتبر من الأخلاق الحميدة، والاستقامة بين الأفراد، لا يصلح في السياسة، وفي الحكم والعلاقات الدولية. الغاية، عند ميكيافيلي، وعند كل من مارس السياسة، تبرر الوسيلة.. إنها أول خطوة لكل سياسي مبتدئ. معاوية بن أبي سفيان، سبق الغرب، وسبق ميكيافيلي نفسه، في توظيف الخديعة سلاحا دبلوماسيا، وذلك في نصيحته لابنه: “يا بني، إذا خدعك أحدهم، فانخدعت له، خدعته”. ولكن، متى يصبح الكذب عملا غير أخلاقي؟ عندما يكون الهدف تحقيق مكسب ذاتي، ومصلحة فردية، يصبح الكذب فسادا، ويصبح السياسي فاسدا. السياسي الكذاب ينصب زعيما، بينما ينتهي الأمر بالسياسي الفاسد منفيا أو داخل زنزانة. أحد دواعي الكذب، هو أن تكذب الدول لتحسين وضعها العسكري، كما يقول تشرشل، ففي زمن الحرب يصبح الصدق شيئا ثمينا، “لا بد أن يحاط بسياج من الأكاذيب”. قد يجد الناس أن كذب السياسيين مبرر، عندما يتعلق الأمر بمصلحة الوطن. ولتحقيق تلك المصلحة، لم يتوان دونالد ترامب عن خرق كل القيم، وتزوير التاريخ رافعا شعار “مصلحة أميركا أولا”. نحن نعيش اليوم في عالم فوضوي، لا أحد يحرسنا من الأخطار. وفي عالم محفوف بالمخاطر على القادة بذل كل ما في وسعهم لصون دولهم وحمايتها. عليهم أن يعوا بأن الحياة، وليس فقط الحرب، خدعة تبررها الغايات. و”الكذب يصبح واجبا”، وليس فقط أن تكذب تحت بعض الظروف. ليس المهم أن تكون صادقا في عالم السياسة، بل أن يصدقك الناس. وما ينطبق على العلاقات الدولية، ينطبق أيضا على العلاقات بين الأحزاب في أعتى الديمقراطيات. توظيف الإشاعة، والتنقيب في الماضي، ونشر الفضائح، ممارسات لم يتردد زعماء سياسيون في استخدامها، محولين العمل السياسي إلى مصارعة حرة، يسمح فيها بالضرب تحت الحزام. “اكذب حتى يصدقك الناس″، نصيحة كلفت أوروبا والعالم غاليا، وساهمت في خلق الأسطورة القومية والعنصرية، لتفوق العرق الآري. الخديعة في الحكم والسلطة، حتى لا نقول السياسة، أقدم مما نظن، دعونا نسترجع بعض الأحداث والشخصيات التاريخية. أدبيات ما زلنا نستلهمها في حياتنا اليومية، وأحيانا نأخذها نموذجا نحتذي به، ويقرها التربويون في المناهج الدراسية، تحت مسميات الأبطال الشعبيين، والأساطير. وهي في حقيقة الأمر أكاذيب أصبغنا عليها القدسية أحيانا، والشاعرية أحيانا أخرى. إن كان الكذب ملح الحياة، فهو للسياسة روحها..

مشاركة :