بدعوة كريمة من السيد فيصل خاجة، حضرت عرض مسرحية مذكرات بحار التي تعرض على مسرح مركز جابر الأحمد الثقافي، توقعت من الاسم أني سأشاهد أوبريت مذكرات بحار الغنائي، ربما مع بعض التعديل، وما إن بدأ العرض حتى وجدتُني أمام شيء آخر، مسرحية غنائية مكتملة الأركان، قام الروائي سعود السنعوسي بكتابة النص، موظّفا لوحات مذكرات بحار التي قدمتها وزارة التربية عام 1979، وكان بإمكان سعود العودة إلى ديوان محمد الفايز للاطلاع على النصوص الشعرية الأصلية، وهي بالتأكيد تختلف عن الأوبريت الغنائي، فقد تعرضت للمونتاج، وربما تخدم النصوص الأصلية رؤيته الدرامية أكثر وتقضي على أي تناقض بين ما يغنّى وما يجسّد على خشبة المسرح. المعالجة الدرامية كانت موفقة في تصوير أحداث الحقبة الزمنية التي عالجتها المسرحية، والحوارات اتسمت بالصدق ومواءمة الشخصيات والسلاسة، واستطاعت أن توصل إلينا كمّ المعاناة التي عاشها الأجداد في صراعهم مع البحر وصراعهم الطبقي مع من يستنزفون جهدهم وعرقهم. واستطاع النص الدرامي التناغم مع الشعر المغنّى إلى حد كبير، رغم تضحيته بالعم، ورغم أن تسلسل الأحداث والمقدمات ينبئ بأن الذي سيعاني أهوال البحر هو الحبيب الشاب عبدالعزيز الذي يسعى للحصول على الدانة لتقديمها لمحبوبته. واستطاع مخرج العرض تاما ماثيسون بحرفيته أن ينقلنا إلى البحر وعلى ظهر السفينة من خلال التجسيد المادي للديكورات وما يعرض على الشاشتين الأمامية والخلفية، مما جعل الجمهور يندغم مع الأحداث، خاصة مع جماليات السينوغرافيا المبهرة بمكوناتها، كما قدّم لنا أكثر من مستوى للحدث في وقت واحد وبإقناع، على سطح السفينة وساحة الفريج، أو على سطح المنزل والمقهى، أو سطح السفينة وما يحث في قاع البحر. وإلى جانب الأداء الفردي المميز للممثلين، فإن أداء المجاميع وحركتهم كانا في غاية الانضباط، واستطاعت المجاميع في تشكيلاتها وأدائها الحركي المتقن الذي تجاوز المعروف والمألوف أن تكمل دلالات الشعر المغنّى، وأن تتناغم مع البيئة المشهدية. ربما لم يتطابق مع الواقع تصوير العواصف التي تضرب سفينة الغوص، وكما هو معلوم فالغوص على اللؤلؤ يكون في الصيف، وقريبا من السواحل، وهذا لا يعرض السفن لمخاطر العواصف بعكس السفر للنقل التجاري الذي يكون في الشتاء، وتتعرض السفن للعواصف والأمواج الخطيرة وتاريخنا البحري يشهد على عدة حوادث لسفن السفر، ولا يذكر شيئا عن سفن الغوص. لقد أمتعنا العرض وأسرنا بكل مكوناته وتفاصيله، خاصة غناء الشباب وأدائهم المقنع في عمل غنائي كبير، وخصوصا خالد العجيري وولاء الصراف، والأداء التمثيلي للفنانة المخضرمة زهرة الخرجي وخليفة العميري الذي جسّد دور عبدالعزيز، والحضور الطاغي للطفلة زينة الصفار، ولا يمكن تجاوز أداء الأوركسترا المكونة من نخبة من شباب الكويت الذين استطاعوا أن يقدموا مثل هذا العمل الكبير باحترافية وتميز. وفي الختام يطل علينا الفنان الكبير شادي الخليج في لوحة الختام مع المجاميع مرددا مع الجميع "ها نحن عدنا ننشد الهولو".... ويتفاعل الجمهور مع هذا الفنان الذي أعطى الكثير للوطن، وتغنى له في أفراحه وأتراحه. ويخرج الجمهور من هذا المسرح الذي أعطى للعرض إمكانات هائلة، وهو في حالة من المتعة والنشوة الوجدانية والفكرية. مسرحية مذكرات بحار الغنائية بحق تشكّل علامة فارقة في تاريخ المسرح الكويتي.
مشاركة :